مشاريـع عملاقـة واستثمـارات بمليــارات الدولارات
تحتل الجزائر موقعًا رياديًا في القارّة بفضل مؤسساتها الناشطة في مجالات الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة، مستندة إلى خبرة طويلة في صناعة النفط والغاز، وبنية تحتية متطورة، واستثمارات متنامية في البدائل الطاقوية. هذه العوامل جعلتها فاعلاً محورياً في صياغة معالم التعاون الإفريقي في المجال الطاقوي، وهو ما تجلى خلال فعاليات الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، حيث تحولت قضايا الطاقة إلى محور رئيسي في النقاشات والاتفاقيات.
باتت الأنظار اليوم، موجّهة نحو مؤسّسات الطاقة والمناجم والطاقات النظيفة، باعتبارها محرّكات أساسية لدفع التعاون الاقتصادي بين الجزائر والدول الإفريقية. فالقارّة، الغنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن، إلى جانب مؤهّلات هائلة في مجال الطاقات المتجدّدة، تحتاج إلى شراكات فعلية تضمن استغلال هذه الثروات بطريقة مستدامة، وتحقّق استقلالًا اقتصاديًا وطاقويًا طالما كان هدفًا لشعوبها.
كشف المعرض عن ديناميكية جديدة في التعاون الطاقوي الإفريقي، من خلال توقيع مذكّرة تفاهم كبرى بين الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار وشركة “السويدي إلكتريك” المصرية، بقيمة تناهز 2.5 مليار دولار. ويتضمّن المشروع إنشاء مصانع للكابلات والمعدات الطاقوية بالجزائر، مع توجيه جزء من الإنتاج للتصدير نحو الأسواق الإفريقية، بما يعكس إرادة بناء قاعدة صناعية مشتركة بدل الاكتفاء بتصدير المواد الخام.
في السياق نفسه، حظيت مؤسّسات وطنية جزائرية بتقدير واسع، على غرار “سوناطراك”، أكبر شركة طاقوية في إفريقيا بخبرتها وشراكاتها، و«سونلغاز” التي أثبتت قدراتها في إنتاج المعدات وإنجاز المنشآت الكهربائية، إلى جانب “سونارام” التي رسّخت مكانتها في تثمين الموارد المنجمية. هذه المؤسّسات تتجاوز حدود السوق الوطنية لتضع خبرتها في خدمة مشاريع إفريقية متنوعة، ما يجعلها محرّكًا رئيسيًا للتكامل القاري.
ثروات هائلة واستغلال محدود
تشير معطيات الوكالة الدولية للطاقة، إلى أنّ إفريقيا تملك 13% من احتياطي النفط العالمي، و7% من احتياطي الغاز، فضلًا عن إمكانات ضخمة في مجال الطاقات الشمسية، إذ تسجّل القارة أعلى معدلات الإشعاع الشمسي على الصعيد العالمي. كما تحتضن القارة أكثر من 60% من احتياطي الكوبالت المستخدم في صناعة البطاريات، أغلبه بالكونغو الديمقراطية.
رغم ذلك، لا يزال الاستغلال محدودًا، إذ يفتقد نحو 600 مليون إفريقي الكهرباء، بحسب البنك الإفريقي للتنمية، ما يعكس فجوة كبيرة بين الثروة الطبيعية والواقع الطاقوي. وهو ما يستدعي مضاعفة الجهود لتوطين الصناعات التحويلية، وبناء شبكات إنتاج وتوزيع قارية قادرة على تلبية الطلب المتزايد، المتوقّع أن يتضاعف بحلول 2040.
مشاريع تكاملية عابرة للحدود
كانت الجزائر سبّاقة في الدفع نحو مشاريع استراتيجية، أبرزها أنبوب الغاز العابر للصّحراء، الرابط بين نيجيريا والجزائر مرورًا بالنيجر، على مسافة تفوق 4 آلاف كيلومتر. المشروع الذي أُعيد بعثه مؤخّرًا يُعد من أكبر المشاريع الطاقوية بالقارّة، وسيوفر ما يصل إلى 30 مليار متر مكعّب من الغاز سنويًا للأسواق الإفريقية والأوروبية، إلى جانب توفير آلاف فرص العمل وتعزيز التعاون الثلاثي.
كما تسعى الجزائر إلى ربط شبكاتها الكهربائية بدول الجوار، في أفق بناء شبكة كهرباء مغاربية-ساحلية، تسمح بتبادل الفائض وضمان استقرار الإمدادات. وهو ما يؤكّد أنّ التكامل الطاقوي لم يعد مجرّد شعار، بل خيار استراتيجي يترجم باستثمارات ملموسة.
الطاقات المتجدّدة.. خيار المستقبل
ط تفرض التحولات العالمية ضرورة الاستثمار في الطاقات النظيفة، وإفريقيا بما تملكه من إمكانات، مؤهّلة لتكون رائدة في هذا المجال. الجزائر بدورها وضعت خطة لإنتاج أكثر من 15 ألف ميغاواط من الكهرباء الشمسية في أفق 2035، مع إشراك مؤسّسات إفريقية في هذه المشاريع. وإذا ما تمّ تعميم هذا النموذج على القارّة، يمكن أن تتحول إفريقيا إلى أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة في العالم، لاسيما وأنها تمتلك ما يفوق 40% من القدرات العالمية للطاقة الشمسية.