وفّـرت كــل أسباب ترسيخ البيئة الدّاعمــة للمؤسّسات النّاشئــة

الجزائـــر المنتصـرة ترفـع رهـان اقتصـاد المعرفــة

محمد لعرابي

صدوقـي: المؤسّســات النّاشئــة مرتبطــة برؤيــة استراتيجيـة حصيفــة

 تشهد الجزائر منذ سنوات تحوّلات اقتصادية لافتة، جعلت من المؤسسات الناشئة محورًا رئيسيًا في سياساتها الرامية إلى كسر التبعية للمحروقات وتنويع مصادر الدخل الوطني، ومع انبثاق فجر «الجزائر الجديدة»، اتّجهت السّلطات العمومية إلى الاستثمار في الطاقات الشبابية المبدعة، باعتبارها المحرّك الحقيقي لاقتصاد المعرفة، ومفتاح الولوج إلى الأسواق العالمية.

 يعرّف الخبراء في مجال ريادة الأعمال المؤسّسة الناشئة بأنها شركات فتية تقوم على أفكار مبتكرة، مهمّتها خلق تجديد تكنولوجي وتسويقي، وتتكيف تدريجيا مع بيئتها الاقتصادية. ويوضّح هذا أنّ المؤسسة الناشئة ليست مجرّد مشروع صغير تقليدي، بل هي فضاء للإبداع يتطلّب بيئة خاصة تحفّز على التجريب والمخاطرة، وتدفع نحو الابتكار التكنولوجي.

تثمـــين الابتكــار

 إدراكًا منها لأهمية هذا القطاع، أولت الجزائر المؤسّسات الناشئة باهتمام بالغ، لِـما لها من دور في تطوير الاقتصاد الوطني وإعادة بعثه على أسس جديدة، ولقد تجسّد هذا الاهتمام في سن قوانين خاصة، وتأسيس هياكل موجّهة لمواكبة هذه الشركات الفتية، ومنحها امتيازات ضريبية وتشجيعها على دخول السوق الوطنية والدولية بثقة أكبر.
ويعتبر الباحث حميد صدوقي أنّ قرار استحداث لجنة لمنح علامة مؤسسة ناشئة، من الخطوات اللافتة التي ميزت التجربة الجزائرية، وقال إنّها بمثابة أداة لفرز المشاريع الجادة، فهي خطوة أساسية لتمييز المشاريع المبتكرة وتمكينها من الاستفادة من الامتيازات القانونية والجبائية».
علامة المؤسّسة الناشئة إذن، ليست مجرد إجراء إداري، بل تعني أن المشروع تجاوز مرحلة الفكرة النظرية، وأصبح مؤهّلا للاستفادة من آليات التمويل والدعم، وهو ما يمنحه ثقة إضافية أمام المستثمرين المحليّين والدوليين.

توطيد أرضية العمل

 وإذا كان التمويل يشكّل - على الدّوام - أحد أكبر التحديات التي تواجه روّاد الأعمال، فإن الجزائر بذلت كل الوسائل من أجل كسر هذا الحاجز، وذلك من خلال آليات جديدة. وفي هذا السياق، صرّح مسؤولون بوزارة اقتصاد المعرفة بأنّ: «الدولة سخّرت آليات دعم متعددة، بينها الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة الذي يقدم تمويلا بعيدا عن البيروقراطية، عبر المشاركة في رأس المال بدل القروض التقليدية».
ويرى صدوقي أنّ التوجه نحو التمويل بالمشاركة، عوض القروض البنكية المثقلة بالضّمانات والفوائد، يعكس إرادة سياسية حقيقية لتشجيع المخاطرة والابتكار، ويتقاطع ذلك مع ما أكّده خبراء في التمويل الريادي، فهم يرون أنّ «رأس مال المخاطر يمثّل البديل الأمثل لتمويل المؤسسات الناشئة في الجزائر، لأنّه يوفر مرونة أكثر من التمويل الكلاسيكي».

رهانــات مرفوعـة

 رغم هذه المكاسب الكبيرة التي تحقّقت، فإنّ الطريق نحو بناء منظومة ابتكار قوية لا يخلو من التحديات. وقد يكون التحدي الأكبر كامنا في الانتقال من الدعم القانوني والمالي إلى بناء منظومة ابتكار متكاملة، يكون فيها البحث العلمي شريكا فعّالا في النهوض بالمؤسسات الناشئة»، غير أن هذا الباب بالذات، هو ما تركّز عليه المنظومة الجامعية التي وضعت جميع الإمكانات بين أيدي الطلبة، إذ لا يمكن للمؤسسات الناشئة أن تزدهر دون ارتباط وثيق مع الجامعات ومراكز البحث، ولا دون بيئة تشجع على التجريب وتُسهل الولوج إلى التكنولوجيا والمهارات.

آفــاق التّطـــوّر

 فيما يخص الآفاق المستقبلية للمؤسسات الناشئة بالجزائر، يرى صدوقي أن فرص نجاحه كبيرة، خاصة وأن الجزائر تتوفّر على قاعدة شبابية واسعة، حيث يشكّل الشباب دون 35 سنة أكثر من نصف السكان، ما يوفّر طاقة بشرية هائلة قابلة للتوجيه نحو الابتكار وريادة الأعمال، كما أن الانفتاح المتزايد على الشراكات الدولية، سواء عبر استقطاب الخبرات أو جذب الاستثمارات الأجنبية، سيساعد على دمج هذه المؤسسات في سلاسل القيمة العالمية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ القوانين الجديدة الخاصة بالاقتصاد الرقمي، وتهيئة حاضنات ومسرّعات أعمال في مختلف الولايات، ستشكّل رافعة عملية لتوسيع قاعدة المؤسّسات الناشئة، وتحويلها من مبادرات فردية محدودة إلى منظومة إنتاجية ذات قيمة مضافة.

نحو اقتصاد قائم على المعرفة

 ما يميّز التجربة الجزائرية في هذا المجال - يقول صدوقي - هو ارتباطها الوثيق برؤية استراتيجية أوسع، ترمي إلى إرساء اقتصاد المعرفة، فالمؤسّسات الناشئة ليست مجرد أداة لخلق مناصب شغل جديدة، وإنما هي لبنة أساسية لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني وفق معايير الابتكار والتنافسية، فحين تتمكّن هذه المؤسسات من تحويل أفكار مبتكرة إلى منتجات وخدمات ذات قيمة عالمية، فإنّها ستفتح للجزائر أبواب أسواق جديدة، وتقلّص من فاتورة الاستيراد، وتخلق ديناميكية داخلية تستوعب الكفاءات بدل دفعها نحو الهجرة، يؤكّد صدوقي.
ويرى صدوقي أنّ المؤسّسات الناشئة بالجزائر تمثّل اليوم أكثر من مجرد «صيحة اقتصادية»، بل هي رهان استراتيجي تتقاطع عنده طموحات الشباب مع إرادة الدولة في بناء اقتصاد بديل للمحروقات. صحيح أنّ التحديات ما تزال قائمة، إلاّ أنّ الإطار القانوني الجديد، ودعم الدولة عبر الصندوق الوطني للتمويل، والاستثمار في رأس المال المخاطر، كلّها مؤشّرات توحي بأنّ الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو بناء منظومة مؤسسات ناشئة قوية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025