ماهو موقع البحث العلمي من برامج التنمية والمشاريع الكبرى الرامية للنهوض بالاقتصاد الجزائري؟ هو السؤال الذي حاول الإجابة عنه الأمين العام للنقابة الوطنية للباحثين الدائمين، التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، في هذا الحوار الذي خص به «الشعب»، بعد انتخابه في شهر سبتمبر الماضي، أمينا عاما للفيدرالية الدولية للباحثين.
الشعب: لقد تم انتخابكم أمينا عاما، للفيدرالية الدولية للباحثين، فما هو تعليقكم على هذه التجربة الجديدة في تاريخ البحث العلمي والتعليم العالي الجزائري؟ سماتي زغبي : الفيدرالية الدولية للباحثين هي منظمة غير حكومية، مشكلة من مجموعة من النقابات والجمعيات، وهي عضو مراقب في اليونيسكو، تتبنى أيضا قيم تقدمية يسارية تحارب سباق التسلح، الرأس مالية المتوحشة، سيطرة المال على مسار العالم. انعقدت جمعيتها التي تم انتخابي بها، بموسكو بين 8 و13 سبتمبر وشاركت فيها الجزائر بنقابتين تابعتين للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهما المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي والبحث العلمي، والفيدرالية الوطنية للباحثين الدائمين. ولأول مرة ينتخب جزائري، عربي وإفريقي على رأس هذه المنظمة التي أسست في سنة 1946 والتي من أهدافها أيضا، نشر السلام ومحاربة التسلح وجعل العلم مسؤولية اجتماعية على عاتق العالم والباحث توظف إيجابا لا سلبا. للعلم فإن النقابة الوطنية للباحثين الدائمين منخرطة في الفيدرالية الدولية مند سنة 2006، وقد شاركنا في جمعيتين عامتين منذ انخراطنا، كانت آخرها التي انتخبت فيها أمينا عاما. ❊ ما هو تقييمكم لواقع البحث العلمي في الجزائر، ونحن نشهد تسطير برامج ضخمة لبناء الجامعات والمعاهد ومخابر البحث لتعميمها على كافة التراب الوطني؟ ❊❊ لا يمكن للبحث العلمي أن يختلف عن الوضع العام السائد في البلاد، هناك قرارات سياسية هامة، ومجهودات جبارة بذلت ومازالت تبذل، من أجل تشجيع وتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، غير أنه وللأسف، لم ترق النتائج المسجلة لمستوى الجهود المبذولة والإمكانيات الضخمة المسخرة. ❊ وإلى ماذا ترجعون أسباب هذه الوضعية؟ ❊❊ هناك عدة عوامل، فالوضعية العامة سواء للمجتمع أو للاقتصاد الجزائري لا تسمح بالاستفادة من نتائج البحث العلمي، وكأن المجتمع غير مهيأ للتعامل مع نتائج هذا القطاع الحساس. فبإنشاء 90 جامعة، 30 مركز بحث، 10 وحدات بحث علمي، وحوالي 1000 مخبر، تحتل الجزائر اليوم، من جانب الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي، مرتبة تحسد عليها من قبل العديد من الدول، غير أن هذا الكم الهائل من الاستثمار من المفروض أن يعطي نتائج عالية، لكننا ما زلنا نتخبط في مرحلة جنينية، بغض النظر عن بعض المؤشرات التي سمحت في السنوات الأخيرة أن نرجع إلى الساحة الدولية، من خلال النشر والمقروئية على نطاق أوسع، إذ نظمنا أنفسنا كي تصبح البحوث العلمية الجزائرية مقروءة، عالميا وبمعايير دولية، والفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى تكنولوجيات الإعلام والاتصال. وفي ما يخص احترام معايير النشر والمقروئية العالمية، فعلى سبيل المثال، العديد من الأبحاث العلمية التي تجرى بجامعة باب الزوار تنشر، لكن كل باحث يسمي الجامعة كيف ما يحلو له، وبالتالي تضيع فرصة انتساب النشريات للجامعة وللجزائر. والغريب في الأمر، أن بعض الباحثين، يفضلون نشر نتائج أعمالهم بجامعات وبمجلات أجنبية، وهنا يلقى اللوم على الباحث ومسؤوليته اتجاه الجامعة والجزائر. وكذالك فالاقتصاد الجزائري والبيروقراطية، يجعلان من اللجوء للخبرات الوطنية في مجال البحث العلمي، عملية صعبة ومعقدة، مما يدفع بالمؤسسات إلى الاستعانة بخبرات أجنبية عند الحاجة، مع العلم أنتا نفتقر في الجزائر لهيئة جدية يمكنها تولي موضوع البحث العلمي، فالوكالة الوطنية لتثمين الأبحاث لا تملك الإمكانيات اللازمة وهي غير مؤهلة لتثمين نتائج الأبحاث، مما يجعل هذه الأخير، حبيسة الأدراج أو تستفيد منها إقتصادات أخرى غير الاقتصاد الوطني. ❊وهذا حسب ما تعتقد قد شجع نوعا ما ظاهرة هجرة الأدمغة إلى خارج البلاد؟ ❊❊ هذا المشكل بمثابة نزيف خطير على المجتمع وعلى كل نواحي الحياة، هناك بعض الأرقام التي تعني الحقبة بين 1990 و2015 والتي تشير إلى هجرة 50 ألف إطار مؤهل للنشاط في البحث العلمي. حاليا الجزائر تتوفر على موارد بشرية في ذات المجال تقدر بحوالي 45 ألف، ولكن يبدو أن هنالك مؤشرات بداية الهجرة العكسية ، نتيجة الإجراءات التحفيزية التي يتوفر عليها القانون الأساسي للبحث العلمي ورفع الأجور والامتيازات الخاصة، مثل مشاريع السكن وغيرها. فلا بد من مواصلة المجهود في هذا الاتجاه لتحسين المستوى الاجتماعي لأساتذة التعليم العالي، الأمر الذي سيشجع حتما رجوع الباحثين إلى أرض الوطن. لا يمكن الاستفادة من الأدمغة وهي في الخارج لأن بعض التخصصات أصبحت حكرا على بعض الدول لأسباب إستراتيجية وسياسية واقتصادية. ❊ بما أننا على أبواب الثلاثية التي ستجمع بين الحكومة وشريكيها والتي من المفروض أن تناقش ملف أهمية الموارد البشرية في النهوض بالاقتصاد الوطني، فهل سيضيف جديدا لتشجيع خبرات البحث العلمي؟ ❊❊ لابد من التذكير بأن الإدارة المركزية، قد نادت مرارا وتكرارا، كي نجعل من البحث العلمي القاطرة الأولى للاقتصاد الجزائري، لكن وللأسف، لم يجد هذا النداء الصدى المطلوب، لدرجة أننا نرى اليوم هذا الكم الهائل من مشاريع التنمية تشرف عليها مكاتب دراسات والخبرات الأجنبية، دون الجزائرية. فلابد من إشراك المنظومة الوطنية للبحث العلمي في عملية التنمية وكذا في البرامج الخماسية لفخامة رئيس الجمهورية، كي يكون لها انعكاس إيجابي وأثر مفيد على اقتصاد البلاد، فأضعف الإيمان أن تحول دون سوء تنفيذ المشاريع على أرض الواقع، وخير مثال على ذلك، مشروع الطريق السريع شرق-غرب، الذي بدأت عيوبه في الظهور، لغياب الرقابة خلال تجسيده، كون صاحب المشروع هو الذي راقب عمله، عوض الخبرات الوطنية المؤهلة .