أزاحت أحداث ٢٠ أوت ١٩٥٦ الكثير والكثير من الغموض، والاشكال المتعلقين بالثورة التحريرية، سواء على مستوى التنظيم او الهياكل، او الاقليم، أو الوحدات، فاذا كانت فكرة تنظيم مؤتمر الصومام تزامنت مع هجومات الشمال القسنطيني فان تحديد التوقيت جاء نتيجة لافرازات خلفتها الثورة في بداية اندلاعها من جهة وتحفظ بعض الشخصيات سواء من جمعية العلماء المسلمين، او «ليدما» وعدم التحاقهم بالثورة، من خلال مواقف التحفظ او الرفض اللذين ابدوهما وهو ماجعل وزير الداخلية الفرنسي آنذاك فرانسون ميتران يصرح بان هؤلاء هم قطاع طرق، وعصابات اجرام، لاغير، وان فرنسا سوف تقوم بتطهير المنطقة منهم (أي منطقة الاوراس).
أما في الجانب الاخر وفي منطقة أكفادو بآعالي ايفري كان القادة ينتظرون وصول الوفود المشاركة، ولكن تأخر كل من قادة الاوراس، بسبب الحصار والولاية الثانية التاريخية بسبب الهجومات التي خطط لها زيغود يوسف هذا الاخير الذي ادرك ان رفع الحصار المضروب عن المجاهدين في منطقة الاوراس بات اكثر من ضرورة، ولابد من دعم لوجيستيكي وبعث الثورة وطنيا، والفضاء على مركزية الثورة، بمعنى ان كل الولايات معنية بالقضية الوطنية، والثورة امتداد للوطن ككل وليست حكرا على منطقة دون اخرى.
وقد جاء رد زيغود في توقيت اعتبره الكثير من العسكريين الفرنسيين من خلال مذكراتهم حين اعترفوا فيها ان التعليمات التي يصدرها قادة الثورة والحديث عن زيغود هي بمثابة اوامر عسكرية، يخضع لها العسكري والمدني والفدائي وكل الشرائح.
وهذا ماجعل الخطة التي رسمها تأخذ منحناها الايجابي من خلال تجند الجميع، وفي توقيت واحد وهي الساعة ١٢ منتصف النهار في شهر اوت اين تكون درجة الحرارة في اقصى تقديراتها الفصلية، وهو ما مكنهم من استهداف اكثر من ٤٠ هدفا استعماريا ثم تنفيذه سواء عن طريق التخريب او الحرق او اتلاف مخازن القمح والمؤونة، او سرقة اسلحة الكولون او الهجوم على مراكز الدرك والعدو الفرنسي والاستيلاء على الذخيرة والاسلحة والعتاد.
وهي القضية الناجمة التي اقهرت فرنسا الاستعمارية وعجلت بسقوط حكوماتها الواحدة تلوى الاخرى وعجزت عن اخماد لهيب الثورة الذي امتد الى ربوع الوطن خاصة وان قرارات مؤتمر الصومام التي كانت بمثابة ميلاد وثيقة ثانية، مكملة لوثيقة بيان أول نوفمبر، وهي في شقها السياسي والعسكري قد اضافت الكثير والكثير للثورة، من خلال قراراتها، وتبنيها لاولوية الداخل على الخارج والسياسي على العسكري، واضافة ولايات تاريخية، وانشاء مجلس اعلى للثورة، ومنه لجنة التنسيق والتنفيذ.
ان نجاح مؤتمر الصومام من خلال تبنية لمشاريع ذات بعد استراتيجي مكنت الثورة من الكفاح والصمود، واعطاها نفسا جديدا، تنظيميا وتكتيكيا، كما اضافت هجومات الشمال القسنطيني رصيدا ثوريا، من خلال الوحدة الترابية، التي هي كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الولايات التاريخية الاخرى.
وبالتالي فهما حدثين معلمين في تاريخ الثورة التحريرية تستوقفنا المحطات للوقوف والتمعن واعادة القراءة من جديد لتاريخ اعظم ثورة في تاريخ العصر الحديث.
فرنسا دقت ناقوس الخطر حينما ادركت
لامــركزيـة الثــورة وامتــدادها وطنـــيا
@ نور الدين لعراجي
شوهد:391 مرة