أولوية الوقاية والتوجيه على القمع والزجر

سعيد بن عياد

مرّت الشرطة الجزائرية بمراحل عديدة على امتداد مسارها كمؤسسة للجمهورية الجزائرية تتكفل ببسط الأمن وتكريس الطمأنينة على كافة ربوع البلاد بما يضمن وتيرة التنمية ويعزز مسار البناء على كافة الجبهات، وكانت في كل فترة تواكب خصوصيات نظام الحكم لتستجيب لمقتضيات كل مرحلة محققة مكاسبا ولكن أيضا مثيرة جدلا في المجتمع الذي لطالما تطلع لشرطة أكثر احترافية متمسكا بهذا الجهاز الحيوي الذي ما فتئ يحقق تطورات تؤهله بامتياز لأن يكون في الريادة خاصة بدخوله عالم التكنولوجيات الجديدة وانتهاج سياسة منتظمة للتكوين والتأهيل، دون تجاهل ما قدمه السلف في هذا السلك والذين لم يكونوا جميعهم سيئين.
وتقف الشرطة الجزائرية منذ أن دخلت البلاد عهد التعددية والديمقراطية - وهو بناء مصيري يتطلب وقتا ومرافقة والتزاما من كافة الشركاء بما فيها الشرطة  - على عتبة التموقع في المنظومة الشاملة للمجتمع كمؤسسة نظامية تعتمد مقاربة دولة القانون ومن ثمة دخول عالم الاحترافية بكل ثقة، الأمر الذي سخرت له الدولة كامل الإمكانيات والموارد من أجل بلوغ الأهداف الإستراتيجية التي تتطابق مع الخيارات الوطنية الكبرى التي تعزز مكانة الجزائر إقليميا وعالميا وتلعب فيها الشرطة أدوارا متقدمة ليس في التصدي للجريمة التقليدية، وإنما أيضا في التحكم في مختلف أنواع الجرائم العصرية كالمعلوماتية والاقتصادية والعلمية.
لم يعد رجل الأمن اليوم مثيرا للتحفظ أو الحذر بفضل انخراط هذا الجهاز وبقوة في الديناميكية الشاملة لبناء المجتمع، ومن ثمة الالتصاق وبشكل تفاعلي بالمواطن من خلال الإصغاء والتكفل بانشغالاته ذات الصلة بالأمن. ويلاحظ بشكل واضح كيف أصبحت العلاقة بين رجل الأمن والمواطن على مستوى مختلف المواقع متوازنة ومضبوطة يحكمها القانون ولكن أيضا الأخلاق المهنية وثقافة تعامل عالية تبعث مناخا من الارتياح والتجاوب في رسالة قوية للأجيال الناشئة على قيم وقواعد بناء مجتمع يرتكز على سلطان القانون والمؤسسات.
وينبغي التنويه لما تواجهه الشرطة في مختلف المراحل وبالذات الراهنة أمام ما يفرزه المجتمع من ظواهر سلبية  وجرائم وفساد تجعل المهمة صعبة ومعقدة وأحيانا مثيرة للجدل خاصة لما يحدث تصادم بين صرامة القانون وغموضه في بعض القضايا وحتمية الممارسة الجوارية، وتداعيات التطور السريع للمجتمع وحالات الضغط التي تفرضها التحولات السوسيو- اقتصادية خاصة بالنسبة لشريحة الشباب المعرض لهزات تتطلب مرافقة من كافة المؤسسات بما فيها الشرطية منها، التي لا تتأخر عن الوقوف بالمرصاد لمختلف المراكز التي تعيش على هامش القانون والتي تحمل تهديدا لثروة الأمة ومصدر قوتها البشرية.
وبالفعل تحققت نتائج لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها، ليس فقط على مستوى مكافحة الجريمة ومطاردة الإرهاب والتصدي للجريمة المنظمة وكسر شوكة الخارجين عن القانون، ولكن، وهذا أمر جوهري، على مستوى العلاقة المتوازنة بين جهاز الأمن والمجتمع بكافة شرائحه وأطيافه من خلال إعادة صياغة أدبيات العمل الشرطي بتقديم الوقاية والتوجيه والمرافقة على القمع والزجر، إلا في الحالات المستعصية والتي لا يمكن التردد أمام ضرورة  وأدها في المهد حتى لا تستفحل.
ويلعب الأمن بالمفهوم الحديث دورا متقدما في بناء المجتمع وتعزيز مكاسبه الاقتصادية والاجتماعية بمفهومها الشامل، ومنع انتشار الجريمة بكافة أشكالها ومراقبة التحولات وإفرازاتها بما يمنع أي تسرب لخطر محتمل، خاصة جراء ما يحدث في المنطقة وتداعيات النظام العالمي الجديد القائم على استهداف السيادة الوطنية للدول الناشئة وخاصة تلك المتمسكة بالقرار المستقل في كافة الميادين مع توجه للشراكة المتوازنة والمتكافئة.
لقد انتقل هذا الجهاز من شرطة حماية الثورة، إلى شرطة مواطنة دون أن يفقد هويته الوطنية بالبقاء على صلة بالوطن والمواطن والحرص على مواكبة التحولات محليا وإقليميا ودوليا من خلال النشاط الدؤوب والنوعي في منظمة الشرطة الدولية «أنتربول». وبلا شك هناك حرص على مواصلة جهود الاحترافية التي تعمق مكانة الشرطة العلمية القائمة على الذكاء الإنساني والمعلوماتية بما يحمي الهوية الجزائرية بالمفهوم الشامل ويشجع على بلوغ المواطن الجزائري تطلعاته في ظل الهدوء والسكينة العامة. وهو المواطن الذي يسعد لرؤية رجل الأمن أنيقا ومبتسما وأيضا صارما في الدفاع عن تطبيق القانون والخضوع له.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024