عادت الحياة إلى أمورها الطبيعية بمنطقة حمام ملوان العذراء والأحياء المجاورة، عقب الهزة الأرضية التي ضربت الأربعاء الماضي، وخلفت الخوف والفزع وإصابات خفيفة بين السكان وانهيارات جزئية وتشققات في بعض المساكن والمؤسسات الادارية والتعليمية، بينما لازال عناصر الانقاذ من رجال الحماية المدنية أو من يعرفون بملائكة الأرض والأخصائيون النفسانيون والأطباء يضمنون المداومة وهم حاضرون بين السكان للرفع من معنوياتهم والتدخل عند طلب النجدة في الحالات الطارئة خاصة بين سكان حي «مقطع الأزرق».الزيارة التي قادت «الشعب» إلى عين المكان بعد أيام قلائل، تكشف أن الزائر لحي مقطع الأزرق، كونه الحي الأكثر تضررا، لا يمكنه أن يتخيل بأن هزة زلزالية مرت من هنا فجر الأربعاء الماضي، وأرعبت الناس وحطمت مساكن ومؤسسات تعليمية وإدارية وخدماتية مثل مركز البريد والمدارس، لأن سكان الحي في تنسيق مع السلطات المحلية وجمعيات نشطة في البيئة والمحيط، سارعت إلى القيام بحملة تنظيف لشوارع الحي ورفع مخلفات الانهيارات التي عصفت بتلك البنى، وتم مسح أي آثار للهزة الأرضية، بفضل حماة البيئة الذين اجتهدوا في تهيئة محيط الاشجار وإعادة سلل رمي الاوساخ، وكأن شيئا لم يحدث، وما يبعد فكرة وقوع نكبة طبيعية عودة المصطافين إلى ضفاف وادي حمام ملوان والسباحة فيه وخاصة الاطفال وغسل المركبات بالوادي بمدخل المدينة، وفتح التجار لمحلاتهم وعرض سلعهم، ووقوع إزدحام مروري خاصة الأحياء المحيطة مثل الجبسية ومقطع الارزق وحمام ملوان، لأجل اقتناء الفاكهة التي جناها أصحاب البساتين بتلك الأحياء مثل البرقوق والتين والخوخ، وشراء «خبز المطلوع» «والجبن» واللبن والليمون، وهي المنتجات التي برع فيها أهالي المنطقة وتلاقي رواجا خاصة في موسمها وفي شهر الصيام.
ملائكة الأرض يحلون ضيوفا بين الأسر والعائلات المنكوبة
كشف موظفون بجهاز الحماية المدنية ما زالوا يضمنون ويوفرون الخدمة والمناوبة منذ الأربعاء الماضي لـ«الشعب» أن ما قام به خاصة أهالي حي مقطع الأزرق محير ولم يصدقوا بأنهم بين منكوبين تعرضوا للصدمات النفسية والخوف جراء الهزة الأرضية، ويحكي أحدهم بأنهم شعروا بأنهم ضيوفا من ٥ نجوم أو أكثر، حيث قام الأهالي بالمنطقة وأكرموهم في ضيافة غير مشهودة، بالرغم من أنهم هم من كان يفترض أن يكرموا ويحسن إليهم، لأنهم ضحايا ظاهرة طبيعية مفزعة، لكن يضيف على العكس لم يقصروا وزادوا في كرم الضيافة عند الإفطار وحتى وقت السحور، ويضيف بأنهم كانوا يشعرون بأن الحي والأهل بما يزيد عن الـ ١٢٠٠ ساكن تحول إلى بيت واحد، كل يفيض عليهم بكرمه إلى درجة الذهول.
عودة الصلاة بالمسجد والسهر والسمر ليلاً
يروي «مراد» لـ «الشعب»، أحد النشاطين بجمعية الأزرق، لحماية البيئة والمحيط بحي مقطع الأزرق، أن السكان والجيران بادروا عقب حملة التنظيف والتنقية من آثار الهزة الأرضية، إلى المشاركة في تقديم وتوزيع المساعدات على العائلات المتضررة، وكانت تلك المساعدات تشمل بالخصوص موادا غذائية واستهلاكية بالأساس، وهي الحملة الثانية التي لاقت استحسانا وسلوكا تضامنيا ساعد في التخفيف من صدمة الكارثة ونسيان أعراضها المفزعة، بل أنها رفعت من المعنويات وغيرت من حديث الناس عن الكارثة، ويضيف أن الحياة عادت إلى طبيعتها وعادت الصلاة إلى المسجد العتيق وأدى الناس مثل بقية أيام الشهر الفضيل صلاة التراويح جماعة، وخرج شباب الحي وتسامروا بعد موعد الافطار، وهي المظاهر التي أعادت إلى الاذهان الحالة التي كان يعيشوها سكان الحي بشكل عادي ومألوف، حتى أنك لا تشعر بأن الناس يتحدثون عن الكارثة.
حضور مستمر للأطباء النفاسيين ورجال الحماية المدنية في كل لحظة...
ما زال أعوان الحماية المدنية إلى اليوم يتواجدون بين السكان ويضمنون التدخل في كل لحظة طلب، وزاد حضور الأطباء النفسانيين في تشكيل فريق منسجم مع أعوان الحماية لتقديم المؤانسة والتخفيف عن بعض الحالات الاستثنائية والنادرة التي ما تزال تعاني من وقع الكارثة والصدمة.
ويؤكد أحد السكان والعاملين بالحماية المدنية أن محيط المركز الصحي بالحي تحول إلى ما يشبه المكان الذي يجمع أعدادا من الناس للسهر والسمر، والذي تحول إلى ما يشبه المقهى الكبير ولكن في الهواء الطلق، وهي فرصة يؤكد بأنها قل ما تحدث وساعدت في نسيان المنكوبين للكارثة، واستأنسوا بتواجدهم أكثر مما ساعد في رفع المعنويات مع تقديم خدمة نفسية علاجية بطريقة رائعة وسهلة، وفوق ذلك ضمنوا التدخل والتنقل إلى مساكن بعض العائلات في الليل والنهار لأجل الوقوف على حالات أخرى قليلة بين الاطفال خاصة وكبار السن، عقب الهزات الارتدادية التي ظلت تضرب ولكن بدرجات ضعيفة.
ترحيل عائلات تضررت مساكنها إلى دار الشباب...
باشرت السلطات المسؤولة فور إحصاء ومعاينة المساكن المتضررة، إلى القيام بخطوة الترحيل، ومست العملية ترحيل عدد قليل من العائلات وبالتحديد ٥ عائلات إلى دار الشباب أو مخيم الشباب، إلى غاية النظر في وضعياتها وترميم ما يمكن ترميمه، وتجدر الاشارة إلى أن وزير السكن والعمران عبد المجيد تبون تنقل إلى أحياء بالمنطقة يوم الهزة الأرضية ووافق على تقديم ١٠٠٠ مقرر إعانة إلى العائلات المتضررة، وجاء عقب طلب الادارة المسؤولة بالولاية.
وتضمنت الاعانات غلافا ماليا معتبرا قدر مبدئيا بنحو ٧٠ مليون سنتيم، فيما تقرر التعجيل بتشكيل لجان تقنية مختصة في مراقبة ومعاينة البنايات، لأجل احصاء المساكن والمرافق المتضررة، لتنفيذ توزيع تلك الإعانات على أصحابها، فضلا عن التعهد بتنفيذ مشاريع تنموية بالمنطقة مستقبلا.
طرائف وقعت بين المنكوبين خلّفت جوا من الفكاهة والتنكيت...
يسود بين الناس مثل شعبي قديم مضمونه يقول أن «من البلية ما يضحك»، وينطبق المثل على إقرار بعض أهالي منطقة حمام ملوان، أن جوا من الفكاهة والمزح وقعا أثناء وعقب الهزة الأرضية، والبداية مع الشاب فاروق يروي على لسان صاحبه أن هذا الأخير كان يغط في النوم بمحله وسط مدينة حمام ملوان ولم يفق إلا وأوان فخارية ومزهريات تتساقط فوق رأسه، لكنه لم يتفطن إلى أن الأمر يتعلق بهزة أرضية، بل اعتقد أن فيه من قام برشقه بالحجارة ليعي بعد ذلك بأن زلزالا تحرك من تحت فراشه فهرب يصرخ ويقرأ الشهادة.
ويروي جيران شيخ طاعن في السن بحي دريوش في بوعرفة، أن الهزة الارضية التي انتشرت عبر طبقات الأرض ووصلت إلى حدود بعيدة، خلفت صوتا مدويا، وهو ما جعل الشيخ يعتقد بأن الامر تعلق بفعل إجرامي، فحمل بندقيته وخرج يبحث عن صاحب الصوت.
والمثال الثالث لشاب يعمل حارسا ليليا يروي لـ«الشعب» أنه توضأ بعد أن أتم سحوره وخرج طالبا المسجد للصلاة، وما إن سار خطوات حتى تحركت الارض من تحت قدميه فلم يفهم ما الذي حصل وراح يجري في الشارع ويكبر وبدل أن يقصد المسجد القريب منه، راح يجري نحو مسكن أهله ولم ينقطع عن التكبير... فعلا شر البلية ما أضحك».
الحياة تعود إلى الأحياء المتضررة بحمام ملوان بعد الزلزال
عائلات رحلت إلى دار الشباب والأطباء النفسانيون ورجال الحماية في تكفل بالمصدومين
البليدة: لينة ياسمين
شوهد:298 مرة