كانت ومازالت الجزائر وفية لمبدأ سياسة حسن الجوار، مؤمنة بفرضية النمو والتقدم والإزدهار في ظل استتباب الأمن على الساحة المحلية والإقليمية، وهي المبادئ التي ترجمت مليا وتكرارا منذ أن عقدت العزم في سنة ١٩٩٩ للنهوض من جديد بنموها والخروج من قبضة الإرهاب الذي عطل عجلة التنمية بها عشرية كاملة.
وتترجم هذه السياسة التي اعتمدها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، اليوم أكثر من ذي قبل من خلال الدور الفعال الذي تلعبه الجزائر في حل أزمة مالي واحتضان كل المبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى ذلك.
وأضحت الإستراتيجية التي إنتهجتها الجزائر منذ نهاية الثمانينات لمكافحة الإرهاب والمواقف العقلانية التي اتخذتها لتستأصل شوكته من وسط المجتمع الجزائري، عن طريق الحوار ومشروع المصالحة الوطنية، تجربة، ومرجعية تحاول حكومات وشعوب منطقة الساحل اليوم إتباعها.
كما أكدت الأحداث الخطيرة التي شهدتها منطقة الساحل مؤخرا، صحة ما كانت تحّذر منه الجزائر بشدة من تفشي خطر الإرهاب والأسلحة وانتشار شبكات الجريمة المنظمة وانعكاساتها الخطيرة على أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة.
وكانت الجزائر ـ التي تمسكت بموقفها القار بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ـ قد سبق وأن حذرت العالم وحكومات المنطقة في ما يخص أزمة ليبيا من خطر انتقال الأسلحة التي دعمت بها القوى العظمى المعارضة إلى أيدي الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة، ولم تكن الأزمة التي عصفت بشمال مالي إلا خير دليل على ذلك.
ولطالما اهتمت ومازالت تهتم بمسألة الأمن والتنمية بمنطقة الساحل، ساعية بكل جهودها تشجيع دول المنطقة على إتباع النهج الذي صارت عليه لتخطي الأزمات التي مرت بها وخاصة تلك المتعلقة بالعشرية السوداء التي كادت أن تعصف بكل ما شيده الشعب الجزائري في ظل السيادة الوطنية.
ولعبت الجزائر في العشريتين الأخيرتين تحت رئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دورا هاما في مساعدة حكومة مالي على حل النزاع القائم بينها وبين توارق الأزواد، وخاصة عند وصول الأمور إلى مرحلة الاحتقان سنة ٢٠٠٦ أين كان للجزائر دور وساطة أدى إلى تهدئة الأطراف وتوصلها إلى وضع حد للنزاع بكل دبلوماسية.
وكانت الجزائر ـ مرة أخرى ـ سبّاقة في الدفاع عن أطروحة «حل الأزمة التي عصفت بشمال مالي بعد انقلاب مارس، وتمركز الجماعات الإرهابية بكيدال وڤاو، عن طريق الحوار بين أبناء مالي دون اللجوء إلى التدخل الأجنبي».
وقد انتهى المطاف بأبناء مالي، ودول منطقة الساحل، وكذا هيئة الأمم المتحدة بتبني طرح الجزائر حول الأزمة في مالي، فيما شهدت البلاد زيارة العديد من الشخصيات الدبلوماسية الدولية، وممثلين عن الحكومة المالية والمجتمع المدني المالي والعديد من دول الساحل، كما احتضنت الجزائر تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية المخصصة للأمن بمنطقة الساحل وعودة الاستقرار إلى مالي، وتشجيع أبنائه على انتهاج درب الحوار والمصالحة الوطنية والعمل على النهوض باقتصاده وتطوره .