تسيل التشريعيات القادمة الكثير من الحبر قبل بدء الحملة الانتخابية. لكن معظم وسائل الإعلام التي تتناولها جزائرية، لا لشيء إلا لأن البلدان التي عادة ما تهرول لشنّ هجومات إعلامية على كل صغيرة وكبيرة تحدث عندنا، هي الآن منشغلة بأمورها، كما هو الحال بالنسبة للصحافة الفرنسية مثلا، المهتمة بإفرازات الحملة الانتخابية للرئاسيات: كتورط مرشحين في فضائح مالية وتدنّي مستوى النقاش السياسي، إلى جانب مواقف وخطب حوّلت بعض المنابر إلى حلبات صراع حقيقية.
بهذا الصدد، يجب الاعتراف بذكاء ولباقة أولئك الذين ضبطوا منذ البداية رزنامة الاستحقاقات وفكروا في تزامن المواعيد الانتخابية الجزائرية والفرنسية.
الملاحظ في هذه الآونة، لا تحريض، لا مبالغة ولا تهويل للإعلام الفرنسي تجاه شؤوننا، كما جرت العادة.
لا يعني هذا إطلاقا أننا نريد «تغطية الشمس بالغربال» على تصرفات لا أخلاقية، كالرشوة وأساليب تمس بهيبة وسمعة مؤسسات عليا وتجرد بعض «ممثلي» الشعب من قيم الكرامة والوقار.
إن كانت ممارسات كهذه لصيقة بالدول المتخلّفة، فكيف تبرّر الدول المتقدمة، المقدِّسة للديمقراطية والتداول على السلطة، ما يحدث علانية في ساحتها السياسية، وهل ستُواصلُ إعطاء دروسها للغير؟
ولا نتحدث عن حقوق الإنسان التي تُداس وبرزت، جهراً، إحدى جوانبها في الحملة الانتخابية الفرنسية، من خلال انتفاضة وإضراب شامل منذ أسبوعين عمّ غويانا Guyane المستعمرة الفرنسية بأمريكا الجنوبية، التي تستغل خيراتها وتوظف أراضيها لإرسال الأقمار الصناعية وشعبُها مستعبد محروم من التعليم، الشغل وأدنى الشروط المعيشية، وسط جهل تام للمجتمع الفرنسي حتى ما تعلق بموقعها الجغرافي.
إلا أن هذه المستعمرة معروفة لدى الجزائريين ومرسّخة في ذاكرتهم التاريخية، لأن عاصمتها «كيان» Cayenne، كانت المنفى الجهنمي لبعض أسلافهم وتتردد على الألسنة دعوة «تروح للكيان لا عدت تبان»، في إشارة إلى أقسى عقوبة دنيوية.
يقال إن الأزمة إذا عمّت خفت، فما تشهده بلادنا خلال التحضيرات الانتخابية لا يجب السكوت عنه، لكن يمكن اعتباره تربصا أو تمرنا للممارسة الديمقراطية التي لا تخلو من التلوث حتى في أقدم الدول.
الاعتراف بنقائصنا ليس عيبا، بل العار في كتمانها وتجاهلها.
المهم تفادي النظرة التشاؤمية والتفاعل مع مقتضيات الظروف المتتالية المتغيرة، دون إغفال مصاعبنا التي يستوجب احتواؤها ومعالجتها في عولمة الفوضى «الخرابة».