وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كلمة الى المشاركين في المؤتمر الرابع لمنظمة المرأة العربية فيما يلي نصها الكامل:صاحبات المعالي والسعادة رئيسات الوفود ممثلي المنظمات الدولية والاقليمية الضيوف الأفاضل أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل
أبدأ فأرحب بالأخوات الفضليات والاخوة الأفاضل الضيوف الكرام آملا للجميع مقاما طيبا بين ظهراني أهلهم في ربوع بلدهم الجزائر وهي تحتضن المؤتمر الرابع لمنظمة المرأة العربية الذي يتناول موضوع المقاولة وريادة الأعمال النسائية في العالم العربي تحت شعار: «قيادة وتنمية». شعار طالما ناضلت المرأة من أجل تحقيقه لتمسك زمام مسيرتها بيدها وتساهم في معركة التنمية الوطنية بكافة قدراتها.
وإنه لمن دواعي سرورنا أن يرفع مثل هذا الشعار بأرض الجزائر التي سعت وما تنفك تسعى لأن تكون سباقة في أن تستعيد المرأة مكانتها ودورها الريادي في المجتمع على كافة الجبهات والصعد.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الافاضل ان هذا المؤتمر بالحجم الذي ينعقد به ومن خلال عنوانه يشكل اعترافا لا شك فيه بأن المقاولة النسائية أصبحت حقيقة اقتصادية ينبغي أخذها بعين الاعتبار في مسار البناء الاقتصادي وفي نقل المرأة الى أداء أدوار أخرى في الحياة الوطنية والعربية تتميز بالفعالية والتحدي والابداع.
كما يعتبر ايضا تتويجا لكفاح سابق دام عدة عقود من الزمن ذلك انه لم يكن من السهل للمرأة العربية في مجتمعات شبه مغلقة ان تصل الى ما وصلت اليه اليوم وان تؤكد حضورها في الواقع الاقتصادي والاجتماعي وان تكشف عن خبراتها وقدراتها في هذا المجال وعن تطلعها للاندماج في مسار التنمية في بلادها.
انها لخطوة كبيرة تخطوها المرأة العربية اليوم بالكشف عن هذا التوجه الذي يتضمن أكثر من معنى ويحمل اكثر من دلالة.
فبعد طرح البعد الاقتصادي والبعد التكنولوجي وابراز قدرات النساء العربيات على خوض غمار المشاركة في جميع القطاعات فضلا عن المكتسبات التي تحققت لها في الجوانب السياسية والاجتماعية لم يعد من العسير اليوم الحديث عن امكانية تخطي النساء العربيات لما واجهنه من صعاب وعراقيل في العقود الماضية بما يملكنه من ارادة وقدرة على المثابرة واستمرارية في العمل. ان معدل الاناث في النشاط الاقتصادي بالدول العربية حسب تقرير التنمية الانسانية العربية لسنة ٢٠٠٩ لا يمثل سوى ٧ . ٢٦٪ وقد كان تقرير سنة ٢٠٠٥ الذي جاء تحت عنوان: «نحو نهوض المرأة في الوطن العربي» قد رسم صورة قاتمة عن وضع المرأة الاقتصادي في المنطقة بسبب ضيق سوق العمل وبطء انشاء فرص للعمل جديدة والتفضيل الاجتماعي غير المستند لأسباب موضوعية بينهن وبين الرجال عند توفر فرص العمل.
ازدياد النساء صاحبات الأعمال بسبب السياسات الاقتصادية المعدة تجاهها إلا أن المتغيرات التي حصلت منذ تلك الفترة أكدت الاشارة الايجابية الأساس التي جاء بها التقرير المتعلقة بازدياد النساء صاحبات الاعمال كما أكدت الدور الذي لعبته السياسات الاقتصادية المعدة تجاه تمكين المرأة والتي تضافرت بشأنها الجهود ومنها جهود منظمة المرأة العربية.
فقد سبق ان تناولت المؤتمرات السابقة للمنظمة هذا الواقع الصعب حيث أكد المؤتمر الأول المنعقد بمملكة البحرين سنة ٢٠٠٦ على ضرورة اتخاذ الدول العربية كل الاجراءات اللازمة لتعزيز دور المرأة في الحياة الاقتصادية ودعمها في مواجهة تحديات العولمة الاقتصادية.
كما أكد ضرورة توفير الخدمات المساندة للمرأة بما يمكنها من التوفيق بين مسؤولياتها العائلية ودورها في التنمية الاقتصادية.
اما المؤتمر الثالث الذي انعقد بالجمهورية التونسية تحت عنوان «المرأة العربية شريك اساس في مسار التنمية المستدامة» فقد دعا الى احداث منتدى دوري للحرفيات العربيات ودعم التشبيك بين المؤسسات والخبرات النسائية العربية بما يسمح بالترويج لمنتجاتهن.
أيتها السيدات الفضليات ايها السادة الافاضل لقد اتضحت منهجية العمل بشكل جلي لتجاوز هذا الواقع وتصحيح مساره من خلال الحرص على القيام بدراسات مسحية لإدراك مواقع الخلل سواء ما تعلق بالتوزيع الجغرافي للمشاريع في كل بلد او مدى انجازها وطبيعة الجهة المنفذة والجهة الممولة وكذا الفئات النسائية المستهدفة من المشاريع.
وقد تبين من خلال الابحاث والدراسات المسحية التي تضمنها التقرير الاقليمي للمنظمة أن المشاريع النسائية العربية توزعت على ٤ مجالات رئيسة هي الخدمات بـ ٦ . ٤٢٪ والصناعة بـ ٢ . ٢٢٪ والزراعة بـ ١ . ١٨٪ وباقي المشاريع بـ ٢ . ١٧٪ كما أن دورية هذه المشاريع اختلفت من بلد الى آخر وإن كانت إجمالا متكررة بنسبة ٦ . ٤٨٪ مع نسب متفاوتة بين البلدان والقطاعات المختلفة.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الافاضل إنكن بهذا المؤتمر تشرفن الجزائر التي سعت الى أن تعم مثل هذه اللحظة جميع الاقطار العربية لحظة التقويم والتثمين.
مشاركة المرأة في الحياة السياسية بنسبة ٨١ . ٣١٪
لقد جندت بلادنا كل الوسائل وقامت بكل التدابير لأجل ان تستكمل مسار النهوض بالمرأة وتبوئها المكانة اللائقة بها على الصعيد السياسي الاقتصادي على حد سواء. فقد جاءت القوانين لتعطي ثمارها بأن رفعت من مشاركة المرأة في الحياة السياسية بنسبة ٨١ . ٣١٪ في المجلس الشعبي الوطني في الانتخابات التشريعية الاخيرة سنة ٢٠١٢.
كما سمحت البرامج والأليات التي وضعتها الدولة لتسهيل ولوج المرأة للمقاولة النسوية وتشجيعها عل العمل والانتاج والاستثمار في كافة القطاعات من انشاء ٩٥١ . ٢ مؤسسة مصغرة من طرف النساء بدعم من (الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب) سنة ٢٠١١ وتم في اطار القروض المصغرة تمويل ٦٠٨ . ٤٥١ مشاريع الى غاية نهاية ٢٠١٢ منها ٥٠٤ . ٢٧٣ مشاريع لفائدة النساء وهو ما يمثل نسبة ٦١٪.
وتأتي اللحظة الراهنة فنشاهد كيف بدأت النتائج تتجلى على ارض الواقع في نساء جزائريات مقاولات صناعيات ومبدعات في جميع القطاعات الانتاجية بكفاءة عالية مشهود لهن بها.
إنه لمن قبيل سعادتنا أن نرى هذا لدى المرأة الجزائرية والى جانبها المرأة العربية الناجحة في ميدان الصناعة والحرف والاعمال والاعلام والتربية والزراعة والسياحة والخدمات المختلفة ... ميادين لم تكن أبدا تطرح بالأمس انها من اختصاصات النساء... وهي رسالة قوية بلا شك لكل انحاء العالم على الآفاق الواعدة التي بدأ مصير النساء العربيات ينفتح عليها.
إن هذا النجاح الذي ستشير اليه بدون شك تجاربكن وابحاثكن التي ستقدم في هذا المؤتمر ليس وليد مصادفة أو اعمال معزولة انما هو نتاج تضافر مكونات عدة تشكلت عبر تجارب ومحاولات كثيرة توجت في آخر المطاف بنجاح لا شك فيه.
وهذا ليس بالجديد على عالمنا العربي بل هي انطلاقة بشكل اخر بعد ان لف طي النسيان المرأة وأدوارها الاقتصادية عقودا من الزمن.
ان عالمنا العربي خارج نطاق حقب الجمود والانحطاط والاستعمار البغيض لم يكن يوما من الايام بعيدا عن تنشئة المرأة لتقتحم عالم العمل والانتاج.
لقد كانت المرأة العربية تاريخيا تنشأ على حب العمل وعلى الريادة في مجال الاعمال وعلى الرغبة في الانتاج والاستثمار ولم تكن ابدا عبر تاريخها العريق بلا ثقافة انتاج أو صناعة أو تجارة بل كانت كل هذه أو تلك ساعدتها في ذلك القيم الراسخة في مجتمعاتنا التي تحث على سمو العلم والعمل ببعديه المعنوي والمادي عند الرجال والنساء سواء بسواء وتحث على فضل ما انتج المرء لتلبية اي من متطلبات حياته.
وفي الجزائر كانت المرأة عبر التاريخ منتجة في بيتها في حقلها وفي محيطها المباشر وغير المباشر تساهم في الانتاج الفلاحي والحرفي والمنزلي الى جانب دورها كأم وربة بيت. لم تكن النساء الجزائريات يعشن إلا من انتاجهن وهن في الريف في تكامل تام مع اشقائهن الرجال من اجل اكتفاء ذاتي وإن كان في الحدود الدنيا.
واليوم يواصلن ذات العمل في الارياف والمدن بعد أن ارتفع رصيدهن من العلم والمعرفة والخبرة الميدانية وذلك من خلال مساهمتهن في كافة القطاعات الانتاجية والخدمية فضلا عن المشاركة في تسيير الشؤون العامة المحلية والوطنية.
وهذا يعني اننا بما نملك من قاعدة ثقافية وتقاليد ايجابية وخبرة تاريخية وامكانيات مالية ومادية ووسائل تنظيمية قادرون على ان نمتلك الارضية الصلبة لانطلاقة واعدة للمرأة في هذا المجال ليس امامنا سوى ان نثمنها ونوجهها لكي ندفع بها قدما الى الامام ونمكنها من البقاء وتحقيق الغايات المسطرة.
ولعل هذا ما تفتقر اليه الكثير من الشعوب التي عانت من اجل الاعتراف للمرأة بحق العمل فما بالك بالريادة في مجال العمال كما هو شعار مؤتمركم هذا.
اننا اليوم باختياراتنا هذه انما نعيد الامور الى نصابها ونمنع ذلك الخلل الذي ساد في فترات سابقة ومنع نصف المجتمع من المساهمة في بناء وطنه بالطريقة التي يريد خاصة في ظرف توفرت فيه لديكن الامكانيات وسهلت التكنولوجيات المتقدمة الاتصال والحصول على المعلومات وساعد التعليم والتكوين على فتح افاق جديدة وفتحت الارادة السياسية للمرأة الباب على مصراعيه فلم يعد هناك من مبرر لكي لا ينطلقن مرة اخرى في هذا الجهد المتميز لإثبات الذات وتعزيز قدرات بلداننا وامتنا.
ينبغي الا تكتفين بما تحقق لديكن من نجاح بل ان تعملن لتسود روح المقاولة النسائية مجتمعاتنا وتصبح كصيرورة تحول الفرص المتاحة الى انتاج سلع وخدمات واطلاق اعمال وكاستراتيجية ورؤية مستقبلية لمجتمعاتنا تسعى لان يكتمل الدور الذي يقوم به النساء والرجال في تحقيق التنمية الشاملة في بلداننا.
ان هذه الاستراتيجية وهذه الرؤية المتكاملة ينبغي ان تكون احدى غايات هذا اللقاء خاصة في هذه الفترة الي يعرف فيها العالم العربي تحولات عميقة تهدف الى رفع التحدي الاقتصادي ومكافحة البطالة التي تمس المرأة في المقام الأول.
ايتها السيدات الفضليات ايها السادة الافاضل ان التركيز في هذا المؤتمر على عرض تجارب ناجحة في مجالات الصناعات المختلفة والتكنولوجيات المتقدمة والإعلام والتربية والتعليم والأعمال النسائية الحرة والبناء والسياحة والفلاحة وغيرها من المجالات من شأنه أن يرسخ في الاذهان فكرة النجاح لديكن ويقدم نماذج حية لكل من أرادت ان تنطلق في هذا الطريق وتساهم في تحقيق ذاتها وبناء وطنها.
ان مثل هذه التجارب كافية لان تكون دليلا حيا على وجودكن الحقيقي في الميدان وحافزا للجميع للالتحاق بالركب من اجل قطع اشواط اخرى في هذا المجال. كل هذا يدفعنا الى تشجيع جميع المساهمات البحثية والدراسات الميدانية والاكاديمية التي من شأنها ان تساهم في تطوير المقاولة النسائية من خلال توفير البيانات والدراسات الكمية والاحصائيات الدقيقة التي تساعد على معرفة واقع هذه المقاولة والصعوبات التي تعترضها سواء اخذت الطابع التنظيمي او التكنولوجي او المالي كما ينبغي تبني سياسات وطنية وعربية لمتابعة التطور المستمر للمقاولة النسائية ومعرفة واقعها اليومي ورصده والآفاق التي تتطلع اليها من اجل توجيهها الوجهة الملائمة وتوفير ما نقص لديها من إمكانيات ووسائل.
لوسائل الإعلام في نشر الوعي بأهمية المقاولة بالنسبة للمرأة
وهنا تأتي الأهمية المتزايدة لوسائل الإعلام في نشر الوعي بأهمية المقاولة بالنسبة للمرأة وبالتعريف بها وبإنشاء شبكاتها المختصة.
كما تأتي أهمية ادراج التغيرات الحاصلة بالنسبة للمرأة في هذا المستوى ضمن متطلبات التحولات الكبرى الحاصلة على النطاق العربي والعالمي المتعلق بطبيعة واشكال الإنتاج الجديدة ودور التكنولوجيات المتقدمة في ذلك.
علينا ان نضع استراتيجية المقاولة وريادة الاعمال النسائية ضمن هذا البعد الاقليمي والعالمي الجديد.
ان الشعوب والامم تتقدم بنسائها وبرجالها بعلمهم وبعملهم وبإنتاجهم كذلك نحن لا يمكننا ان نتقدم الا ضمن هذه الشروط انكن وان كنتن تملكن ارادة سياسية قوية لتحقيق هذه الغايات الا انه من واجبكن ان توفرن الشروط الموضوعية التي تمكنكن من ذلك وهذه الشروط بين ايديكن وانتن مسؤولات عنها.
نأمل لمؤتمركن هذا التوفيق والنجاح خدمة لتعزيز مكانة المرأة العربية ومناصرتها وبدون شك سنستفيد جميعا من جدواه علميا وعمليا لما فيه خير اقطارنا وأمتنا. شكرا على كرم الاصغاء والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.