الديمقراطية التشاركية عصب البناء والتجديد

بيــان أول نوفمـبر إعـلان استقــلال وليــس إعـلان حرب

فنيدس بن بلة

فتح منتدى «الشعب» النقاش حول الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني التي تعد بحق حلقة مفصلية في البناء الوطني. وهو بناء تحتل فيه النخب حلقة مركزية باعتبارها قوة اقتراح وتغيير.
عرفت الندوة الفكرية، التي نظمت بالتنسيق مع المنظمة الوطنية للتضامن الجمعوي، مداخلات الكثير من ممثلي الجمعيات والحضور، الذين أعطوا أبعادا وخلفيات للديمقراطية التشاركية التي شغلت الورى واحتلت الصدارة في النقاش العام والجدل الفكري.
وذكر د.طيبي مختص في علم الاجتماع بضرورة العودة إلى المرجعية الجزائرية التي ركزت دوما عبر الحقب على ثقافة الديمقراطية التشاركية وكرستها في مواثيق وقوانين وممارسات كانت محل متابعة واهتمام وخرقها خط أحمر.
وأعطى الدكتور أمثلة حية عن قادة الحركة الوطنية وزعماء المقاومة الوطنية، الذين ضربوا المثل في اعتماد الديمقراطية التشاركية من خلال احتكاكهم بالقاعدة ونزولهم إلى الميدان ومحاورتهم عامة الناس والاطلاع على انشغالاتهم دون تركهم وشأنهم.
وبهذه الخرجات الميدانية والسلوكيات المتواضعة واندماجهم الاجتماعي، كسب هؤلاء ثقة الناس ومصداقيتهم واتبعوهم من خلال الانخراط في معركة الحرية والمصير، مكسرين حاجز الخوف والتردد، جاعلين من أساليب الإبادة الاستعمارية الفرنسية قوة كامنة للنهوض ضد المشروع الاستعماري الاستيطاني وإفشال ما روج زورا وبهتانا بعدم وجود أمة جزائرية في التاريخ.
ذكر الدكتور طيبي بخرجات قادة الثورة التحريرية وميلهم إلى ملاقاة الناس في المقاهي والأسواق ومعايشة همومهم وانشغالاتهم، معيدا إلى الأذهان ما كانوا يصرحون به للملإ، رغبتهم في ذلك رمي الثورة إلى الشارع ليحتضنها الشعب. وهذا ما تحقق فعليا من خلال الاتصال والتواصل مع مختلف فئات المجتمع.
هذا السلوك وهذه الممارسة مترجمة في وثيقة بيان أول نوفمبر الذي أعلن القطيعة مع المستعمر الفرنسي وإقرار النضال من أجل التحرر وبناء الدولة الجزائرية الحديثة التي تعطلت منذ الاحتلال الفرنسي عام 1832.
ويرى الدكتور طيبي في قراءته للمشهد السياسي آنذاك وتحليله للوثيقة المرجعية، بأن بيان أول نوفمبر إعلان لاستقلال الجزائر وليس إعلان حرب. وهي وثيقة مؤسسة للدولة الجزائرية واضعة كيفية البناء الوطني ونظام الحكم وطبيعة النظام السياسي المراد منه من خلال الثورة على المستعمر الغاشم.
من خلال قراءة مضمون الوثيقة نستشف المشروع السياسي الذي صيغ من أناس بسطاء، لكنهم يملكون رؤية بعيدة المدى ويحملون نظرة استشرافية لما يجب أن تكون عليه الجزائر الحرة المستقلة. هي جزائر لا يمكن أن تكون غير ديمقراطية، مسلحة بمؤسسات لا تزول بزوال الرجال، يرفض فيها مبدأ عبادة الشخصية التي كانت السبب في دخول الحركة الوطنية في مأزق غداة الصراع المحتدم بين المركزيين والمصاليين.
هذه الرؤية الموسعة التي حملها واضعو بيان نوفمبر وكرسوا من خلال مبدأ الديمقراطية التشاركية، هي التي ينبغى أن تكون السند لأي عمل سياسي وتكون أرضية انطلاق لكل ممارسة. هي القاعدة والمعيار لانطلاق كل عمل إصلاح وتقويم وتقييم بإشراك أهل الاختصاص والاستماع إلى النخب أصحاب العقول النيّرة والفكر السديد.
وعلى حد قول علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: “من شاور الناس شاركهم في عقولهم”، فإن الديمقراطية التشاركية يعنى توسيع المجال للآخر والاستماع لفكرته ورأيه وأخذ ما هو نافع وبنّاء دون السقوط في الطرح السلبي والموقف الخاطئ: “أنا الكل في الكل”، أو ما يعرف عندنا بالعامية “خالف تعرف”.
المجتمع يحيا بتطور التأويل والفهم السليم، والمنطق القوي تصنعه نخب البرهان التي تطرح الأسئلة الحقيقية وتتجاوز الإجابة الخاطئة والوهم. مفاهيم البهتان. إنها مسائل أثيرت في منتدى “الشعب” من قبل المتدخلين، مجيبين على السؤال الكبير: كيف السبيل لترسيخ ديمقراطية تشاركية في ظل اهتزازات فكرية وجدل عقيم لطبقة سياسية تعارض كل شيء ولا تقبل أرضية الوفاق؛ طبقة سياسية تستثمر في التناقضات تضخّم الإخفاقات والاختلال ولا تجتهد من أجل المساهمة في الإصلاح عبر الاقتراح البناء.
الديمقراطية التشاركية وجدت في مختلف تجارب الأميرين عبد القادر وخالد، قادة الحركة الوطنية وبيان أول نوفمبر. وهي تجارب يمكن الاعتماد عليها وتجديد فكرها بالاجتهاد وعدم الإبقاء على القوالب الجامدة الجافة. فإذا لم نجتهد ونحسم في التمثيل الديمقراطي نخلق نموذجا ديمقراطيا مصطنعا هشا.
تطور الديمقراطية لن يكون خارج المرجعية الوطنية والدولة الوطنية التي تعتمد مؤسسات تصنع التطور في إطار احترام السيادة، بعيدا عن التطرف والانغلاق على الذات.
الفكر السياسي الذي لا يتطور ولا يقبل التجديد، يبقى خارج سيرورة الأحداث ويموت. والتسامح مؤشر للقوة بمفهومها الواسع المشددة على الإبداع والابتكار عبر محاورة الآخر ومجادلته بالتي هي أحسن دون ترك المجال للفوضى والمهاترات وتأجيج الصراع الذي يمتد أحيانا إلى حد محاولة تكسير الدولة مثلما تعيشه بعض الأقطار العربية حاملة تسمية “الربيع” وما هو بربيع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19528

العدد 19528

السبت 27 جويلية 2024
العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024