عراقيل أمام تنقل الأشخاص

حواجز وهمية تكرس الكراهية والخوف من الآخر

أمين بلعمري

إن اجتماع العديد من العوامل التاريخية، الثقافية والأنثربولوجية، رسم لوحات رائعة للتنوع الثقافي في البحر الأبيض المتوسط وأملى على سكان ضفتيه، منذ عصور خلت، الاختلاط والاحتكاك بالآخر الموجود في الضفة المقابلة وهذه العوامل نفسها لاتزال تفرض اليوم على سكان ضفتي هذا الفضاء الجميل، بناء أسس للحوار والاستماع إلى الآخر وإلى انشغالاته وهمومه، خاصة وأنه في زمن السماوات المفتوحة ووسائل الاتصال والنقل الحديثة والمتطورة لم يعد بالإمكان البقاء بمعزل عما يقع في الضفة المقابلة.
إن هذا المعطى لم يفرض نفسه على الحكومات والدول فقط، بل على الشعوب كذلك التي ضاقت ذرعا بالحدود التي يفرضها السياسيون، مردّها في الغالب أنانية مولدة للتهميش وأسست لبناء الحواجز والمتاريس بين شعوب - ما يجمعها أكثر مما يفرقها - تطمح إلى التقارب والحوار والتعارف فيما بينها وهي تسعى ولاتزال إلى تنظيم نفسها من أجل كسر هذه الحواجز الوهمية التي تكرس الكراهية والخوف من الآخر دون معرفته حتى!
إن الجهود التي يبذلها المجتمع المدني في الفضاء المتوسطي، سواء في الضفة الجنوبية أو الشمالية، هي معركة حقيقية تستحق التنويه، خاصة وأن هذا الأخير أصبح حلقة مهمة في تطوير الشعوب وترقية ثقافة التسامح والحوار. وفي هذا الصدد، ومن باب الإنصاف، يجدر التطرق إلى اجتهادات ضمن أخرى تعمل على مد جسور الحوار والتقارب على ما تقوم به مؤسسة الحوار جنوب – شمال في المتوسط، التي تحاول التأسيس لثقافة حوار متوسطي من خلال الاستثمار في النقاط المشتركة التي تربط بين سكان ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية واستغلالها كوقود لتغذية هذا المسار وبلورة نظرة مشتركة لمستقبل موحد.
إذا كانت هذه رسالة ومهمّة القائمين على هذه المؤسسة المتوسطية، فإنه وبدون أدنى شك، هناك الكثير من العراقيل التي تقف في وجه هذه الجهود المبذولة وهي نقاط لم يخفها السيد هنريك هيرمان كرونر، نائب رئيس مؤسسة الحوار المتوسطي جنوب - شمال، لدى نزوله ضيفا على جريدة «الشعب». ففي معرض رده على سؤال متعلق بالعراقيل التي تقف في وجه التنقل الحر للأشخاص عبر المتوسط، اعتبر السيد كرونر أن مسألة التأشيرات تقف حجر عثرة أمام الحوار المتوسطي وتزيد من الهوة بين الضفتين وألقى باللائمة على السياسيين الذين قال إنهم هم من يفرض تلك الإجراءات المعقدة، ولكن هذا لا يمنع مؤسسة الحوار المتوسطي من الضغط على الحكومات لأخذ هذه المسألة في الحسبان لدفعها إلى إعطاء فرص أكثر لحرية التنقل في هذا الفضاء المشترك، خاصة وأن هذا يصبّ في صميم احترام حقوق الإنسان.
وأبدى هنريك كرونر، تفهمه للأسباب الموضوعية التي تحتم على سكان الضفة الجنوبية التوجه نحو الشمال وهذا من أجل مستقبل أفضل، وقدم الساحل الإفريقي كعيّنة واقعية تعبّر عما يعانيه سكان تلك المناطق من صعوبات وانسداد في الأفق، تدفعهم إلى قطع المتوسط من أجل الاستقرار في الضفة المقابلة في الشمال، بحثا عن واقع ومستقبل أفضل، إلا أن طموحاتهم تواجه بالرفض في كل مرة، ما يضطرهم اللجوء إلى الطرق غير القانونية للالتحاق بالقارة الأوروبية.
وعن دور وسائل الإعلام في ترقية ثقافة الحوار بين الضفتين، اعتبر كرونر أن العمل على انخراط وسائل الإعلام الأوربية في التعريف بالآخر وهي إحدى المعارك الكبرى التي تقوم بها مؤسسة الحوار جنوب - شمال، التي قال إن لديها استراتيجية خاصة في هذا الشأن تهدف إلى تفعيل دور وسائل الإعلام في مرافقة مجهودات المؤسسة، مؤكدا أن هذه الأخيرة هي أفضل وسيلة للتعريف بالآخر وإزالة اللبس والتوجس تجاهه، مؤكدا أن الكثير من الأوروبيين لا يكادون يعرفون شيئا عن الضفة الجنوبية، مذكرا بتجربته الشخصية في هذا الشأن خلال زيارة قادته إلى الجزائر، التي لم يكن يعرف عنها شيئا من قبل، لكنه وجد فيها بلدا جميلا وشعبا مضيافا، لديه ثقافة قبول الآخر ولديه رغبة جامحة في التعرف إليه وهذا عكس ما تطالعنا به بعض وسائل الإعلام، أردف السيد كرونر.
إن المجتمع المدني المتوسطي والأوروبي على وجه الخصوص، تنتظره تحديات كبيرة في محاولاته النبيلة لتقريب وجهات النظر ونشر ثقافة الحوار بين ضفتي المتوسط، خاصة وأن القارة الأوروبية سجلت، السنوات الأخيرة، تراجعا كبيرا فيما يتعلق بمبادئ التسامح وقبول الآخر القادم من الضفة الأخرى، سيما في ظل تنامي اليمين المتطرف الذي جعل من هذا الجنوبي القادم إلى الشمال، سجلا تجاريا لكسب الزبائنية السياسية، من خلال العمل على شيطنته وتقديم صورة قاتمة عنه، تختصره في أنه مجرد دخيل جاء ليسلب الأوروبيين مصادر رزقهم ومناصب عملهم، خاصة في ظل الأزمة الخانقة التي تضرب القارة العجوز وهو خطاب عنصري متنكر .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024