أشرف، صباح أمس، وزير المجاهدين الطيب زيتوني، على افتتاح الملتقى الوطني التاريخي حول المعتقلات ومراكز التعذيب بالولاية الخامسة التاريخية، نظمته الوزارة بالتنسيق مع جريدة «الجمهورية»، في إطار سلسلة الاحتفالات المخلدة للذكرى الستين للثورة التحريرية، حيث حضر فعاليات الملتقى الوطني الذي يدوم يومين كاملين، شخصيات وطنية وتاريخية هامة إضافة إلى مختصين في تاريخ القضية الوطنية والطلبة الجامعيين، كما أصدرت جريدة «الجمهورية»، في شأن الملتقى التاريخي، عددا خاصا استطلعت فيه مختلف المراحل التاريخية للمنطقة، ووضعية السجون والمعتقلات إضافة إلى شهادات حية للمجاهدين وإطارات الولاية الخامسة التاريخية.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد زيتوني، أن مصالحه ستضع المادة التاريخية أمام أهل الاختصاص والباحثين لإبراز بشاعة المستعمر، من خلال إجتهاده في إقامة المحتشدات ومراكز التعذيب، بعد إندلاع الثورة التحريرية المباركة، مشيرا أن مصالحه ستوفر أيضا الظروف والأجواء الملائمة للعمل والبحث من أجل جمع الشهادات الحية للمجاهدين والأشخاص الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب من مدنيين عايشوا تلك الفترة.
كما أشرف زيتوني، يوم أمس، على مراسم إمضاء بروتوكول تعاون بين جامعة تلمسان ومديرية المجاهدين بالولاية، وهي المبادرة التي أعطى في شأنها وزير المجاهدين تعليمات صارمة بوجوب تعميمها على كافة جامعات الوطن، بغرض تقديم الدعم والسند للطلبة والباحثين، من أجل جمع الحقائق والشهادات الحية للمجاهدين، حفاظا على الهوية التاريخية وذاكرة الأمة.
وذكر مسؤول القطاع، في سياق كلمته الافتتاحية، أن الولاية الخامسة التاريخية، شهدت أحداثا جسام وملاحم كبيرة، ولاعتبارات تاريخية وتمجيدا لذاكرة الشهداء والمجاهدين، تم اختيارها ضمن سلسلة الندوات والملتقيات والدراسات العلمية، التي تعتبر في حد ذاتها مدرسة نوعية للتاريخ وكشف الحقائق، ونقطة وصل بين جيل نوفمبر والأجيال المستقبلية التي تسعى السلطات إلى إثراء حقها في العلم والمعرفة خاصة في مجال الذاكرة وأمجاد الأمة.
بن عاشور يرافع من أجل اكتشاف خبايا الثورة
في حين استعرض المدير العام لجريدة «الجمهورية» بوزيان بن عاشور، أسباب ودواعي تنظيم الملتقى التاريخي في كلمته، وتخصيص موضوع المعتقلات ومراكز التعذيب التي سعت فرنسا الاستعمارية إلى إقامتها عبر مختلف مناطق الوطن دون استثناء لقمع الثورة وتطويقها.
وأوضح بن عاشور، أن تلك الأسباب تتعلق بتوضيح حجم المعاناة التي تعرض لها سكان منطقة الغرب الجزائري التي وصفت في تقارير المستعمر، بالمنطقة الهادئة، خلافا لما تشير إليه الشهادات الحية للمجاهدين الذين عايشوا الفترة التاريخية بعد اندلاع الثورة التحريرية، والتي شهدت بدورها تصعيدا غير مسبوق في أشكال التعذيب وأساليبه المخالفة للتشريع الدولي والإنساني.
فالعدد الكبير من المعتقلات ومراكز التعذيب التي أقيمت خصيصا لذلك في الولاية الخامسة التاريخية، تشهد على ذلك، وتحصي المنطقة 74 معتقلا ومركزا للتعذيب في تلمسان و18 في سعيدة و76 في معسكر وغيرها من المعتقلات الرسمية التي غفل التاريخ وأرشيف فرنسا عن ذكرها، حيث كانت توصف بالجحيم الحي، عاشه خيرة أبناء الوطن رجالا ونساء.
ولم يستثن التعذيب والتنكيل حتى الأطفال والأشخاص الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالثورة، على حد تعبير عينة من المجاهدات اللواتي وجدن أنفسهن في زنزانات مظلمة تحت وطأة التعذيب المطلق والاغتصاب المتكرر، دون وجه حق، الأمر الذي جعلهن يخترن العمل الحربي بعد إفلاتهن من التعذيب على غرار الحاجة فاطمة قهواجي من سبدو والحاجة قراب الزهرة المدعوة وردة وهي أصغر مجاهدة بوهران والتي قالت في شهادتها لـ»الشعب»، أن الشباب هم الذخيرة الحية لمستقبل الوطن، إذ يستدعي واجبهم الوطني البحث وجمع الحقائق عن الثورة، واعتبرت بقية المجاهدين ومن عايشوا الفترة كنز تاريخي لا يجب التفريط فيه، وأضافت المعروفة باسمها الثوري «وردة»، أن مبادرة جمع الشهادات وتوثيق الأحداث والحقائق، جاءت متأخرة، بسبب ظروف إهتمام جيل الثورة على بناء مؤسسات الدولة بعد استرجاع السيادة الوطنية.
وذكرت السيدة الزهرة قراب، أن هناك مركز التعذيب في منطقة المالح بعين تموشنت، ضم 400 إمراة خضعن لأبشع أنواع التعذيب والإغتصاب منهن من ما زلن على قيد الحياة.
مجاهدون يدعون للاهتمام بالهوية التاريخية
من جهتهم الأساتذة الجامعيون والباحثون في مجال التاريخ والقضية الوطنية، قدموا خلال أشغال الملتقى التاريخي في يومه الأول، قراءات إحصائية لمراكز التعذيب بالولاية الخامسة، وبلغة الأرقام قال أستاذ التاريخ بجامعة تلمسان السيد أحمد بن داود، أن السلطات الاستعمارية لم تصرح في تقاريرها، إلا بأربع أو خمسة معتقلات رسمية، بالولاية الخامسة التاريخية على غرار مركز سيدي الشحمي الذي أصبح مستشفى للمختلين عقليا، ومعتقل قوسمي بالضاية في بلدية تلاغ بسيدي بلعباس ومركز ألكول بوهران ومركز آفلو بالأغواط، حيث كانت الهيئة الدولية للصليب الأحمر تعكف على زيارة هذه المعتقلات باستمرار، في حين قال الباحث في التاريخ أن العدد الحقيقي للمعتقلات ومراكز التعذيب يتجاوز المئات بحسب شهادات معطوبي الحرب غير المتكافئة الأطراف، مشيرا أن عدد المعتقلين المصرح بهم في ما يسمى لدى السلطات الاستعمارية بمراكز الفرز والانتقاء، كان في تزايد مستمر خاصة في المراحل التي عرفت فيها الثورة التحريرية التفافا قويا من طرف الشعب وتأججا ثوريا أدى إلى فرار العديد من المجندين في صفوف المستعمر، خوفا من المجاهدين وهو الأمر الذي يكشف من جهته حسب أرشيف فرنسا سبب ارتباك السلطات الاستعمارية وجعلها تغير في إستراتيجيتها حيال الثورة التحريرية من خلال تكثيف وجود مراكز الاستنطاق والتعذيب، حيث شرع بداية من سنوات 57 بعد اندلاع الثورة، في تحويل كل ما هو تابع للسلطة الاستعمارية من مستثمرات وإقامات خاصة، إلى مراكز للتعذيب تمارس فيها كل الطقوس البربرية البشعة ضد الشعب الأعزل.
من جهتها دعت المختصة في التاريخ السيدة القورصو مليكة، إلى اعتبار الشهادات الحية للمجاهدين وكل من عايش الثورة التحريرية كمراجع تاريخية، قبل أن توضح الدكتورة قورصو أن المختصين أهملوا التاريخ، الذي هو في الأساس من الركائز الهامة لقيام الدولة وقد أشارت أستاذة التاريخ في جامعة الجزائر 2، إلى ملف مراكز التعذيب في الجزائر في كتاب صادر 2012 ترجم إلى اللغة العربية وكتب أخرى تناولت شهادات عن الثورة ومراكز التعذيب.
وقد، أشارت المختصة في التاريخ، إلى إهمال الحديث عن الجانب التاريخي لمشاركة المرأة في الثورة التحريرية وتعرضها لنفس أعنف أنواع التعذيب والتنكيل، التي تعرض له الرجال في تلك الفترة، فضلا عن أنواع أخرى من التعذيب، كانت تمارس في حق المرأة الجزائرية خلال الثورة، أهملنا ذكرها – على حد قولها – كما ترفض أغلب النساء والمجاهدات المعنفات الحديث عن الموضوع كونه يشكل أحد الطابوهات التاريخية التي تمس شرف وذات المرأة الجزائرية المسلمة والمكافحة، فضلا عن التبعات النفسية لأساليب التعذيب التي كان عموم النساء يتعرضن لها والتي لا تزال توضحها تعابير وجوههن.