شكل الملتقى الوطني الـ6 حول حياة الرئيس هواري بومدين الحدث البارز في قالمة من عدة جوانب، في صدارتها الظرف الذي ينعقد فيه المصادف لاحتفالية ستينية الثورة التحريرية والحضور المميز من شخصيات وإطارات غالبيتها تكونت في حقبته.
هذا ما رصدته “الشعب” في متابعة الطبعة الـ6 التي تنظم في ذكرى رحيل الرئيس الذي نادى بلا توقف من أجل نظام دولي جديد وساند بلا شروط حركات التحرر في كل أصقاع المعمورة.
على هذا الدرب تجري، منذ أمس، وقائع الملتقى ببلدية هواري بومدين الواقعة غرب مدينة قالمة تحت شعار “الجزائر وحركات التحرر بالعالم”، بمشاركة دكاترة وأساتذة وأصدقاء الراحل والأسرة الثورية.
افتتح الملتقى بشريط وثائقي تضمن أهم أعمال الرئيس ومواقفه من الحركات التحررية والقضايا العربية في مقتطفات من الخطابات التي ألقاها عبر منابر عدة تركت بصماتها وصداها منها القمة الـ3 لحركة عدم الانحياز التي جرت بالجزائر في عام 1973، ومنها دورة الجمعية العامة الأممية أعلنت الجزائر على لسانه من أعلى منبر الأمم المتحدة في عام 1974 عن ضرورة احترام الدول الكبرى لسيادة دول العالم الثالث، كما دعا لوجوب قيام نظام اقتصادي عالمي، يعيد بناء العلاقة بين العالم الصناعي والعالم النامي.
وقد تضمن الملتقى مداخلة للأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو حيث تحدث عن حياة ومسيرة بومدين ودعمه لكل شعوب العالم وعمله بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية مكرسا بوضوح سياسة الجزائر. فيما تطرق الدكتور مصطفى بوطورة سفير مستشار بوزارة الخارجية في محاضرته بعنوان “سياسة الجزائر ومبدأ حق الشعوب في تقرير المصيرالقضية الفلسطينية نموذجا”، إلى المرحلة التي تولى خلالها الفقيد هواري بومدين الدفاع سواء على المستوى العربي أو على المستوى العالمي عن فلسطين وإدراكه لما يحاك ضدها في الظلام، كما وضح المكانة العظيمة التي تحتلها فلسطين في الضمير الجمعي الجزائري.
وقال بوطورة: “رغم الثغرات التي شهدها العالم، الجزائر بقيت ثابتة في دعمها للقضية الفلسطينية، وخير دليل زيارة محمود عباس الأخيرة لبلادنا وما تمخض عنها من إجراءات وقرارات تصب في التضامن الجزائري الفلسطيني..”
وواصل بوطورة: “الجزائر تعمل بالقول والفعل في تقرير مصير الشعوب ونحن ندعم المقاومة الفلسطينية، كما تركز الجزائر على ضرورة دعم وحدة الصف مع جميع الفصائل الفلسطينية”.
من جهته الدكتور إسماعيل دبش أستاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية أبرز مواقف بومدين الصالحة لكل زمان ومكان وقال في مداخلة بعنوان “هواري بومدين والوضع الدولي الحالي”، بأن الجزائر أعطت للعالم دروسا، فأول رد ضد الهزيمة وانتكاسة 48 هي الثورة الجزائرية، لم تكن جزائرية فقط بل ثورة عربية وعالمية.”
كما تحدث الأستاذ دبش عن دراسته لفكر هواري بومدين من خلال إصداره الجديد في كتاب قراءة في تصور هواري بومدين للوضع الراهن، حيث مارس أعماله في ظرف خطير مس كيانات الدول العربية، وتأميم المحروقات، وأزمة نزع السلاح، بالإضافة الى الاستعمار في الصحراء الغربية، وقال بأنها كلها ملفات عالجها.
وأشاد خالفة مبارك الأمين العام للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين بالرمز الثوري، حيث شبه هواري بومدين بثلاث شخصيات صنعت التاريخ في شجاعته ودهائه السياسي، وقال خالفة: في شجاعته وإقدامه ومقارعته أشبهه بخالد بن وليد، كما شبهه في دهائه بعمر بن العاص وختم كلمته المختصرة بدقائق بتشبهه في زهده بأبي ذر الغفاري.
وتطرق محمد سعدي للمسيرة الثورية لهواري بومدين، حيث أكد في مداخلته أنه كل ما قيل عن حياة بومدين كشخصية سياسية باعتباره رئيسا للجمهورية خلال مرحلة 65 و78 لكن لا أحد تعرض لحياة الرئيس بومدين فيما يخص مسيرته الثورية، حيث تعرض لحياة الرئيس بومدين فيما يخص مسيرته الثورية قبل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية، هو الشيء الذي تسبب في التعرض لشخصيته الثورية من طرف بعض الغربال الناعقة والتي وصلت إلى التشكيك في نضاله .
وقال محمد سعدي: “أردت التطرق لهذه النقطة والتي ظلت غامضة وفيها كثيرا من الغموض، ذلكم أن الرجل كان قد التحق بالقاهرة في الرحلة المعروفة سنة 1952 وعايش مرحلة الضباط الأحرار بمصر وما أن اندلعت ثورة التحرير سنة 1954 حتى كان الشاب بوخروبة محمد من أوائل الطلبة الجزائريين الذين التحقوا يوم 4 نوفمبر 1954 بالكلية العسكرية المسماة “هيليوبوليس” كطالب ضابط للتدريب لمدة 3 أشهر وبعد انتهاء التدريب كلف من طرف بن بلة ومحمد بوضياف بقيادة الباخرة ديانا التي حملت أول شحنة أسلحة إلى الغرب الجزائري الولاية التاريخية الخامسة”.
وهكذا واصل الشاب بوخروبة محمد بالباخرة إلى الغرب الجزائري والتحق بالجبال يوم 3 أفريل 1955 وحينها كان قائد الولاية الشهيد العربي بن مهيدي وينوبه المرحوم بوالصوف وقد أثبت هواري بومدين جدارته في مواجهة الاستعمار في الجبال وخلال سنة 1957 التحق كل من مهيدي وبوالصوف إلى مسؤوليات أخرى وبذلك رقى هواري بومدين الى رتبة عقيد وتسلم قيادة الولاية الخامسة وعمل على اعادة هيكلة الولاية وتوسيع مساحة الولاية الخامسة إلى كل من بشار وتندوف.
وخلال سنة 1959 التحق بتونس حيث كان اجتماع 10 عقداء المعروفين والذي دام 100 يوم ومن يومها أجمع المجلس الوطني للثورة الذي اجتمع في طرابلس على تعيين العقيد هواري بومدين كقائد عام لاركان جيش التحرير الوطني وهي المرحلة الثانية التي بدا يبرز فيها هواري بومدين كشخصية عسكرية محورية داخل مسيرة الثورة وله الكلمة الأولى والأخيرة في كل مجريات الثورة سياسيا وعسكريا.
وخلال سنة 62 بعد توقيف القتال تمكن من ايصال المرحوم أحمد بن بلة إلى سدة الحكم ثم كان يوم 19 جوان يوما تاريخيا والذي أصبح فيه هواري بومدين الرجل الأول في الجزائر دون منازع حتى وفاته.