محطات بارزة في المشهد السياسي

الانتخابات الرئاسية، تعديل الدستور والديمقــراطيـة التشـاركية

جلال بوطي

شهدت الساحة السياسية في الجزائر خلال 2014، تحولات في المشهد السياسي، حيث تميّز برهانات واسعة نحو تجسيد الإصلاحات السياسية التي دعا إليها الرئيس بوتفليقة غداة انتهاء عهدته الانتخابية الثالثة، وتحديدا لمواصلة مسار البناء الوطني والتشييد في تحقيق الديمقراطية، المبنية على أساس الوطن والمواطن، باعتبارهما رهانات الدولة في كنف الاستقرار والحكم الراشد.

تجسيدا لمبدإ الديمقراطية في الحياة السياسية، راهنت الجزائر خلال 2014 على تنظيم الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيس جديد لمدة خمس سنوات، وفق ما يقتضيه الدستور، القانون الأسمى في البلاد، ودعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة آنذاك الى إجراء انتخابات حرة وديمقراطية تشارك فيها كل الأحزاب السياسية، حيث عرفت مشاركة مرشحين بارزين، تسابقوا على كرسي الرئاسة طيلة الحملة الانتخابية.
شارك في الانتخابات الرئاسية شخصيات، كان لها وزن ثقيل في الحياة السياسية الجزائرية. حيث ترشح كل من عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، وعلي بن فليس رئيس حكومة سابق، عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية المنتهية عهدته، لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، علي فوزي رباعين أمين عام عهد 54، وكذا موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، مع العلم أن عدة شخصيات انسحبت من سباق الرئاسية، إما لرفض المجلس الدستوري ملف ترشحها أو لأسباب أخرى.
حملة انتخابية ساخنة تبعتها مشاركة شعبية واسعة
انطلقت الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014، بمشاركة أكثر من 22 مليون ناخب جزائري. وأعلنت الداخلية رسميا عن انطلاقها في 23 مارس 2014 وانتهت يوم 13 أفريل، وفقا لأحكام القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي.
وعرفت الحملة عدة مراحل، حيث كانت الأولى متمثلة في تمكين المترشحين من سحب الاستمارات. والثانية، كان للمترشحين الخيار سواء في جمع 60 ألف توقيع لناخبين أو 600 توقيع لمنتخبين في مختلف المجالس، في حين كانت المرحلة الثالثة لعملية مراجعة القوائم الانتخابية التي بدأت يوم 23 جانفي 2014 واختتمت يوم 6 فيفري 2014، هي عملية مراجعة القوائم الانتخابية وليس البطاقية الانتخابية طبقا للقوانين الجزائرية.
محطات تاريخية هامة خلال الانتخابات الرئاسية 2014
في الثاني فيفري 2014، ولأول مرة في انتخابات رئاسية جزائرية وعربية، قارب عدد المترشحين المائة مترشح، ولكن من سحب استمارات التوقيعات بلغ فقط 84 مترشحا، في حين فصل المجلس الدستوري في ستة مرشحين.
وفي 23 فيفري 2014، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه للانتخابات تلبية لدعوات الشعب الجزائري عبر 48 ولاية في دعم الرئيس لولاية رابعة، عرفت نقاشا حادا في المجتمع السياسي والشارع الجزائري بين مؤيد ومعارض لترشح الرئيس الذي زكاه الشعب بأغلبية واسعة.
انتخاب الرئيس بوتفليقة رهان على الاستقرار
أفرزت النتائج النهائية للاستحقاق الرئاسي، الذي شكل منعطفا حاسما في تاريخ المشهد السياسي بالجزائر منذ الاستقلال، حين انتصرت الإرادة الشعبية ووقفت في وجه أولئك المشككين في نزاهة العملية التي أشرفت على مراقبتها هيئات عربية ودولية واسعة.
وصلت نسبة الناخبين إلى 51.07%، وكانت نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق الذي جرى في «ظروف حسنة ودون تسجيل أي أحداث تذكر» وكانت النتائج التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بعد فرز كل الأصوات عبر مراكز الاقتراع الوطنية، قد أفرزت فوز الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة، حيث حصل على نسبة 53,18 من المائة من الأصوات التي بلغت 8.130.398، في حين حصل المرشح علي بن فليس على 12.18 بالمائة من أصوات الناخبين بعدد أصوات بلغت 1.244.918.
أما بقية المرشحين فتراوحت النسب بين 3.36 من المائة لعبد العزيز بلعيد عن جبهة المستقبل، و0.56 من المائة لموسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية، بالإضافة إلى 1.37 من المائة للمرشحة لويزة حنون عن حزب العمال، وعلي فوزي رباعين بنسبة 0.99 من المائة مرشح حزب عهد 54.
مشاورات واسعة حول دستور توافقي
تميزت الساحة السياسية الوطنية خلال سنة 2014 بإطلاق مشاورات واسعة بين رئاسة الجمهورية من جهة والأحزاب والشخصيات الوطنية وتنظيمات المجتمع المدني من جهة أخرى، بهدف التوصل إلى تعديل توافقي للدستور.
وجاءت هذه المشاورات بعد أن أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، خلال تأدية اليمين الدستورية عقب انتخابه رئيسا للجمهورية لعهدة رابعة، حيث أكد أنه «سيقوم لاحقا بفتح ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة توافقية للدستور».
وعقب هذا الإعلان، وجهت رئاسة الجمهورية الدعوات للأحزاب والشخصيات الوطنية وتنظيمات المجتمع المدني، تتضمن مقترحات لم يتم تقييدها بأية شروط مسبقة، باستثناء تلك المتعلقة بالثوابت الوطنية وقيم المجتمع الجزائري ومبادئه.
وبعدها مباشرة، شرع وزير الدولة، مدير الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحي، الذي كلف بإدارة هذه العملية، في إجراء مشاورات واسعة قصد التوصل إلى مراجعة توافقية للدستور، وقد عقد بين الفاتح جوان والثامن جويلية 114 لقاء مع شخصيات وطنية وأحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات وكفاءات جامعية.
شخصيات وطنية وجمعيات المجتمع المدني تثري النقاش
عرفت المشاورات حول الدستور، مشاركة 30 شخصية وطنية من بين 36 وجهت لها الدعوة و52 حزبا من بين 64 تشكيلة سياسية مدعوة، بالإضافة إلى 37 منظمة وجمعية و12 أستاذا جامعيا من المصف العالي، للاستفادة من الاقتراحات المقدمة في كل الميادين.
وقد تباينت المقترحات التي قدمتها الأطراف المشاركة بين الدعوة إلى تبني النظام البرلماني والنظام شبه الرئاسي والنظام الرئاسي، فيما ركزت مقترحات أخرى حول آليات المصادقة على مشروع التعديل.
 كما تضمنت المقترحات المقدمة أيضا، محاور أخرى تتعلق بتشكيل الحكومة من قبل الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية وإرساء مرحلة انتقالية وإدراج حرية الصحافة وكيفية بناء الدولة، مثل تعزيز الفصل بين السلطات وتحديد العهدات الرئاسية وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها وضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين.
وتمسك عدد كبير من الشركاء، الذين تنقلوا إلى رئاسة الجمهورية، على أن يؤول مشروع تعديل الدستور إلى «نتيجة توافقية»، وهو ما يتضح أكثر من خلال ما أكده وزير الدولة أحمد أويحي، الذي صرح أن الوضع اليوم يشجع الجميع من سلطة ومعارضة ومواطنين وأيضا دعاة المقاطعة، على العمل معا لبناء الجزائر.
واستند أويحي في هذا الشأن، إلى كون اللقاءات التي أدارها حول مشروع تعديل الدستور تمت في احترام كبير وفي جو من الحوار والتشاور. غير أنه ورغم إسدال الستار بشأنها، فإن المشاورات السياسية جرت في كنف الشفافية وتسنّى للرأي العام متابعة مجرياتها.
إعطاء المعارضة مجالا أوسع في النقاش السياسي
تقرر أن يبقى مجال النقاش حول مختلف القرارات السياسية، مفتوحا أمام من تبنوا خيار المقاطعة لتقديم آرائهم واستعراض مواقفهم، إيمانا بأن التعديل الدستوري لا يمكن أن يحقق نتيجة مثمرة إلا باعتماد أفكار المعارضة. وقد حرص الوزير أويحي على التأكيد بأن الوصول إلى الإجماع في تعديل الدستور تعد «مسألة ممكنة»، مستندا في ذلك إلى التقاء السلطة والمعارضة.
وكان الرئيس بوتفليقة قد أوضح بأنه فور الانتهاء من هذه المشاورات، سيُصاغ مشروع موحد لمراجعة الدستور يأخذ في الحسبان آراء الشركاء في هذا الحوار واقتراحاتهم، حيث سيخضع النص حينئذ للإجراء المتعلق بمراجعة الدستور على أساس المادة 174 أو المادة 176 من الدستور الحالي، أي أنه يعرض على استفتاء الشعب أو للتصويت أمام البرلمان بغرفتيه.
وأكد الرئيس بوتفليقة من جانب آخر، أن الجزائر تستعد لتعديل دستورها وهي تحضر لذلك «بجدية وكلها دراية بنضج الأفكار» التي أفرزتها المشاورات الواسعة التي نظمت لهذا الغرض، من أجل إشراك كافة شرائح المجتمع والوصول إلى توافق حول المسائل الجوهرية وضمان «فعالية حقيقية» للأحكام الدستورية الجديدة.
وأبرز الرئيس، أن الهدف المتوخى هو تسهيل مسار انفتاح المجتمع الجزائري ومرافقته، مع العمل من أجل الحفاظ على استقراره وتجنيبه الاضطرابات التي تعرفها مختلف دول العالم في زمن التحولات العميقة التي يشهدها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024