تجاوزت لغة التهديد ووضعت النقاط على الحروف

الدبلوماسية الجزائرية ترفض منطق الانقلابيّين

سارة بوسنة

 كحلوش لـ»الشّعب»: الحكومات الانقلابية تلجـأ إلى اختــلاق تهديـدات متخيلـة

انتشار المرتزقــة الأجانب بالسـاحل عامـل يزيـد من هشاشة الأمـن الإقليمي

 تعيش منطقة الساحل على وقع أزمات متفاقمة، تتصدّرها الأزمة في مالي التي ازدادت تعقيدًا منذ الانقلاب الأخير في باماكو. وبينما يترقّب الشعب حلولًا سياسية وتنموية تنهي حالة الانسداد، تواصل السلطات الانتقالية الهروب إلى الأمام بخطاب يحمّل الخارج مسؤولية أزماتها، مستهدفة الجزائر التي اضطلعت بدور محوري في اتفاق السّلم والمصالحة عام 2015، في حملة تشويش لا تخدم الاستقرار ولا تقرّب الحلّ.

 إنّ التطورات التي تعرفها مالي تكشف بوضوح مأزقًا سياسيًا وأمنيًا متفاقمًا، حيث تتقاطع هشاشة الوضع الداخلي مع التدخّلات الأجنبية المتزايدة، في مشهد يهدّد بانفلات إقليمي ستكون له كلفة باهظة على بلدان الجوار. فبدل تكريس جهودها لبناء الثقة مع مواطنيها، اختارت السلطة الانتقالية الدخول في سجالات دبلوماسية مفتعلة، محاولة إقناع الداخل بأنّ الخطر الحقيقي يأتي من الخارج، في حين أنّ التحديات الحقيقية تكمن في عمق المجتمع المالي، الذي يئنّ تحت وطأة الفقر وضعف البنى التحتية وانسداد الأفق السياسي.
وبالرغم من أنّ الاتفاق الذي وقع بالجزائر سنة مثل 2015، علامة فارقة في مسار الأزمة، إذ وفّر إطارا جامعا للحوار والمصالحة بين الأطراف المالية المتنازعة، وحظي بدعم إقليمي ودولي واسع، غير أنّ التزامات هذا الاتفاق سرعان ما تعرّضت للتراجع والتعطيل، نتيجة الحسابات الضيقة للسلطات المتعاقبة، ما أدى إلى تجميد المكاسب التي تحقّقت وأعاد الأزمة إلى نقطة الصفر تقريبًا. تراجع فتح الباب أمام المزيد من الانقسام والتدخّلات الخارجية.
في خضم هذا الوضع، برز حضور المرتزقة الأجانب كعامل يزيد من هشاشة الأمن الإقليمي، حيث أضحت مالي ساحة مفتوحة أمام مجموعات مسلّحة لا تخضع لأي إطار قانوني أو مؤسّساتي، ما فاقم حالة القلق لدى دول الجوار، والحدود الجنوبية للجزائر، الممتدة والشاسعة، تجعلها عرضة مباشرة لانعكاسات هذا الانزلاق، سواء من خلال تهديدات إرهابية متنامية أو عبر شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، وهو ما يفسّر تمسّك الجزائر بخيار الحلول السياسية والتنموية التي تعالج جذور الأزمة.
وتبرز الجزائر في هذا المشهد كفاعل أساسي يتمتّع بالمصداقية والتجربة، بحكم مواقفها الثابتة الداعمة لسيادة الدول والرافضة للتدخّلات الأجنبية، فضلًا عن التزامها الدائم بالوساطة السلمية، غير أنّ الحملات الأخيرة التي استهدفتها من قبل باماكو تعكس ـ بحسب العديد من المتابعين ـ محاولة للهروب من مواجهة الواقع الداخلي، عبر افتعال خصومات خارجية.

شرعنة سلطة فاقدة للشرعية

 في السياق، يؤكّد الخبير في الدراسات الاستراتيجية نبيل كحلوش، أنّ هذه الحكومات الانقلابية تلجأ إلى اختلاق تهديدات متخيلة، أو تضخيم أخرى قائمة من أجل توحيد الداخل خلفها، وهو أسلوب استعمل من قبل في تجارب دولية، أبرزها النموذج الصّهيوني، الذي بنى شرعيته لعقود على فكرة «العدو الخارجي».
وأشار كحلوش إلى أنّ مالي، التي تفوق مساحتها مليون ومئتي ألف كيلومتر مربع، ويقطنها أكثر من 25 مليون نسمة، كان الأجدر أن تُفتح أمامها آفاق الاستثمار والتنمية والتعاون الإقليمي، غير أنّ السلطات الانقلابية فضّلت إغلاق الأبواب في وجه الحلول السياسية والتنموية، وفتحت المجال أمام مرتزقة لا يرون في البلاد سوى ساحة صراع ومصدر نفوذ مؤقت، واعتبر أنّ هذا الخيار لا يعكس إرادة دولة تبحث عن الاستقرار، بل يختزل الأمر في مغامرة قصيرة الأمد ترهن مستقبل أمة بأكملها.
ولفت المتحدث إلى أنّ خطيئة الانقلابيّين لا تقف عند الاستعانة بالمرتزقة، بل تتجلّى أيضًا في تجاهلهم التام للمشاكل البنيوية التي تثقل كاهل البلاد، من فقر وأمية وهشاشة مؤسّساتية وضعف في البنى التحتية. وبدل مواجهة هذه التحديات الجوهرية، اختارت السلطة الجديدة الاحتماء بخطاب «التهديد الخارجي» لتبرير عجزها.
وربط كحلوش بين ما يجري في مالي والموقف الثابت للجزائر إزاء أزمات المنطقة، مبرزًا أنّ الدبلوماسية الجزائرية تعاملت دائمًا مع مثل هذه التحولات ضمن مقاربة متوازنة، تقوم على دعم سيادة الدول ورفض التدخّلات الأجنبية، وفي الوقت نفسه تشجيع الحلول السياسية والتنموية.
وذكّر في هذا السياق بالدور المحوري، الذي لعبته الجزائر في اتفاق السّلم والمصالحة بمالي سنة 2015، وهو الاتفاق الذي وصفه بـ»العلامة الفارقة» في جهود تسوية الأزمة، قبل أن تقوّضه الحسابات الضيقة للسلطات الانقلابية، التي فضّلت الارتماء في أحضان القوى الأجنبية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19889

العدد 19889

الثلاثاء 30 سبتمبر 2025
العدد 19888

العدد 19888

الإثنين 29 سبتمبر 2025
العدد 19887

العدد 19887

الأحد 28 سبتمبر 2025
العدد 19886

العدد 19886

السبت 27 سبتمبر 2025