براغماتية دبلــوماسيـة كأداة تنفيذيــة دون التخلــي عن المبادئ الثابتـة
أبرز وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطّاف، خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين بنيويورك، الدور الجزائري في مسار إعادة تشكيل النظام الدولي، من خلال طرح رؤية تقوم على التكامل بين المسارين الوطني والإفريقي، ضمن مقاربة متعددة الأطراف تسعى إلى إعادة صياغة قواعد الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية.
علي مجالدي
تواصل الجزائر ترسيخ حضورها الفاعل في مسار إعادة تشكيل النظام الدولي، من خلال مقاربة شاملة تجمع بين البعد التاريخي والآليات الحديثة، وتربط الشرعية بالقدرة على التنفيذ، في رؤية تجعل من التكامل الإفريقي شرطاً أساسياً لا خياراً ثانوياً، باعتبار أن القوة التفاوضية لا تُكتسب بالشعارات، بل بتراكم المبادرات وبناء شبكات القيمة العابرة للحدود.
وفي هذا السياق، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور حفناوي محمد، في تصريح لـ»الشعب»، أن الدعوة الجزائرية إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد لم تبقَ حبيسة الذاكرة، بل جرى تكييفها مع معطيات الواقع الراهن، وأكد أن هذه المقاربة تُقرأ عمودياً عبر سلاسل الإنتاج والتمويل والابتكار، وأفقياً من خلال الترتيبات الإقليمية ومنصات التعاون الجماعي التي تعزز حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال، كما تمّ الانتقال من مستوى الخطاب إلى مستوى الفعل، بوضع التنسيق القاري في صلب برنامج عملي يُقاس بنتائج ملموسة مثل توسع الأسواق، ارتفاع الإنتاجية، وخفض كلفة التمويل.
وأشار حفناوي إلى أن الفعاليات القارية الكبرى في التجارة البينية باتت تشكل اختباراً حقيقياً لقدرة القارة على بناء كتلة تفاوضية موحدة قادرة على إيصال صوتها في الساحة الدولية.
من جهته، وصف أستاذ النظم الدولية، أسامة بوشمامة، عام 2025، بأنه عام الفعالية الدبلوماسية الجزائرية بامتياز، حيث استخدمت فيه الجزائر البراغماتية كأداة تنفيذية دون التخلي عن مبادئها الثابتة.
وفي هذا السياق، جاء خطاب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف ضمن رؤية عملية تحدد الأهداف وتقلل الفجوة بين الإعلان والتنفيذ، فقد دعا إلى إصلاح مجلس الأمن ومؤسسات «بريتون وودز» لتصحيح اختلالات التمثيل التي تعاني منها إفريقيا، مشدداً على أن الولوج إلى مجالات الرقمنة والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً، بل أصبح مفتاحاً لتموضع اقتصادي جديد يتطلب شراكات متوازنة ونقل المعرفة وتوفير ممرات تمويل نزيهة.
كما تمّ ربط الاستقرار الإقليمي بتطوير البنى التحتية واللوجستية، ومأسسة التسويات بالعملات المحلية للحد من هشاشة الاقتصادات الإفريقية أمام تقلبات أسعار الصرف والفائدة.
وشدد عطّاف في كلمته على ضرورة صون النظام متعدد الأطراف في الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، من خلال التمسك بالقانون الدولي وربط الشرعية بالإنفاذ الفعلي لا بالاكتفاء ببيانات النوايا، وطالب بتمثيل أكبر لإفريقيا داخل هياكل صنع القرار العالمي، ليس عبر رموز شرفية، بل عبر مقاعد وأصوات ومسارات تمويل ميسّرة لمشاريع تنموية ذات أثر مباشر.
وفي السياق ذاته، دعت الجزائر إلى تحويل المكانة الدبلوماسية إلى قيمة اقتصادية مضافة عبر ربط مناطق الإنتاج بممرات التجارة والطاقة والبيانات، وتعزيز رأس المال البشري من خلال حاضنات ابتكار تعمل وفق معايير الحوكمة الرشيدة، كما طُرحت مقاربة «الأمن التنموي» كركيزة أساسية للاستقرار السياسي، بحيث تصبح عناصر النمو الشامل والمساءلة والشفافية مترابطة وغير قابلة للتجزئة عند صياغة الشراكات الدولية.
ويرى متابعون أن الجهود الجزائرية المتعددة المستويات تمثل حلقة عملية في مسار طويل يجمع بين المبدأ والوسيلة والنتيجة في بنية واحدة قابلة للقياس، حيث تقوم الرؤية الجزائرية على استمرارية تاريخية تلتقي مع ضرورات الحاضر، وتعتمد على برنامج إفريقي يرفع مستوى التكامل إلى مرتبة القوة التفاوضية، ويحوّل الزخم الدبلوماسي إلى مشاريع وتمويلات فعلية.