ترسيــخ رؤيـة جماعية للأمـن في محيـط الجزائــر الإقليمـي والـدولي
أكد الخبير في الشؤون الأمنية الدكتور احمد ميزاب، أن خطاب الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، خلال زياراته الميدانية الأخيرة، يترجم إرادة واضحة في مواصلة محاصرة فلول الإرهاب بلا هوادة، لأنه خطر يتطلب يقظة دائمة.
أوضح الخبير في الشؤون الأمنية ميزاب في تصريح لـ«الشعب “، أن الأمر لا يتعلق بمجرد تعليمات عسكرية، بل تكريس لثبات الدولة الجزائرية على إستراتيجية قائمة على الحسم الميداني والتجفيف الشامل لمصادر التهديد.
وفي هذا الإطار، أبرز الأستاذ ميزاب أن الجزائر تعتمد مقاربة بجانبين، فالأول يتمثل في خبرتها الممتدة منذ التسعينيات، حيث لم تعد تنظر إلى الإرهاب كحالة ظرفية بل كخطر مستمر يتطلب يقظة دائمة، لذلك حافظت على وتيرة عمليات التمشيط، وأمنّت حدودا مترامية تتقاطع فيها رهانات السلاح والتهريب والجريمة المنظمة، ونتيجة لذلك، لم تعد التنظيمات الإرهابية قادرة على استعادة قدرتها العملياتية، واقتصرت تحركاتها على جيوب معزولة يجري تفكيكها تباعا.
أما الجانب الثاني من المقاربة الجزائرية، يتجلى ـ بحسب المتحدث ـ في بعدها الدبلوماسي، مذكّرا أن الجزائر دافعت في المحافل الدولية إلى وضع مكافحة الإرهاب ضمن رؤية شاملة تتجاوز المعالجة الأمنية الصرفة، فهي تدعو باستمرار إلى الربط بين محاربة التطرف وبين حل النزاعات وتعزيز التنمية، وذلك من خلال حضورها في الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، حيث أكدت على أولوية التعاون الأمني والتنسيق الإقليمي، وهو ما أفضى إلى تأسيس آليات إفريقية لمتابعة الظاهرة الإرهابية.
وبرأي الخبير الأمني ميزاب، فإن هذه المقاربة أكسبت الجزائر مصداقية خاصة، فهي من جهة دولة استطاعت أن تكسر شوكة الإرهاب داخل حدودها، ومن جهة أخرى قوة إقليمية تقدم خبرة عملية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، خاصة في منطقة الساحل التي تحولت إلى مركز ثقل للجماعات المتطرفة.
وأكد في السياق أن الجزائر اليوم، لا تكتفي بالدفاع عن أمنها الوطني، بل تسعى إلى ترسيخ رؤية جماعية للأمن في محيطها الإقليمي، مبرزا أن خطاب القيادة العسكرية الأخير هو رسالة مزدوجة تمثل طمأنة الداخل بأن الحرب على الإرهاب لم تحسم إلا بمواصلة اليقظة، وتأكيد للخارج بأن الجزائر شريك جاد يعتمد على حلول سيادية، بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي أثبتت فشلها في محيطنا المباشر.
ومن خلال تحليله، توصل الأستاذ ميزاب إلى استنتاج جوهري، وهو أن الجزائر تتعامل مع الإرهاب كملف استراتيجي طويل المدى، يندمج فيه البعد الأمني، والدبلوماسي، والاقتصادي، وهذا ما يجعلها اليوم في موقع الريادة ضمن الجهد الدولي لمواجهة أخطر تهديد يواجه استقرار الدول والمجتمعات.
مكافحة الإرهاب تمثل إحدى أولويات الدولة الجزائرية التي خاضت تجربة مريرة خلال العشرية السوداء، وجعلتها تدرك أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب رؤية شاملة تتجاوز البعد الأمني الضيق، ولهذا نسجت الجزائر شبكة واسعة من الشراكات الإقليمية والدولية، دون المساس بثوابتها السيادية الراسخة.
فعلى الصعيد الثنائي، ذكّر ميزاب بالشراكات التي أقامتها الجزائر مع قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة من خلال الحوار الاستراتيجي المشترك منذ 2012، والتعاون في إطار “أفريكوم” عبر التدريب وتبادل الخبرات، مع رفضها القاطع لأي وجود عسكري أجنبي على أراضيها، كما يندرج التعاون مع فرنسا في مجال الاستخبارات ومكافحة شبكات التهريب في الساحل ضمن هذا الإطار، ومع روسيا والصين، يتعزّز التعاون عبر التكوين العسكري وصفقات التسليح، إضافة إلى الأمن السيبراني والتصدي للتطرف الرقمي.
أما مع الاتحاد الأوروبي، أشار المتحدث الى الحوار الأمني الشامل الذي تم اطلاقه منذ 2010، والذي ركز على تعزيز قدرات أجهزة الشرطة وحرس الحدود ومكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وهو ما منح الجزائر مكانة محورية في حماية الضفة الجنوبية للمتوسط، وفي محيطها الإقليمي، بادرت الجزائر إلى تأسيس لجنة الأركان العملياتية المشتركة بتمنغست في نفس السنة، التي تجمعها مع مالي والنيجر وموريتانيا، لتنسيق العمليات ضد الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
ولفت المتحدث إلى أن الجزائر تستضيف مركز الاتحاد الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، الذي أصبح منصة قارية لتبادل المعلومات والتجارب، وهي بذلك تبقى فاعلا أساسيا في تنفيذ الإستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، كما ساهمت في صياغة القرارات المتعلقة بقطع التمويل والتجنيد عبر الإنترنت، وهي تشارك بانتظام في مبادرات المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب منذ تأسيسه سنة 2011.
وفي الفضاء العربي، قال الخبير الأمني، إن الجزائر تنشط في مجلس وزراء الداخلية العرب، وتنسق بشكل وثيق مع تونس وليبيا لتأمين حدودها الشرقية، ومع مصر والسعودية لمتابعة شبكات التجنيد والتمويل، وهو يعتقد أن هذه الشراكات المتعددة الأبعاد تعكس قناعة الجزائر بأن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تتم إلا بتكامل الجهود الإقليمية والدولية، في إطار يحترم السيادة الوطنية ويضع مصلحة الشعوب في صدارة الأولويات.
علـوش: الجيـش الوطني الشعبـي.. جاهزيـــة تامّـة للدفـاع عن الوطن
اعتبر الدكتور رشيد علوش أن العملية التي نفذها الجيش الوطني الشعبي، وتمكّن خلالها من القضاء على ستة إرهابيين واسترجاع ستة أسلحة كلاشينكوف بالقطاع العسكري تبسة بالناحية العسكرية الخامسة، عملية هامة ونوعية من حيث اليقظة العملياتية لجيشنا والاحترافية في التعامل مع مختلف الأخطار والتهديدات التي تستهدف ترابنا الوطني.
وأشار الباحث في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور رشيد علوش، خلال نزوله هذا الخميس ضيفًا على برنامج ضيف الدولية لإذاعة الجزائر الدولية، إلى أن هذه العملية تكتسي أهمية من الناحية الاستراتيجية أيضًا، بالنظر إلى إشراف الفريق أول السعيد شنقريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، شخصيًا عليها، ثم تنقله مباشرة إلى منطقة العملية لتحية أبطال الجيش الوطني، وهو ما يعد دليلًا واضحًا على ذلك.
وأضاف الدكتور رشيد علوش أن تنقل الفريق أول السعيد شنقريحة شخصيًا إلى منطقة العملية يحمل رسائل ودلالات متعددة حول الأهمية التي توليها القيادة العليا وعزمها على مكافحة الإرهاب وتطهير فلوله، فضلًا عن الدعم المعنوي الذي تقدمه لمختلف مفارز الجيش الوطني وأفراده البواسل.
ومن جانب آخر، أكد ضيف الدولية أن هذه العملية النوعية تجسد مرة أخرى عزم الجزائر على تطهير التراب الوطني والساحل الإفريقي من فلول الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة والتطرف.
كما أبرز الدكتور علوش أن هذه العملية تضاف إلى حصيلة العمليات التي ينجزها الجيش الوطني الشعبي عبر مختلف مناطق الوطن في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو ما يعكس احترافية وجاهزية ويقظة مفارز الجيش وتحكمها في كل المنافذ ومختلف ربوع التراب الوطني رغم شساعته، معتبرًا أنها أيضًا رسالة إلى الخارج تؤكد مدى احترافية وجاهزية جيشنا.