“الشعب” رافقت ضباط الوحدة الجوية للأمن الوطني

نسور الشرطة.. عيون ساهرة على الأمان

آسيا مني

حوامـات مـزودة بنظــام للرؤيـة الليليـة لمكافحـة الجريمة 

طاقم شاب مزوّد ببراعة الإتقان والاحترافية العالية في تسيير أجهــزة بالغــة الدّقــة

فحص فني.. مراجعـة بروتوكـولات السلامة وتنسيق مع غرفة العمليـات قبـل كل طلعة جويـة

 

 تعدّ المديرية العامة للأمن الوطني من الأجهزة الأمنية القليلة التي تمتلك وحدات جوية، أُنشئت في إطار تطوير القدرات العملياتية لمواجهة التحديات الأمنية المستجدة، لا سيما في مجال حفظ النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات.

 لأول مرة، دخلنا عالمًا مثيرًا بالوحدة الجوية للأمن الوطني، أين وقفنا على واقع متميّز تحكمه الدقة والانضباط. طاقم شاب يلفت الأنظار بالإتقان والاحترافية العالية في تسيير أجهزة بالغة الدّقة، مدعومة بتكنولوجيا متطورة..لا أحد خارج المهمة. الجميع منهمكون، يعملون بصمت وتركيز، فالخطأ هنا ممنوع، والمهنية تستدعي اليقظة الدائمة.
كانت محطتنا الأولى غرفة العمليات، القلب النابض للوحدة الجوية..هناك، تلقينا شروحات مفصلة حول آليات التنسيق العملياتي داخل فضاء عصري مجهز بأحدث وسائل المراقبة والاستقبال الفوري للصور. تنتقل المعطيات في وقتها من السماء إلى الأرض، عبر الألياف البصرية أو حزم الترددات الهرتزية، لتصل مباشرة إلى مركز القيادة والتنسيق لأمن ولاية الجزائر، ما يضمن سرعة اتخاذ القرار وتنفيذ الإجراءات الميدانية.من هناك، انتقلنا إلى القسم التقني، أو كما يسميه أهل التخصص: العمود الفقري للوحدة الجوية، وهو فضاء خاص تُركن فيه الحوامات، وتُخضع لعمليات صيانة دقيقة، تُنفذ في جو من الانسجام والمسؤولية..لا طلعة جوية دون فحص صارم ومراقبة شاملة بإشراف من إطارات جزائرية ذات خبرة عالية في مجال الطيران الأمني.وفي لحظة فارقة، وقفنا على مدرج إقلاع وهبوط المروحيات، هناك، اطلعت “الشعب” على مراحل دقيقة تسبق كل طلعة جوية. فحص فني، مراجعة برتوكولات السلامة، وتنسيق محكم مع غرفة العمليات. كل شيء محسوب بدقة، وكل ثانية لها ثمن؛ فالمهمة مقدسة، والواجب غال..ضمان الأمن والأمان وحماية الأرواح والممتلكات.

قـدرات عاليــة

 اطلعنا على روائع الفتوح التي يحققها رجال الأمن الوطني بالقسم التقني، ثم توجهنا إلى مكتب مدير الوحدة الجوية، مراقب الشرطة عبد المجيد يحياوي، الذي استقبلنا بمهنية وهدوء يعكسان روح هذا السلك الحساس، فقدّم لنا نظرة شاملة حول مهام الوحدة وخصوصياتها، مستهلًا حديثه بتفصيل الخصائص التقنية لـ “المروحية” التي تُعدّ العمود الفقري لتدخلات الوحدة.من أبرز تلك الخصائص، قدرة المروحية على الإقلاع والهبوط العمودي حتى في أضيق النقاط، والثبات في الجو لفترات طويلة، إلى جانب مرونتها العالية في المناورة حتى أثناء التحليق بسرعات منخفضة، ما يجعلها أداة فعالة في المراقبة والتدخل السريع.وقد أُوكلت إلى الوحدة الجوية مهمة توفير الإسناد الجوي لوحدات الشرطة المنتشرة على الأرض، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن والحفاظ على النظام العام وسلامة المواطنين وممتلكاتهم. كما جرى تدعيمها بكافة الوسائل البشرية والتقنية اللازمة، بما يتيح لها التدخل السريع والفعّال على امتداد التراب الوطني.

تغطيـة جويّــــة محكمــة

 وبحسب توضيحات مراقب الشرطة عبد المجيد يحياوي، تُعد التغطية الجوية للأحداث والتجمعات الكبرى من أبرز المهام التي تضطلع بها الوحدة الجوية للأمن الوطني، حيث يتجلى دورها في المتابعة المستمرة من الجو، مع نقل حي ومباشر للصور إلى الجهات المعنية بتسيير الوضع ميدانيًا.هذا البعد التقني في التغطية، يمكّن من تكوين تصور دقيق ومتكامل عن حقيقة الوضع وتطوراته، ما يسمح بالتدخل في التوقيت المناسب، وبالطريقة الأنسب، حرصًا على توجيه أمثل للقوات المنتشرة، وتقليل المخاطر، وتفادي أي انزلاق غير محسوب قد يؤثر على استقرار الميدان.
ولا تقتصر مهام الوحدة الجوية على هذا الجانب فقط، بل تشمل كذلك مرافقة المواكب الرسمية خلال الزيارات الكبرى، حيث يتم تتبع الموكب من لحظة انطلاقه حتى وصوله، في تنسيق محكم مع غرفة العمليات، يضمن الرصد الفوري لأي طارئ قد يحدث على طول المسار، وتأمين سير الموكب بأعلى درجات اليقظة والانضباط.

مراقبـة حركـة المـــرور

 تشرف الوحدة الجوية للأمن الوطني على تغطية جوية واسعة للمحاور الكبرى والطرقات الرئيسية بالعاصمة، حيث تتيح هذه المتابعة الدقيقة تكوين رؤية آنية لحركة السير، بما يسمح باتخاذ قرارات سريعة لتسهيل المرور وضمان الانسيابية، بالتنسيق المباشر مع غرفة عمليات أمن ولاية الجزائر.ومن خلال نقل حي وفوري للمخالفات المرصودة، على غرار التجاوزات الخطيرة والمناورات المتهورة، تسهم هذه التغطية في تحسين أداء فرق الأمن العمومي المنتشرة على الأرض، والحدّ من مظاهر الفوضى التي تهدد سلامة الطرقات.وفي إطار المهام الاستراتيجية التي تضطلع بها، تتكفل الوحدة الجوية أيضًا بمتابعة المركبات المشبوهة، بالتنسيق مع غرفة العمليات، حيث يجري التحقق من لوحات الترقيم باستخدام الكاميرات المحمولة على متن المروحية، خصوصًا عند تلقي بلاغ بخصوص مركبة محل شبهة.
وتكمن فعالية هذا النوع من التدخل في سرعة التحليق والقدرة العالية على الاستجابة الفورية، ما يجعل من المروحية عينًا ساهرة في السماء، تراقب وتوجّه، وتؤمن الميدان بخفة ودقة وحضور لا يُخطئ.
وتضطلع الوحدة الجوية للأمن الوطني بالتغطية الشاملة لجميع الطرقات والمحاور الكبرى للجزائر العاصمة، التي تسمح بإعطاء وصف دقيق وسريع لحركة المرور الشيء الذي يساعد في عملية اتخاذ القرارات المناسبة من أجل تنظيمها وتسهيلها وذلك بالتنسيق مع قاعة العمليات لأمن ولاية الجزائر، التي يتم إخطارها بمختلف المخالفات المرورية المرتكبة من طرف السائقين، كالتجاوزات والمناورات الخطيرة التي تمس بأمن الطرقات.في هذا الإطار، يعمد طاقم الطائرة المروحية إلى تقديم مواصفات السيارة المخالفة إلى عناصر فرق الأمن العمومي التي تقوم بإيقاف المخالفين، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، كما تتكفل الوحدة الجوية للأمن الوطني بمتابعة السيارات المشتبه فيها، وذلك بالتنسيق مع غرفة العمليات، أين يتم التحقق من لوحات ترقيم السيارات عن طريق كاميرا المروحية عبر الطرقات والمسالك في حالة الإبلاغ أو الإعلان عن سيارة مشبوهة، وذلك لما تتميز به المروحية من سرعة في الحركة والاستجابة.  

مساهمة فعّالـــة في الإجــلاء الصحـي

 وفي مهامها الإنسانية النبيلة، تتولى الوحدة الجوية للأمن الوطني عمليات الإجلاء الصحي في ظروف دقيقة وحرجة، حيث يتولى طاقم المروحية إخطار غرفة العمليات فور وقوع الحوادث المرورية، مع تأمين تغطية جوية شاملة تُمكّن من تقييم الوضع ميدانيًا.
ترافق هذه التغطية مراحل التدخل كافة، من إسعاف المصابين ونقلهم إلى أقرب المراكز الطبية، إلى رفع المركبات المتضررة، وصولاً إلى استعادة الانسياب المروري في أسرع وقت ممكن.ولا تقتصر مهام هذه الوحدة على الحوادث، بل تتجاوزها إلى لعب دور الإسعاف الجوي في حالات الطوارئ الطبية، بفضل قدرتها على الوصول إلى أماكن معزولة أو وعرة، حيث يتعذّر على سيارات الإسعاف التقليدية الوصول إليها، كما تُستخدم لنقل المرضى بين المراكز الطبية، خاصة في الحالات التي يشكّل فيها النقل الجوي الخيار الأسلم والأسرع لإنقاذ الأرواح.

نقــل عناصـر وحـدات التّدخّل

 وتضطلع المصلحة المركزية للنشاطات الجوية بمهام نقل عناصر وحدات التدخل إلى مواقع العمليات باستعمال المروحيات، حيث تعتبر وسيلة النقل الجوي من أنجع الوسائل وأسرعها لما تمتلك المروحية من سرعة في التنفيذ، وكذا إمكانية الوصول إلى المواقع الوعرة التي يتعذر على وسيلة نقل أخرى الوصول إليها، كأسطح العمارات والمباني.
وتملك مديرية الوحدات الجوية للأمن الوطني موظّفين مختصّين منقسمين إلى موظفي العمليات، موظفين ملاحين الطيارين، مشغلي كاميرا المحمولة، الموظفين التقنيين في العمليات الجوية - تقنيي الملاحة الجوية - مشغلي محطة الاستقبال الأرضي، موظفين تقنيين في الصيانة الجوية، تقنيي الهيكل والمحرك، تقنيي إلكترونيك أجهزة الحوامات وأعوان للدعم اللوجيستي.وفي الشق المتعلق بالوسائل المادية، تمتلك مديرية الوحدات الجوية للأمن الوطني للأمن الوطني 14 مروحية، أربعة من نوع ECUREUIL AS355N 
  ، و10 من نوع   AGUSTA A109 LUH    منها 10 مروحيات مزودة بكاميرات محمولة، وأربع مروحيات موجهة لنقل عناصر التدخل والاتصال.
وتدعّمت الوحدة الجوية للأمن الوطني بنظام إرسال فيديو رقمي عصري (Downlink)، خاص بالحوّامات  AGUSTA A109 LUH
 وبالحوامات من نوع     ECUREUIL  AS355N  من أجل تمكين القيادة العليا من متابعة الأحداث في الزمن الآني، ممّا شكل نقلة نوعية في تسيير الأزمات من خلال اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، يضمن التغطية الجوية في كافة إقليم الجزائر العاصمة وأجزاء من الولايات المجاورة، وكذا ولايات بومرداس، تيزي وزو، بجاية، بويرة، سطيف، قسنطينة، عنابة، سكيكدة، سوق أهراس، غرداية، ورقلة، تلمسان، وهران، بلعباس وعين تموشنت، بالإضافة إلى أربع محطات متنقلة للاستقبال الأرضي من أجل تغطية باقي الولايات المدعمة بنظام إرسال عبر الساتل (VSAT).

التّكوين المتواصل ضمانة الاحترافية

 وتوقّف مراقب الشرطة يحياوي عبد المجيد، عند الأهمية البالغة التي يكتسيها التكوين المتواصل في مجال الطيران عمومًا، وفي صفوف الوحدة الجوية للأمن الوطني على وجه الخصوص، مشيرًا إلى أن هذا الجانب يشكل العمود الفقري لسلامة العمليات وكفاءة الأداء.
وقد تمّ إعداد برامج تكوين سنوية شاملة لصالح الطيارين والتقنيين على حد سواء، داخل مراكز متخصصة في الجزائر وخارجها، بحسب طبيعة التكوين ومجاله، وذلك ضمانًا لمواكبة التطورات المتسارعة في تقنيات الطيران والصيانة، والتي تستدعي مستوى عاليا من الاحتراف والتحكم في الوسائل التكنولوجية الحديثة، ففي قطاع يشهد تحولات نوعية متواصلة، سواء في أنظمة الملاحة، أو الاتصالات، أو تجهيزات الطائرات، لم يعد التكوين خيارًا، بل ضرورة ملحّة تفرضها مقتضيات السلامة والجاهزية القصوى، وهي أولويات لا تقبل التهاون.
وليس التدريب المستمر مجرد تطوير للمهارات التقنية، بل هو أيضًا فضاء لترسيخ ثقافة السلامة المهنية، وتعزيز روح المسؤولية الفردية والجماعية لدى الطواقم، حيث يكتسب الطيارون والتقنيون كيفية التصرف السليم في الظروف الطارئة، وكيفية الوقاية من الأخطاء البشرية أو التقنية.ويُعنى التكوين المتواصل برفع كفاءة العاملين في الجوانب التنظيمية والسلوكية، مثل تنمية مهارات التواصل، والعمل الجماعي، واتخاذ القرار تحت الضغط، فضلاً عن تعميق الإلمام بالتشريعات المحلية والدولية في مجال الطيران، والتي تتطور بدورها بوتيرة لا تقل سرعة عن التكنولوجيا ذاتها، مما يتطلب يقظة دائمة وتحديثًا مستمرًا للمعارف.

حوّامتـــان جديدتــان..قريبــا

 في إطار مخطط تطويرها المستقبلي، تعتزم الوحدة الجوية للأمن الوطني تدعيم أسطولها باقتناء مروحيتين جديدتين من طراز                     ، على أن يتم تسليم أولاهما شهر ديسمبر عام 2028، ما يعكس مواصلة الجهود لتحديث الوسائل وتعزيز الجاهزية العملياتية.
ومنذ بداية اعتمادها على الطائرات المروحية في المهام الشرطية، أثبتت المديرية العامة للأمن الوطني نجاعة هذا الخيار، خاصة في مجال الأمن العمومي، حيث ساهمت الحوامات بشكل مباشر في تقديم دعم جوي فعّال للوحدات المنتشرة ميدانيًا، وساعدت على احتواء كثير من المواقف الأمنية المعقدة.وتُعد تجربة الأمن الوطني في هذا المجال من بين التجارب الرائدة، لاسيما بعد إدماج نظام المراقبة الفورية عن بُعد داخل المروحيات، والذي أظهر فعالية عالية في دعم عملية اتخاذ القرار، عبر تمكين القيادة العليا من متابعة تطورات الأحداث لحظة بلحظة، والتدخل بسرعة ونجاعة عند الحاجة

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19828

العدد 19828

الإثنين 21 جويلية 2025
العدد 19827

العدد 19827

الأحد 20 جويلية 2025
العدد 19826

العدد 19826

السبت 19 جويلية 2025
العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025