تغلغل متسارع يهدّد استقرار المنطقة

المخزن يواصل الارتماء في الحضن الصهيوني

علي مجالدي

 بوحاتم لـ“الشعب“: مؤشر خطير على طبيعة التحولات الاستراتيجية

يواصل النظام المغربي خطواته المتسارعة في توسيع دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، غير آبه بما يحدث في قطاع غزة من مجازر متواصلة يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزّل، ولا مكترث بحجم الرفض الشعبي المغاربي والمغربي نفسه، لهذه العلاقة الشاذة التي تتناقض مع القيم الإنسانية والمواثيق الدولية.

بعد أن أضحت الزيارات الرسمية والمشاريع المشتركة بين الطرفين أمرا مألوفا في المشهد السياسي المغربي، جاء تعيين أول ملحق اقتصادي صهيوني في الرباط ليؤكد أن المغرب اختار المضي في هذا المسار حتى النهاية، فاتحًا أبواب مؤسساته لاختراق صهيوني شامل يطال الاقتصاد كما طال السياسة.
في السياق، يأتي هذا التطور في لحظة تاريخية حرجة، حيث يواجه الشعب الفلسطيني حرب إبادة ممنهجة منذ أكتوبر 2023، دفعت بجثث الأطفال والنساء إلى واجهة الإعلام العالمي، فيما تصر آلة الاحتلال على تدمير البنية التحتية في غزة، واستهداف المستشفيات والمدارس ومخيمات النازحين. ومع ذلك، يواصل المغرب توسيع شراكته مع هذا الكيان، في صورة لا يمكن وصفها إلا بالاصطفاف الكامل مع مجرم حرب يبحث عن غطاء إقليمي لإعادة إنتاج شرعيته دوليًا.
علاوة على ذلك، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور بوحاتم مصطفى، في تصريح خص به «الشعب»، أن «تعيين ملحق اقتصادي صهيوني في المغرب لا يُعد مجرد إجراء إداري روتيني، بل يشكل مؤشراً خطيراً على طبيعة التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة برمتها»، ويرى بوحاتم أن هذا التعيين يكشف بوضوح عن انتقال التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني من مجرد مستوى خطابي رمزي، أو تحركات سياسية ظرفية، إلى مستوى أكثر عمقًا وخطورة، يتمثل في تغلغل ممنهج داخل مؤسسات الدولة المغربية.
ويذهب المحلل السياسي إلى أبعد من ذلك، إذ يعتبر أن الحضور الاقتصادي الصهيوني ليس هدفًا في حد ذاته، بل أداة أولية لاختراق أوسع يطال البنية السيادية للدولة، ويؤسس تدريجيًا لتحالف وظيفي يخدم أجندات استراتيجية تتجاوز الاقتصاد إلى مجالات أكثر حساسية، على غرار الأمن، والنسيج المجتمعي، والهوية الثقافية. فمن خلال الاستثمارات، والمبادرات التكنولوجية، والتبادل الأكاديمي، وغيرها من الآليات الناعمة، يسعى الكيان الصهيوني إلى إعادة تشكيل البيئة الداخلية في المغرب بطريقة تجعل من التطبيع حالة طبيعية ودائمة، لا خيارًا سياسيا ظرفيا.
ويحذر الدكتور بوحاتم من أن هذا التغلغل لن يتوقف عند حدود الدولة المغربية، بل قد تكون له ارتدادات إقليمية تمس مجمل منطقة شمال إفريقيا، من خلال زعزعة التوازنات التقليدية، ودفع دول الجوار إلى إعادة ضبط سياساتها الخارجية والأمنية بما يتماشى مع واقع جديد تُرسم ملامحه على وقع النفوذ الصهيوني المتزايد. والأخطر من ذلك - وفق المتحدث - أن هذا الوجود الصهيوني في المغرب يشكل بوابة استراتيجية نحو العمق الإفريقي، ما يمنح الاحتلال منفذًا جيوسياسيًا جديدًا للتغلغل في القارة السمراء، مستفيدًا من الشراكات الثنائية مع الرباط، ومن موقع المغرب كجسر تقليدي نحو إفريقيا الغربية.
كذلك، يوضح الدكتور بوحاتم أن هذه الخطوة تعكس رغبة صهيونية في تثبيت وجود دائم لها في قلب المنطقة المغاربية، عبر بوابة الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية، وهو ما يشكل تحديا حقيقيا للمنطقة بأكملها، بالنظر إلى طموحات الاحتلال في إعادة تشكيل شبكة نفوذه خارج حدود فلسطين، وخصوصا في الفضاء الإفريقي حيث تتزايد المنافسة الدولية على الموارد والتحالفات.
وفي سياق متصل، لم تقتصر مظاهر التطبيع على التعاون الرسمي والاقتصادي، بل تمادت لتشمل مجالات رمزية وحساسة، فقد أُرسلت - خلال الاسابيع الماضية - وفود من الأئمة المغاربة، بعضهم من الجالية المغربية في أوروبا، إلى الكيان الصهيوني، تحت شعارات الحوار الديني والتعايش، في إطار حملة ممنهجة تهدف إلى تبييض صورة كيان يقوم على العنف والفصل العنصري. ورغم الانتقادات الواسعة، لم يتراجع النظام المغربي عن هذا المسار، بل واصل تغليفه بخطاب دبلوماسي سطحي يتغاضى عن الدماء المنسكبة في غزة.
كذلك، كشفت تقارير إعلامية موثوقة عن استخدام الموانئ المغربية لنقل شحنات عسكرية موجهة نحو الكيان الصهيوني، ضمن عمليات لوجستية تساهم في تغذية آلة الحرب الصهيونية، خاصة خلال فترات تصعيد العدوان على غزة. هذه المعطيات، لم تحظَ بتغطية إعلامية في المغرب بسبب طبيعة النظام المغربي ورقابته المستمرة على الاعلام، إلا أنها أثارت حفيظة الرأي العام، ودفعت منظمات مجتمع مدني إلى المطالبة بكشف الحقائق ووقف كل أشكال التواطؤ غير المباشر.
ويرى العديد من المتابعين أن ما يجري اليوم في المغرب يتجاوز إطار التطبيع السياسي إلى ما يمكن اعتباره انخراطا بنيويا في مشروع الاحتلال الصهيوني، بكل ما يحمله من تهديدات للهوية، والسيادة، والاستقرار الإقليمي. فالمسألة لم تعد مجرد علاقات دبلوماسية، بل أصبحت عنوانا لتقاطع مصالح مشبوهة، قد تعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة على حساب الشعوب ومقاومتها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الذي يدفع وحده ثمن هذا الانحراف التاريخي.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو المخاطر متعدّدة الأبعاد، فالتغلغل الصهيوني في المغرب لا يهدد النسيج السياسي والاجتماعي للمملكة فقط، بل ينذر بتحويلها إلى بوابة خلفية للنفوذ الصهيوني في القارة الإفريقية، وهو ما قد يفتح الباب أمام موجات من التوترات الجديدة، ويؤثر على استقرار جوارها الجغرافي، وأن ما يُبنى اليوم من شراكات ظاهرها اقتصادي، قد يكون باطنه إعادة رسم توازنات حساسة تخدم أجندة الاحتلال على حساب السيادة والمصالح الوطنية. وهذا يستدعي وقفة وعي من داخل المغرب أولًا، ومن المحيط الإقليمي برمّته قبل فوات الأوان.
وفي ظل هذا السياق المشحون، يحق لنا أن نتساءل: إلى أين يمضي المغرب؟ وهل يدرك صانع القرار في الرباط أن فتح الأبواب أمام الاحتلال اليوم، قد يكون مدخلًا لزعزعة استقرار الغد؟ وإن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى من خان قضاياها العادلة، ولا من صافح القاتل وهو يغرس خنجره في خاصرة الأمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025
العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025