موقف جزائري سيادي..والخاسر الأول هو الطرف الأوروبي
تضمنت رسالة وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الافريقية، أحمد عطاف لمسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الكثير من الإشارات التي تؤكد عدم جدية بروكسل في الحوار البناء والهادف بخصوص اتفاق الشراكة، ما يقود بالضرورة إلى طرح عدة تساؤلات.
من حق الجزائر، أن تستغرب وتأسف لقرار الاتحاد الأوروبي بفتح إجراء تحكيمي ضدها، بعد كل تلك التصريحات التي أكد فيها عن طريق سفيره لديها قبول مراجعة اتفاق الشراكة الموقع سنة 2002 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2005.
ويمكن وصف الانقطاع المفاجئ للاتحاد الأوروبي، عن الحوار والمفاوضات جرت في عدة مناسبات وفي جو «بناء»، بالتحول المريب، الذي سينجم عنه دون شك تبعات كثيرة واستنتاجات عديدة عنوانها انهيار الثقة.
وحملت رسالة وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، ردا على إخطار المديرية العامة للتجارة التابعة للمفوضية الأوروبية، بخصوص فتح إجراء تحكيمي بشأن ما اعتبر قيودا على التجارة والاستثمار، معطيات عديدة تقود مباشرة إلى تفسيرات مريبة، ونوايا مبيتة.
وكشفت الرسالة، أن الموقف الأوروبي المفاجئ، يعد إنهاء لمرحلة المشاورات «رغم عقد جلستين فقط من المحادثات خلال فترة قصيرة لا تتعدى الشهرين»، خاصة وأن هذه المشاورات جرت في جو «بناء» و»هادئ».
وأشار عطاف إلى أن الطرف الأوروبي لجأ بشكل أحادي إلى التحكيم رغم « أن ستة من أصل ثمانية ملفات محل خلاف كانت بصدد التسوية»، مفيدا بأن الجانب الجزائري قدم مقترحات عملية بخصوص النقطتين المتبقين دون أن يتلقى أي رد رسمي من نظيره الأوروبي.
وأهم ما أكده وزير الخارجية، هو أن الإجراء الأوروبي، تم خارج الهيئة المركزية لاتخاذ القرار في إطار الاتفاق والمتمثلة في مجلس الشراكة، هذا الأخير لم يعقد في السنوات الأخيرة رغم «الطلبات المتكررة والملحة من الجانب الجزائري».
وفي ظل هذه المعطيات تطرح الكثير من الأسئلة، خاصة ما تعلق بالانقطاع المفاجئ للاتحاد الأوروبي عن المشاورات الجارية والتي تحقق تقدما، ليلجأ مخالفة لبنود الاتفاق إلى فتح إجراء تحكيمي؟.
ولماذا رفضت بروكسل، طلبات الجزائر المتكررة لعقد مجلس الشراكة، رغم كونه الهيئة المخولة حصرا باتخاذ القرارات في إطار الاتفاقات، ولمدة 5 سنوات كاملة أي منذ 2021؟، ولماذا ذهبت إلى التحكيم، قبل الرد على المقترحات العملية التي قدمتها الجزائر بخصوص الملفين الأخيرين محل الخلاف.
والسؤال الكبير الذي يطرح، هو لماذا يشهر الاتحاد الأوروبي المبدأ القبيح المتمثل في ازدواجية المعايير مع الجزائر، لأنه يطلب ويلح على الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية كلما هدد الرئيس ترامب برفع التعريفات الجمركية، لكنه يلوح بالتحكيم مع الجانب الجزائري؟.
أيا كانت خلفيات التحول المفاجئ للاتحاد الأوروبي، فإنه يؤكد على انهيار من قيمة معنوية للاتفاق الذي تم إبرامه في ظروف خاصة للغاية، ظروف خرجت الجزائر فيها لتوها من عشرية الإرهاب، ولا تملك مقومات اقتصادية.
وبعدما أعلنت الجزائر في وقت سابق، أن الاتفاق لا ينسجم مع الحقيقة الاقتصادية القائمة اليوم، فإن الموقف الأحادي باللجوء إلى التحكيم، يؤكد أنه لم يعد مطابقا لعنصر الثقة الذي يفترض أن يطبع اتفاق جمع شريكين لأزيد من 20 سنة.
ولاشك أن الموقف الأوروبي المفاجئ، يحمل إشارات على نوايا مبيتة، في اعتبار الجزائر دائما وأبدا محلا لتسويق منتجاتها ورفضا للنموذج الاقتصادي الجزائري الجديد القائم على بناء شبكة إنتاج وطنية خارج قطاع المحروقات.
ويفتح التطور الجديد الباب أمام أحقية الجزائر، في التمسك بمصالحها الاقتصادية والانفتاح التجاري على معظم شركائها في العالم خاصة ضمن إطار منظمة التجارة العالمية، لأن انهيار عامل الثقة لا يشجع على استفادة الاتحاد الأوروبي حصرا من مزايا تجارية عديدة في السوق الجزائرية.
يذكر أن قيمة المبادلات التجارية بين الطرفين منذ 2005، تجاوزت الـ 1000 مليار دولار، معظمها لصالح الاتحاد الأوروبي، الذي لم يستثمر من هذه القيمة سوى 13 مليار دولار ، حول منها 12 مليار دولار كصافي أرباح، وهو ما تعتبره الجزائر أمرا غير مقبول.