ترسيخ الإيمان القوي بحرمة التراب الوطني وقدسيته
مواصلة معركة البناء والتأسيس لأبعاد متجانسة في الاستراتيجية العسكرية
امتلاك مفاتيح البحث العلمي والتكيّف الآني مع التطورات التقنية
يؤكد الخبير في استراتيجيات الأمن والدفاع، الدكتور عمار سيغة، أن الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال الرئيس الراحل هواري بومدين، لم تعد مجرد مدرسة لتخريج مختلف الرتب بما تحمله من أبعاد تاريخية لإنشائها، وإنّما ارتقت بفضل الاستراتيجية العسكرية الجزائرية، التي تهدف إلى ترقية التكوين العسكري، إلى مستوى غير تقليدي يجمع بين العلوم الحربية وفق الأدبيات الكلاسيكية والاختصاصات الأكاديمية الحديثة جدا ذات الصلة.
قال الدكتور عمار سيغة، في تصريح خصّ به “الشعب”، إن المفهوم العام للتكوين العسكري صار لا يقتصر على فنون القتال ومحاكاة الخطط الحربية في ميدان المعركة، وتدريس تقنيات استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة منها، حيث عرفت تلك الاستراتيجيات الحربية مؤخرا تحولات في عالم متسارع ورقمي، ودمج مختلف التخصصات الأخرى من علوم سياسية وقانون واقتصاد وعلوم فضائية وهندسية وكيميائية وبيولوجية وعلوم أحياء، تماشيا مع مقتضيات المنظومة العسكرية الدولية الحديثة التي باتت تواجه تهديدات خطيرة تفرضها وبقوة تحديات الحروب الهجينة والسيبرانية.
وأوضح سيغة، أن الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال، باتت في السنوات الأخيرة وبما توليه القيادة العليا في البلاد وعلى رأسها القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باتت تتمتع برؤية تكوينية استشرافية عالية المستوى، تنبع من قدسية المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تمتد جذورها إلى جيش التحرير الوطني الذي خاض معركة التحرير الكبرى باقتدار ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، وانتصر عليه ولفظه وراء البحر بهزيمة مذلة.
عقيدة الذود على حياض الوطن
ويُواصل الجيش الوطني الشعبي، بحسب محدثنا، معركة البناء والتأسيس لأبعاد متجانسة في استراتيجيته العسكرية، للاضطلاع بالمهام الدستورية العليا وحماية الحدود والسيادة الوطنية من أي تهديد كان، والذود على حياض الوطن من مختلف التهديدات، في عالم يموج بالاضطرابات الجيو-أمنية، وفي ظل متغيرات صعبة متنامية تضع الجيش الجزائري في مأمورية العصرنة، وترسيخ الإيمان القوي بحرمة التراب الوطني وقدسيته التي امتزجت فيها دماء شهداء الثورة التحريرية المظفرة بتضحيات شهداء الواجب الوطني في كامل حقبة ما بعد الاستقلال.
وأردف الخبير: “الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال باتت تسير بثبات نحو التميز والاندماج في ترسانة أكاديمية جامعية مرتبطة بالبحث العلمي، في ميادين التكنولوجيا العسكرية، والاستراتيجيات الدفاعية الحديثة، وتطوير مختلف الأساليب التكوينية والتدريبية، ما يعكس الرغبة في ولوج معادلة التفوق العسكري العصرية التي لم تعد تعتمد على أرقام القوة البشرية والعتاد فحسب، بل بالارتكاز بشكل قاعدي على المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، وامتلاك مفاتيح البحث العلمي والتكيف السريع والآني مع التطورات التقنية شديدة التطور”.
محضنة للقادة المحترفين وبناة مستقبل الوطن
وصارت الأكاديمية العسكرية بشرشال الرئيس الراحل هواري بومدين، مثلما أضاف سيغة، مصنعًا للقادة المحترفين وبناة مستقبل الوطن المفدى، مشيرًا أن أكبر تحدي يواجه المنظومة العسكرية الحديثة هو صناعة القادة القادرين على تولّي زمام المسؤولية والمبادرة في أرض المعركة، وترسيخ روح الالتزام والتكيف مع مختلف التحديات التي تفرضها الاستراتيجيات العسكرية الحديثة، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المناسبة في كل الأحوال والظروف.
كما تضطلع هذه الأكاديمية الرمز بغرس قيم الوطنية والانضباط والالتزام والقيادة في أوساط طلبتها، والجاهزية القصوى تحت أي ضغط محتمل، وإدارة مختلف الأزمات المستجدة بفعالية، وهذا المعطى لا يندرج ضمن السيرة العسكرية للقادة فحسب، وإنّما يجعلهم يساهمون في بناء الدولة الجزائرية الجديدة في مختلف القطاعات الاستراتيجية، إذ تُخرِّج هذه المنشأة التكوينية العليا سنويا مئات الضباط بمختلف تخصصاتهم، يمثلون نواة القيادة الموهوبة في المستقبل، بحسب قوله.
مرتكز الاستراتيجية الدفاعية الجزائرية
واسترسل المتحدث: “الأكاديمية العسكرية بشرشال مرتكز الاستراتيجية الدفاعية الجزائرية، التي تقوم على المزج بين الخبرات التقليدية التي تتطلبها الحروب الكلاسيكية إلى جانب الأساليب الحديثة والعصرية، وتتعداه إلى الانفراد بمفاهيم جديدة ذات صلة بالدبلوماسية العسكرية، وذلك ما جسدته الأكاديمية من خلال استقبال الطلبة العسكريين من الدول الصديقة والشقيقة، حيث تسهم هذه العلاقات، ولا شك، في تعزيز مبادئ التعاون العسكري الدولي والإقليمي، وتبادل الخبرات والتجارب، مما سيدفع بمكانة الجزائر العسكرية وتقوية دورها كشريك استراتيجي وأمني موثوق في المنطقة والعالم”.
إلى ذلك، فإن تخريج دفعات من الضباط ذوي التأهيل عالي المستوى باستمرار، يضمن للجزائر قدرتها على حماية سيادتها بالاعتماد على نفسها وقدراتها الذاتية باستدامة، والتصدي بكفاءة لمختلف التهديدات في أبعادها اللاتماثلية واللينة، ومجابهة مختلف أشكال الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، في سياق إقليمي كثير المخاطر الأمنية: وعليه; أصبح دور الأكاديمية أكثر من هام وضامن لاحترافية الجيش الجزائري للوفاء بالتزاماته الدستورية.
وخلص الخبير في استراتيجيات الأمن والدفاع، إلى التأكيد على أن الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال الرئيس الراحل هواري بومدين، ارتقت لتصبح رمزا لعز وقوة الجزائر المنتصرة، وتواصل بذكاء بناء جيش عصري، استطاع باقتدار المزج بين الاحترافية والعلم والمعرفة العسكرية، وزرع القيم والثوابت الوطنية والحضارية في جيل من الضباط يحملون بكل شرف وعلم روح الانتماء للوطن الكبير المخضبة أرضه بدماء ملايين الشهداء.