لم تكن الفضيحة التي شهدتها قاعة اجتماعات المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في مالابو، سوى صورة مكثفة لمشهد طويل من البلطجة السياسية التي باتت علامة مسجلة في دفتر المخزن المغربي.
ففي لحظة عبثية، شهدتها الدورة 47 للمجلس التنفيذي، أقدم أفراد محسوبون على الوفد المغربي، على نزع علم الجمهورية الصحراوية من مكانه في القاعة، في مشهد لا يُرى حتى في مباريات الملاكمة، فما بالك بمنبر دبلوماسي قاري يُفترض أن يمثل فيه الجميع دولهم بما يليق من سلوك وأخلاق.
هذه «السرقة الرمزية» لم تكن مجرد حادثة معزولة، بل جاءت لتُضيف حلقة جديدة في سلسلة الممارسات الصبيانية للمخزن الذي لطالما استعاض عن الحجة السياسية بالعنف الرمزي والبلطجة البروتوكولية. فبينما كان قادة الدول يناقشون قضايا التنمية والسلام والتعاون، كان المخزن مشغولاً بتصفية حساباته السياسية مع من لا يعجبه وجودهم، في استعراض مفضوح للعجز السياسي وفقدان الحيلة الدبلوماسية.
في نفس السياق، لم يكن غريباً أن ترفض الوفود الإفريقية مواصلة الأشغال إلا بعد إعادة العلم الصحراوي إلى مكانه، في رسالة واضحة مفادها، أن سيادة الدول الأعضاء، وفي مقدمتها الجمهورية الصحراوية، ليست قابلة للعبث. ولقد وضع هذا الموقف الجماعي حدّا رمزياً لتصرفات المغرب، وأكد أن الاتحاد الإفريقي ليس حلبة صراعات مملكة غارقة في عقدها التاريخية.
كذلك، فإن تكرار هذه التصرفات المشينة منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، يشي بأن المخزن لا يسعى إلى الاندماج في البيت الإفريقي، بل إلى تقويضه من الداخل، عبر محاولات خلق الفتـن والانقسامات، والسعي لإضفاء شرعية زائفة على احتلاله للصحراء الغربية. في سياق متصل، فإن المغرب لم يكتفِ بمحاولاته الفاشلة لطمس الدولة الصحراوية، بل حاول في وقت سابق تسويق الكيان الصهيوني كعضو مراقب داخل الاتحاد، مستغلاًّ في ذلك بعض ثغرات المرحلة، غير أن صلابة الموقف الجزائري ووعي الدول الإفريقية الصادقة أفشل هذا المخطط وتم طرد الكيان المهزوم.
بالإضافة إلى الإخفاق الدبلوماسي، يترنح المغرب داخلياً في أزمة متعددة الأوجه، تعكس هشاشة المشروع التنموي وفشل السياسات العمومية في تلبية الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. فمنذ زلزال الحوز، الذي ضرب البلاد في سبتمبر 2023، لاتزال تلك المناطق تعيش عزلة تامة، دون إعادة إعمار، دون كهرباء، دون ماء ودون كرامة. في المقابل، تصرف الحكومة الملايين في بناء ملاعب كرة قدم وتنظيم مهرجانات وتظاهرات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي ظل هذا الواقع، ترتفع مؤشرات المديونية الخارجية للمغرب إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تجاوزت، بحسب تقارير صادرة عن البنك المركزي المغربي والهيئات الدولية، سقف 70 مليار دولار. هذه القروض لا تُوجه لبناء مستشفيات أو تحسين البنية التحتية في الأقاليم المهمشة، بل تُهدر في مشاريع استعراضية لا تعود بالنفع على المواطن المغربي، بل تُستخدم لتلميع صورة النظام أمام الخارج.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مناطق شاسعة في البلاد من انعدام الماء والكهرباء، وتخرج فيها مظاهرات تطالب بأبسط الحقوق الاجتماعية، يختار النظام المغربي الصمت والتجاهل، بل والتضييق على كل صوت يرفع نداء الكرامة.
وفي خضم هذه التناقضات، لم يعد مستغرباً أن ينهار الخطاب المغربي في المحافل الدولية، وأن يُستبدل الحضور الدبلوماسي بالاستعراض والضجيج، كما حدث في مالابو.
كما يرى خبراء أن المخزن أصبح يمثل عبئاً على الاتحاد الإفريقي، ومحركاً لعدوى الفوضى، لا حليفاً للتنمية والسلم.
وما حدث في مالابو لم يكن مجرد خرقٍ لبروتوكول، بل كشف للعمق المتصدع في المشروع المغربي، الذي لم يعد يملك سوى البلطجة كوسيلة لإثبات الذات. غير أن الشعوب، كما التاريخ، لا تُخدع طويلاً، ومن راهن على الخداع لن يحصد إلا الخيبة.