أي محاولات للتدخل في الشؤون الداخلية ستُواجه بحزم وصرامة
في عالم تحاول فيه التحالفات الإقليمية إعادة رسم خرائط التأثير والنفوذ، تقف الجزائر بثبات كقوة سيادية رافضة لأي شكل من أشكال التبعية أو الإملاءات. هذه السيادة المستعادة لم تأتِ من فراغ، بل بُنيت على إرث نضالي مرير، وإصرار سياسي ومؤسساتي على إعادة تموضع الجزائر في موقعها الطبيعي كفاعل محوري في إفريقيا وحوض المتوسط.
هذا التموقع، وما يحمله من خيارات وطنية حرة في ملفات الطاقة، الدبلوماسية والدفاع عن القضايا العادلة، لم يكن ليروق لبعض القوى الإقليمية التي راهنت طويلًا على عكس ذلك.
في هذا السياق، تتكشف خيوط معقدة لحرب ناعمة هجينة، تتخذ من الإعلام ساحة أولى، ومن الانقسامات الهوياتية ألغامًا موقوتة، ومن التحالفات المشبوهة أدوات اختراق.
وتأتي بعض التصرفات الاستفزازية من قنوات إعلامية محسوبة على أنظمة معادية، قررت استهداف الجزائر والتآمر عليها، خدمة للمشروع الصهيوني، كجزء من هذه الحملة الممنهجة التي تستهدف الجزائر، ليس فقط في وحدتها الترابية والسياسية، بل في تماسكها المجتمعي، وفي رمزية مشروعها الحضاري التحرري الذي يشكل نقيضًا لأنظمة تسعى لفرض «سلام تطبيعي» بلا سيادة ولا ذاكرة.
المشروع التخريبي ضد الجزائر، والذي تساهم فيه دول وظيفية بالتخطيط والتمويل، لا يتوقف عند بث السموم الإعلامية، بل يتعداه إلى أداء دور الشيطان لإحداث الوقيعة بين الجزائر وبين دول أخرى شقيقة، ناهيك عن تواجد بصماتها في أعمال إجرامية عابرة للحدود، كمحاولة إغراق التراب الجزائري بالمخدرات والأقراص المهلوس التي يتم حجزها يوميا وبكميات ضخمة للغاية.
في هذا السياق، يؤكد الدكتور عبد القادر منصوري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريح «للشعب»، أن «بصمات دويلة الإمارات، كما وصفها التلفزيون الجزائري، نجدها في الحملات الإعلامية الممنهجة والمستمرة التي تستهدف الجزائر ووحدتها، بهدف تأليب دول الجوار ضدها، خاصة دول الساحل الإفريقي، لاسيما عبر الطغم العسكرية الانقلابية». ويضيف، أن «هذه الحملات تسعى إلى زعزعة استقرار الجزائر من خلال استغلال القضايا الهوياتية والثقافية».
وأثارت تصريحات المدعو محمد الأمين بلغيث، خلال مقابلة مع قناة «سكاي نيوز عربية» ، جدلاً واسعاً، حيث وصف الأمازيغية بأنها «مشروع أيديولوجي فرنسي- صهيوني». وجاءت التصريحات حاملة لمضامين خطيرة ومغرضة، تنكر الوجود الأصيل والمشروع للهوية الأمازيغية في الجزائر وشمال إفريقيا. ورأى العديد في هذه التصريحات، مساساً مباشراً بأحد مقومات الهوية الوطنية الجزائرية، كما ينص عليها الدستور: الإسلام والعروبة والأمازيغية.
واعتبر التلفزيون الوطني هذا التصعيد الإعلامي من قبل الإمارات «استهدافاً خطيراً لثوابت الشعب الجزائري العريقة ومحاولة للتشكيك في أصوله وتاريخه العميق». وأكد أن «الجزائر التي دفعت ملايين الشهداء دفاعاً عن وحدتها، لا ترضخ للاستفزازات ولن تغفر المساس بثوابتها وبأسس هويتها وانتمائها».
من جانبه، يشير الدكتور مصطفى بوحاتم، أستاذ الدراسات الأمنية في تصريح لـ «الشعب»، إلى أن «هذه الدولة معروف عنها، منذ فترة، تمويلها التحالف الفرنسي- المغربي- الصهيوني ضد الجزائر، في إطار أجندات التطبيع وإسكات صوت الجزائر المدافع عن فلسطين والقضايا العادلة». ويضيف، أن «هذه الدولة تواجه اتهامات مباشرة من السودان بدعم ميليشيات تسببت في نشوب حرب أهلية مستمرة منذ أكثر من عام، وأسفرت عن مقتل آلاف المدنيين ونزوح الملايين».
هذه التطورات تؤكد أن الأمن القومي الجزائري يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن المجتمعي، وأن أي محاولات لتفريق الجزائريين على أساس هوياتي، تهدف إلى ضرب الأمن المجتمعي للجزائر.
ويشير الدكتور منصوري، إلى أن «الجهات التي تحاول أن تفرق بين الجزائريين، تسعى إلى ضرب الأمن المجتمعي الجزائري، ولا يمكن التساهل في هذا الموضوع». وفي ظل هذه التحديات، تبقى الجزائر ملتزمة بالدفاع عن وحدتها الوطنية وهويتها الثقافية، وتؤكد أن أي محاولات للتدخل في شؤونها الداخلية ستُواجه بحزم وصرامة.