جوامع: تعزيـــز الاندماج الفعلـي في سلاسـل القيمة العالمية.. هــدف استراتيجــي
ركـاش: بنــاء شراكـة استراتيجيـة ليـس خيــارا.. لكـن ضـرورة
مـولى: 53 شركــة أوروبيــة ترغـب فـي الاستثمـار بالجزائـر
نظّمت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بالشراكة مع بعثة الاتحاد الأوروبي، ووزارة الشؤون الخارجية، أمس، المؤتمر الختامي لمشروع “الشراكة الأوروبية ـ الجزائرية من أجل استثمار مستدام”، بفندق الشيراطون، وخلص إلى دعم التعاون بين الطرفين. من خلال الاستثمار المنتج وخلق فرص العمل والنمو المستدام، وتعميق الشراكة الثنائية وفق مبدأ “رابح-رابح”.
شكّل المؤتمر الختامي لمشروع الشراكة الجزائرية-الأوربية، الذي انطلق قبل سنتين، فرصة لتقديم الأعمال التي تم إنجازها في إطار مبادرة “الشراكة من أجل استثمار مستدام”، حيث مكّن من تحديد القطاعات الواعدة للاستثمارات الأوروبية في الجزائر، كما شكل فرصة لتبادل الآراء من أجل صياغة توصيات من شأنها تحسين مناخ الأعمال في الجزائر.
استهل المؤتمر الختامي بكلمة للمدير العام لدائرة أوروبا بوزارة الشؤون الخارجية، بصفتها منسّقا للتعاون مع الإتحاد الأوروبي، توفيق جوامع، حيث أوضح أنّ هذا اللقاء المهم يمثل ركيزة أساسية من أجل تحقيق التنمية المشتركة وتعزيز الاستقرار والازدهار على ضفتي المتوسط.
وأشار جوامع إلى أنّ اتفاق الشراكة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي الموقع سنة 2005، باعتباره الإطار القانوني والمؤسّساتي للتعاون الثنائي، ورغم تضمنه محورا مهما يتعلّق بتشجيع الاستثمار، كركيزة من ركائز الشراكة الاقتصادية المنشودة بين الطرفين، “إلاّ أنه لوحظ أنّ مستوى الاستثمارات الأوروبية بالجزائر لا يزال - للأسف - دون التطلّعات ولا يرقى إلى الإمكانات والفرص المتاحة بالجزائر”.
وفي السياق، قال جوامع: “جاء مشروع الاستثمار الأوروبي المباشر في الجزائر كمبادرة هامة، الهدف منها تقييم الوضع وتشخيصه لإيجاد السبل والحلول الكفيلة بالارتقاء بالشراكة إلى مستويات أعلى وأكثر توازنا، بما يضمن شراكة متوازنة تصب في صالح الطرفين”.
وفي إطار المشروع، تم تنظيم بعثات استكشافية إلى 14 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب عقد لقاءات مع أكثر من 250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر، بهدف التعريف بها كوجهة استثمارية موثوقة وواعدة، وعرض الفرص الحقيقية التي تتوفر عليها البيئة الاقتصادية في مختلف القطاعات، لاسيما الطاقات المتجدّدة والصناعة والفلاحة والسياحة وغيرها من القطاعات الاستراتيجية.
وأفاد ممثل وزارة الشؤون الخارجية، أنّ الجزائر تتمتّع بكل المقومات التي تجعل منها محورا إقليميا في سلاسل القيم الأوروبية، لما تمتاز به من قرب جغرافي كبوابة نحو إفريقيا، وتوفّرها على البنية التحتية اللازمة، والرأس مال البشري المكوَّن والمؤهل، كما أنها توفر موارد الطاقة المضمونة وبأسعار تنافسية، ملائمة للإطار القانوني وما يتيحه من ضمانات للمستثمرين.
وأضاف جوامع أنّ تعزيز الإندماج الفعلي للجزائر في سلاسل القيمة العالمية، والأوروبية خاصة، هو أحد الأهداف الاستراتيجية التي تعمل عليها حاليا، وهو ما يتطلب تعاونا مبتكرا مع الشركاء الأوروبيّين، وفي هذا الإطار، دعا إلى تعزيز آليات دعم الاستثمار، خاصة تلك الهادفة لإقامة مشاريع صناعية مربحة للطرفين، ومستجيبة لتحديات التنمية المستدامة، وتوفر مناصب شغل ذات جودة، وتُسهم في نقل التكنولوجيا والخبرات.
وأكّد جوامع أنّ المبادرة تؤسّس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي وبناء جسور حقيقية بين الفاعلين الاقتصاديّين على ضفتي المتوسط، والإرتقاء بهذه الشراكة إلى مستوى أعلى من المشاركة المحورية في سلاسل القيمة الأوروبية، ومحرّكا حقيقيا للنمو والتنمية المستدامة في المنطقة.
تكثيف التنسيق وتحقيق التكامل
من جانبه، أكّد المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عمر ركاش، أنّ “الشراكة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي يجب أن تنتقل من مرحلة التشخيص والدراسات إلى مرحلة الإنجاز والاستثمار الفعلي، وأن يتحول الحوار إلى مشاريع ملموسة تُسهم في خلق القيمة المضافة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الجزائري، وفي ذات الوقت، تعزّز مصالح شركائنا الأوروبيّين”، على حدّ تعبيره.
وشدّد ركاش على الإلتزام الكامل للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بتوفير كل ما يلزم من دعم ومرافقة، لتجسيد الاستثمارات المنتجة في مناخ يتسم بالشفافية والنجاعة والسرعة في المعالجة، والتطلّع إلى مواصلة التعاون الإيجابي بما يخدم مصالح الطرفين في إطار البرمجة المالية 2025-2027، استغلالا للفرص الحقيقية التي تتيحها الشراكة بين الطرفين.
وأبرز ركاش أن هذا المشروع منذ انطلاقه في سبتمبر 2023، يهدف إلى بناء شراكة إستراتيجية في مجال الإّستثمار بين الجزائر وشركائها من دول الإتحاد الأوروبي، الذي لم يعد خيارا بل ضرورة، خاصة في ظل التحوّلات الجيو - اقتصادية العميقة التي يعرفها العالم، والتي تفرض تكثيف التنسيق وتحقيق التكامل، وتوجيه الاستثمارات نحو آفاق جديدة تعزّز تحقيق التنمية المستدامة.
وفي سياق متصل، أشار ركاش إلى أن المشروع مكّن من تحقيق نتائج مشجّعة، من بينها تنظيم ثلاث ندوات كبرى، إعداد دراسة استراتيجية حول سلاسل القيمة ذات الإمكانات العالية، وتنظيم 14 مهمة استطلاعية في العواصم الأوروبية، كان آخرها في أثينا الأسبوع الماضي، ممّا سمح للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بتقديم الجزائر كوجهة واعدة وموثوقة للاستثمار الأوروبي المباشر، خاصة في سياق البحث عن تقصير سلاسل الإمداد وتعزيز الإنتاج القريب من السوق الأوروبية.
أرضية تفاهم مشتركة
من جهته وفي كلمة مقتضبة، شدّد رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، على ضرورة تحديد أرضية تفاهم مشتركة، قبل الشروع في أي عمل مشترك، حيث يرى أنّ المجال الاقتصادي هو الأنسب لذلك. وأضاف أنّ كل دولة تسعى إلى تطوير اقتصادها الوطني، ولهذا يجب أن تبنى الشراكات - وفق ما أدلى به - على مبدأ “رابح-رابح”.
وأشار مولى إلى أنّ 53 مؤسّسة أوروبية لديها رغبة للاستثمار في الجزائر، وسيكون لها مرافقة تامة حتى تنتقل من “الرغبة” إلى “الاستثمار الفعال”، وأكّد على التوجه نحو علاقة متوازنة ومتساوية، مسجّلا إرساء جو من الثقة بين الجانبين للمضي قدما في شراكة مفيدة لكلا الجانبين..وأضاف في السياق، أنّ الجزائر تتطلع إلى فتح السوق الأوروبية أمام المنتجات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، موضّحا أنه من بين محاور الاستراتيجية التصديرية للجزائر، العمل على إزالة الكربون وتصدير الإسمنت الأخضر، مع التشديد على أهمية نقل المعرفة والتكنولوجيا.