الجزائر شريك طاقوي موثوق لدول الاتحاد الأوروبي

حـان الوقـــت لشراكة متكافئـــة بـين الجانبـين

فضيلة بودريش

 تملك الجزائر عدة أوراق رابحة تخولها التفاوض كشريك مهم يتمتّع بثقة عالية لدى دول الاتحاد الأوروبي، ومن بين هذه الأوراق ورقة الطاقة، والموقع الاستراتيجي، والتأثير الجيوسياسي، إضافة إلى مسار طويل من العلاقات التاريخية والتعاون المتبادل. وقد حان الوقت لأن تدافع الجزائر عن مصالحها بشكل أكبر، وتضمن أن يكون هذا التبادل متكافئًا.

تمثل الجزائر الشريك الطاقوي الأمثل والأفضل لدول الاتحاد الأوروبي من عدة نواحٍ، كونها أحد أبرز مصادر الطاقة النظيفة ذات القدرات الضخمة التي لا تنضب. وعلى ضوء التحوّلات الجارية في سوق الطاقة العالمية، تعاظم اهتمام دول الاتحاد ببناء مشاريع مشتركة مع الجزائر، خاصة مع ألمانيا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا.
وبرزت الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية كرائد إقليمي في مجال تزويد الشركاء بالطاقة الخضراء، حيث تُرجمت مختلف المساعي إلى دراسات ومشاريع مشتركة من شأنها تغيير معادلة الاعتماد الكلي على الطاقة الأحفورية. وقد منحها ذلك قوة تفاوضية متقدمة لحماية مصالحها، انطلاقًا من مبدأ تبادل المنافع، وفق صيغة “رابح – رابح”.

تحوّل اقتصادي مستـــدام

 تشير تقديرات الخبراء والمختصّين إلى أن اعتماد بروكسل على الجزائر في مجال الطاقة سيستمر وسيتوسّع أكثر في المستقبل القريب، بالنظر إلى قرب المسافة، وجدية ومرونة الطرف الجزائري، وامتلاكه للموارد والمقدرات، لا سيما البشرية والطبيعية. وتضاف إلى ذلك عوامل مشجّعة على تعميق الشراكات، في ظل ترشّح الجزائر لأن تصبح محورًا استراتيجيًا للطاقة الخضراء على المديين المتوسط والبعيد.
وفي الوقت الراهن، تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو أن تصبح من أهم البلدان الموثوقة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتوفير الطاقة لشركائها الأوروبيّين وزبائنها العالميّين. ومن الطبيعي أن يتوقّع لها مكانة مرموقة كمورد بارز للطاقات النظيفة في السنوات المقبلة، بدءًا من منطقة الأورو، التي تجمعها بالجزائر علاقات متينة في الاستثمار في الطاقات المتجدّدة وتموين الطاقة، وذلك ضمن جهود التحول الاقتصادي المستدام.
ومن المنتظر أن يتزايد دور الجزائر المحوري كمُنتج ومُموّن رئيسي للطاقة الخضراء، وعلى رأسها الهيدروجين، باعتبارها شريكًا تاريخيًا مفضلًا لدى أغلب الدول الأوروبية. وتواصل الجزائر تعزيز شراكاتها التي تمتلك فيها خبرة واسعة في السوق، بصفتها أحد أهم موردي الغاز، وتترجم اللقاءات المنتظمة وقنوات الحوار المفتوحة مع مسؤولي مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى خطوات متقدمة نحو تطوير وتنفيذ مشاريع الطاقات المتجدّدة والهيدروجين الأخضر.
كما تستمر الجزائر في دعم التحول الطاقوي، وتعزيز الفعالية في هذا المجال، عبر نقل التكنولوجيا المتطوّرة، وتبني التقنيات الحديثة والمستدامة، بما يضمن تدفقًا منتظمًا وفعالًا للطاقة الخضراء.

علاقـات متوازنة وتبــادل منصــف

 استعدت الجزائر بالشكل الأمثل لتوسيع حضورها في الأسواق الخارجية من خلال تنويع منتجاتها الطاقوية، بما يساهم في تحقيق الأمن الطاقوي وتكريس التنمية المستدامة. وبفضل الزخم الاقتصادي الكبير، والموارد الطبيعية الوافرة، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية العميقة وغير المسبوقة التي تبنتها، أصبحت الجزائر وجهة جاذبة للاستثمار تدعمها نصوص تشريعية محفزة، وامتيازات ضريبية، وتسهيلات متعدّدة لإنشاء مشاريع الشراكة.
ويدرج كل ذلك ضمن رؤية الجزائر لتعزيز اندماجها في سلاسل القيم الجهوية والعالمية، في أسواق ما تزال متعطشة للمواد الطاقوية، إلى جانب السلع الغذائية والصناعية. وتتطلع الجزائر، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، إلى توسيع مجالات التعاون وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، بما يعكس توافقًا في وجهات النظر حول أهمية مراجعة اتفاق الشراكة، الذي مضى عليه أكثر من عقدين.
وفي ظل تغير السياق العالمي، تسعى الجزائر إلى الانتقال في غضون سنتين إلى مصاف الدول الناشئة، برؤية جديدة تدافع فيها عن مصالحها بثقة، وتركز على بناء علاقات متوازنة وتبادل منصف يضمن التزام كل طرف بمسؤولياته. كما تطمح إلى أن لا تقتصر صادراتها على الطاقة والمعادن، وألاّ تكون مجرد سوق استهلاكية لتدفق السلع والخدمات، بل تؤسّس لشراكة قائمة على الاحترام والتبادل العادل، من خلال نقل التكنولوجيا، وجلب رؤوس الأموال، وإقامة المشاريع الاستثمارية، وتكوين اليد العاملة وغيرها من الآليات الناجعة.

مستقبـل طاقـوي مزدهـر

 تلوح في الأفق العديد من المشاريع الواعدة التي يعتزم الطرفان تنفيذها، وفي مقدّمتها مشاريع الطاقة الخضراء، التي من شأنها أن تجعل من الجزائر محورًا استراتيجيًا للطاقة النظيفة وتموين العديد من الدول الأوروبية. من بين هذه المشاريع، يبرز “ممرّ الهيدروجين”، الذي أطلقت دراسات الجدوى الخاصة به في أكتوبر 2024، بشراكة مع كل من ألمانيا، إسبانيا، والنمسا.
ويُرتقب أن يمنح هذا المشروع المنطقة، بفضل الجزائر، مستقبلًا طاقويًا مزدهرًا ومستدامًا، يضمن وفرة في الأسواق الإقليمية والعالمية، ويحقّق أسعارًا عادلة ومناسبة لكل من المنتجين والمستهلكين.
ومن بين المشاريع المشتركة أيضًا، مشروع “طاقاتي+”، الذي أُطلق بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا، ويهدف إلى تسريع وتيرة نشر الطاقات المتجدّدة وتطوير الهيدروجين الأخضر في الجزائر. يُموّل هذا المشروع بشكل مشترك من الاتحاد الأوروبي وألمانيا، ويُعوّل عليه لتحسين استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات الجزائرية.
وكانت الجزائر قد وقّعت على إعلان الانضمام رسميًا إلى مشروع “ممرّ الهيدروجين الجنوبي” المعروف باسم “SoutH2Corridor”، والذي يتمثل في أنبوب يمتد على مسافة 3300 كيلومتر، يبدأ من الجزائر ويمرّ عبر تونس والبحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا والنمسا، وصولًا إلى ألمانيا، لتزويد عدة دول أوروبية بالطاقة الخضراء.
هذا المشروع سيعزّز من دور الجزائر كمُموّن موثوق للطاقة، ويوسّع من تنوع منتجاتها الطاقوية، وقد وُصف بالمشروع الاستراتيجي العملاق، كونه يربط لأول مرة مواقع الإنتاج الجزائرية مباشرةً بالأسواق الأوروبية، في إطار مجموعة من خمس دول تتعاون من أجل تأمين طاقة مستدامة. وسيُسهم هذا الربط في إقامة صناعة طاقوية متقدمة، تعتمد على تقنيات حديثة، وتخلو من الانبعاثات الكربونية، ما يعزّز من جاذبية الاستثمار في كل من الجزائر وتونس، ويوفر فرص عمل، ويُعزّز من الابتكار، ويدعم المنظومة الاقتصادية للبلدين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19755

العدد 19755

الأربعاء 23 أفريل 2025
العدد 19754

العدد 19754

الثلاثاء 22 أفريل 2025
العدد 19753

العدد 19753

الإثنين 21 أفريل 2025
العدد 19752

العدد 19752

السبت 19 أفريل 2025