باريس رهينة حكومة الجميع فيها يريد إسقاط الجميع

الجزائر المنتصرة تفضح السقوط المخزي للدبلوماسية الفرنسية

حمزة. م

 

 الرد بما يلزم لحماية سمعة بلادنا الدولية والدفاع عن الجالية الجزائرية وإعلاء المصالح الوطنية  

جون نويل بارو: متمسّكون بالعلاقـــــــــات العميقـــــــــة مع الجـــــــزائر 

روتايــــــــــو الصغير يهـــــــــدّد بالاستقــــــالة إذا لم تواكب الحكـــــومــــــــــة خطابــــــــــــــــــه العنـــصري

اتخذت الجزائر الموقف الصحيح في تعاملها مع فرنسا، عندما تبنّت «رد الفعل» والاحتكام إلى القنوات القانونية المؤطرة للعلاقات الثنائية، فليس لها ما تقوم به مع حكومة منقسمة آيلة للتفكك في أية لحظة. وأمام ما فرضته طبيعة الوضع، ينحصر اهتمام السلطات العليا للبلاد في إعلاء المصالح الوطنية وإنهاء الاختلال الذي ظل قائما لعقود.

لا شيء يدفع الجزائر للتفكير في استئناف الحوار قريبا مع فرنسا الحالية، التي باتت رهينة في يد حكومة منقسمة بين ثلاثة تيارات، تبتز بعضها بعضا بآلية «سحب الثقة»، إذا لم تتحقق لكل منها ما يضخم أجندته السياسية تحسبا للانتخابات المقبلة.
الوزير الصغير روتايو، يهدد بالاستقالة إذا لم تواكب الحكومة خطابه العنصري التصعيدي ضد الجزائر. ويهدد وزير العدل موسى دارمانان بالانسحاب إذا تم التخلي عن مشروع منع الحجاب في الرياضة. بينما يتجه الوزير الأول فرنسوا بايرو للرسوب في اختبار قانون التقاعد.
وأمام هذه المحاصصة السياسية والإيديولوجية، يختفي صوت فرنسا في الخارج، ولا تعرف هوية من يقود دبلوماسيتها ويمكن الحديث معه في مواضيع جادة. وحتى الرئيس ماكرون، منغلق في موضوع الحرب وإعادة التسلح، بحجة الخطر الروسي. في وقت تعكف موسكو وواشنطن على صياغة تفاهمات حول سلام طويل الأمد.
هذه الظروف الداخلية المتردية لفرنسا، وما نجم عنها من تداعيات، ناتجة أساسا عن انفلات الوضع وليس عن رؤية مقصودة، فرضت على الجزائر، باعتبارها إحدى ضحايا الاستقطاب السياسي المتدهور، الرد بما يلزم لحماية سمعتها الدولية بالدرجة الأولى والدفاع عن الجالية الجزائرية وإعلاء المصالح الوطنية.
وأحسنت الجزائر التصرف باتخاذه موقف رد الفعل، وسحب القوى السياسية المعادية إلى ساحة القانون وما تنص عليه الاتفاقيات التي تحكم العلاقات الثنائية، ونجحت إلى حد بعيد في فضح «نهاية الدبلوماسية في فرنسا».
وأكدت عبر بيانات وزارة الشؤون الخارجية، مدى جهل وزراء الكراهية بمضمون القنوات القانونية وبآليات العمل الثنائية، بدليل أن وزير الداخلية الحاقد روتايو، أثار موضوع تعليق العمل باتفاقية لم تعد موجودة من الأساس ومنذ 12 سنة، حيث بات تنظيم الإعفاء من التأشيرة لحاملي الجوازات الدبلوماسية من كلا البلدين بموجب اتفاقية 2013 وليس اتفاق 2007.
وأظهر هذا السياسي الصغير، جهلا عميقا حتى باتفاقية شيكاغو، التي يتخذها مطية للقيام بطرد تعسفي للمهاجرين وتهديد شركة الخطوط الجوية الجزائرية.
لقد غرق روتايو في الشعبوية الرديئة، وبات لا يخفي أبدا استئثاره بملف العلاقات مع الجزائر لخدمة طموحات شخصية، وكل فرنسا تعرف ذلك، بل إن حربا ضروسا نشبت بينه وبين اليميني المتطرف بارديلا، بعدما شعر هذا الأخير أن ملف الجزائر سرق منه في المزايدات الإعلامية.
ويعتقد وزير الداخلية الفرنسي، أنه بات على قدر من الأهمية، حيث قال، أمس: «في الجزائر، لا ينتظرون سوى استقالتي». وهنا يلعب مرة أخرى على وتر العاطفة بتقمص دور الضحية المحتمل «للتصعيد مع الجزائر».
ولا يهم الجزائر مصير هذا النكرة، لأنها ماضية في تلقينه وأمثاله دروسا في احترام كل ما هو جزائري، وفي حماية جاليتها من مزايدات اليمين واليمين المتطرف، والأهم من ذلك أنها مصممة على الدفاع عن مصالحها كما لم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وبغبائه المنفوخ بقنوات وإذاعات فانسون بولوري، خلقت استماتة في التصعيد والدفع باتجاه انهيار العلاقات، وضعا «إيجابيا» للجزائر، حيث وفر عليها كثيرا من الوقت الذي تستغرقه الإجراءات القانونية، في فتح الملفات الأكثر جدية في ميزان المصالح بينهما. بدليل، ألا قيمة لقائمة تضم مهاجرين يرغب في ترحليهم، أمام ملف العقارات الجزائرية الموضوعة تحت تصرف فرنسا وعددها 61 عقارا، بل إن إثارة مساحة سفارة فرنسا البالغة 14 هكتارا، لوحدها، لا يقارن بكل الترهات التي يثيرها هذا «الوزير الصغير».
 ناهيك عن اتفاق 1994، ليس الذي يتعلق بترحيل الأشخاص، وإنما ذلك الذي يضبط جوانب التعاون بين البلدين في مجال التجارة والاستثمارات «والتي ساهمت بشكل كبير في إعادة البناء والنمو الاقتصادي في فرنسا».
الوحيد الذي قد يكون التقط الإشارات القاسية من الجزائر، هو وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو، الذي تحدث، أمس الأول، أمام البرلمان «عن مساس بالمصالح الفرنسية»، قبل أن يشارك في إفطار نظمه مسجد باريس ويؤكد تمسك بلاده «بالعلاقات العميقة مع الجزائر».
ليس أمام الجزائر، في ظل حالة الاحتقان والجمود السياسي في باريس، سوى المضي قُدُما في إعلاء مصالحها، خاصة وأنه لا يوجد في الجهة المقابلة من يمكنه فتح قنوات الحوار معها، فالجميع يريد إسقاط الجميع في فرنسا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19728

العدد 19728

الثلاثاء 18 مارس 2025
العدد 19727

العدد 19727

الإثنين 17 مارس 2025
العدد 19726

العدد 19726

الأحد 16 مارس 2025
العدد 19725

العدد 19725

الأحد 16 مارس 2025