إرهاب فرنسا الاستعمارية في الجزائر

حقائق مرعبـة وجرائم ضد الإنسانيــة يحاول أحفاد بيجار طمسها

علي مجالدي

لا تزال الجرائم التي ارتكبتها فرنسا خلال 130 سنة من الاستعمار والاستيطان في الجزائر، تثير صدمة لدى الرأي العام العالمي، لاسيما مع كشف مؤرخين فرنسيين عن استخدام الجيش الفرنسي للأسلحة الكيمياوية بين عامي 1957 و1959، وهو ما يجعل فرنسا أول دولة في العصر الحديث تلجأ إلى هذا النوع من الأسلحة ضد المدنيين العزل. ولم تنكشف بعد الخيوط الكاملة للجرائم الوحشية بسبب التستر على الأرشيف الدامي.

الحقيقة المروعة تضع فرنسا أمام مسؤوليات تاريخية، حيث تصنف هذه الأفعال ضمن جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم، وتستوجب محاسبة المتورطين فيها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات، كما تفرض على الدولة الفرنسية الاعتذار الرسمي والتعويض عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الجزائري.
علاوة على ذلك، وفي خطوة تعكس الرغبة في إخفاء التاريخ الأسود للاستعمار الفرنسي، ألغى التلفزيون الفرنسي بث وثائقي يتناول الجرائم الفرنسية في الجزائر، وخاصة استخدام الأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليًا خلال الثورة التحريرية. ويرى العديد من المتابعين، أن هذه الخطوة ليست معزولة، بل تعبر عن موقف سياسي مدعوم من تيارات اليمين المتطرف التي تحاول بشتى الوسائل طمس جرائم فرنسا وتشويه الحقائق التاريخية.
ومن المؤكد، حسب متابعين، أن حالة الارتباك في برمجة الفيلم الوثائقي «الجزائر، وحدات الأسلحة الخاصة» للمخرجة كلير بييه، والمؤرخ كريستوف لافاي، يدل على رعب فرنسا من اكتشاف الرأي العام لحقيقة ما كان يفعله جيش الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بعد عقود من الكذب والترويج بأن هذا الاستعمار جلب الحضارة للجزائريين، وهو طرح يتبناه اليمين المتطرف وأنصار الجزائر الفرنسية، ولكن أيضا على الصعيد الرسمي.
ولطالما حرصت السلطات الفرنسية، على إخفاء المجازر المرتبكة طيلة 132 سنة في الجزائر، حرصا على ترويج صورة دولية قائمة على «الإنسانية والحرية والأخوة»، لذلك تصر على الاحتفاظ بالأرشيف في الخزائن المغلقة ورفض كل محاولات الباحثين الاطلاع على أجزاء حساسة منه.
لكن، الحقيقة التاريخية تظل تطارد فرنسا، خاصة مع تمسك الجزائريين بالذاكرة الوطنية وعملهم على كشف حقيقة الاستعمار وإثبات أن ما قام به محاولة لاستئصال شعب كامل من أرضه، وجلب أزيد من مليون معمِّر آخرين من أوروبا.
وبسبب تخليد الجزائر لماضيها، أصيبت السلطات الفرنسية بحالة هيستيريا، لأنها ترى في ذلك «إهانة كبيرة لفرنسا»، عكس ما يحاول وزير الداخلية برينو ريتايو ترويجه من خلال التركيز على ملف الهجرة.
وما يريده هؤلاء ببساطة، هو أن تكف الجزائر عن المطالبة بمعالجة عادلة للذاكرة واسترجاع الأرشيف، وأن يتوقف التخليد السنوي لأرواح الملايين من الشهداء، خوفا على صورة بلادهم الدولية. وكلما أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمسكه بالذاكرة الوطنية، كلما ازدادت حالة السعار لديهم.
وبدل مواجهة الحقيقة والنظر إلى تاريخهم المشين والقيام بما يجب لتخطي ذلك، تريد الحكومة الفرنسية القفز على التاريخ، بل ومحاول صياغة تاريخ آخر غير ذاك الذي حدث على الأرض، وهو ما يبرر حالة الغضب العارم الذي انتاب الكثير من النخب عندما ربط أحد الصحفيين الفرنسيين بين الاستعمار الفرنسي وبين النازية.
وبالرغم من أن فرنسا تدعي رفع شعارات حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية في العالم، فإنها لاتزال غير قادرة على مواجهة ماضيها الاستعماري الحافل بالانتهاكات، بل وتسعى إلى تصدير صورة مشرقة عن نفسها على الساحة الدولية، متجاهلة مسؤوليتها عن المجازر وأعمال الإبادة والتعذيب التي كانت السباقة في ابتكارها.
الجزائر تُفشل محاولات التعتيم
في نفس السياق، يؤكد الدكتور عبد القادر منصوري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح «للشعب»، أن فرنسا الاستعمارية ترفض حتى اليوم تسليم الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية وثورة التحرير المجيدة، خوفًا من الفضائح والمساءلات القانونية التي قد تترتب على ذلك. فالتاريخ الاستعماري الفرنسي مليئ بالجرائم، من حصار مدينة قسنطينة عام 1837، إلى مجزرة الأغواط عام 1852، وقمع انتفاضة القبائل عام 1871 التي أدت إلى ترحيل آلاف الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة، وصولًا إلى مجازر 8 ماي 1945 واستشهاد عشرات الآلاف من الجزائريين، واستخدام الأسلحة الكيمياوية خلال الثورة التحريرية، ويضيف منصوري أن فرنسا أول دولة في العالم استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد الجزائريين خلال حصار مدينة الأغواط سنة 1852، ما أدى إلى استشهاد ثلثي سكان المدينة، الذين قدر عددهم آنذاك بـ2500 جزائري.
ويكشف استخدام فرنسا للأسلحة الكيمياوية، فضلًا عن وسائل التعذيب المروعة، عن الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي الذي لم يكن سوى نموذجًا للاحتلال والاستيطان القائم على العنف والإبادة، ورغم محاولات باريس التستر على هذه الجرائم واخفائها، فإن الجزائر تواصل عملها من أجل كشف الحقيقة، وإجبار فرنسا على الاعتراف بجرائمها وتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية.
ومع تزايد الوعي الدولي بفظائع الاستعمار، تبدو فرنسا في موقف محرج أمام تاريخها الدموي، فكل محاولات التعتيم لن تغير من حقيقة أن الجرائم التي ارتكبت في الجزائر ستظل وصمة عار في تاريخها، وستبقى الجزائر، بقيادتها وشعبها، مطالبة بإحقاق العدالة ومحاسبة المسؤولين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19724

العدد 19724

السبت 15 مارس 2025
العدد 19723

العدد 19723

الخميس 13 مارس 2025
العدد 19722

العدد 19722

الأربعاء 12 مارس 2025
العدد 19721

العدد 19721

الثلاثاء 11 مارس 2025