تفكيـك القنابـل الوهمية التـي صنعتهــا القوى المعادية بالكيدورسيه وفضـح اليمين المتطرف
باريـس تستفــز الجزائــر وروسيــا والولايــات المتحـدة الأمريكيـة
الهـوس الفرنسـي بإشعــال نـيران الحروب يثــير قلـق الأوروبيـين
تثير توجهات فرنسا على الساحة الدولية، هذه الأيام، الكثير من الريبة، خاصة في الداخل الفرنسي وفي الأوساط الأوروبية، التي ترفض تقمص الرئيس ماكرون دور «رجل الحرب»، مؤكدا بذلك أن بلاده وبافتعاله خطابا تصعيديا مجانيا ضد الجزائر وضد روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بصدد الخروج «من النهج السليم للتاريخ».
طيلة أشهر، شكلت فرنسا جيوشا إعلامية مهمتها الأساسية مهاجمة الجزائر، بشتى الطرق والوسائل القذرة، وعمدت إلى إسناد هذه الخطط بالنفخ في استطلاعات الرأي التي تدعم السياسية العدائية تجاه جزائر الأحرار، وحاليا تفعل الشيء ذاته تجاه خطاب الحرب الذي يتبناه ماكرون ضد روسيا.
قراءة الجزائريين، لما يتدفق نحوها من كراهية مقيتة من الدكاكين الإعلامية بباريس، كانت سليمة للغاية، حين أكدوا على أن الجانب الفرنسي بصدد البحث عن تصدير أزمة داخلية مستعصية كلفتها 3.3 تريليون يورو، وتصدع سياسي خطير يهدد استمرار الجمهورية الخامسة.
ولم يجد النظام الفرنسي، بكل بلاهة، غير الحل السهل والمعتمد منذ عشرينيات القرن الماضي، بصناعة عدو خارجي، لإلهاء الرأي العام وضمان تمديد عمر السلطة الحاكمة لأشهر أو لسنوات إضافية.
ومن أجل هذه الغاية، حدث تبادل للأدوار بشكل أثبت تقلص صلاحيات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ترك له، على ما يبدو، الخوض في الحرب الروسية- الأوكرانية ومخاطبة الأوربيين بشأن تخلي واشنطن عنهم تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب.
بينما تولى وزير الداخلية برينو ريتايو واليمين المتطرف، ملف العلاقات مع الجزائر، محاول إقناع الفرنسيين بأن المهاجرين الجزائريين يشكلون خطرا على الأمن الفرنسي. بينما يقول الرئيس ماكرون إن روسيا بوتين خطر على فرنسا وعلى أوروبا.
الجزائر، وبكثير من الصرامة والندية والمعاملة بالمثل، والحزم والحنكة الدبلوماسية، استطاعت تفكيك القنابل الوهمية التي صنعتها القوى المعادية لها بباريس، وأثبتت بالحجة وبتدرج أن ما يشن ضدها لا تعدو أن تكون حملة تضليل كبيرة، لا تستند على أية حقائق.
وبالمحصلة، تورطت السلطات الفرنسية الرسمية في حرب تضليلية ضد الجزائر، من خلال إثارتها لموضوع الدعم الموجه للتنمية، ولعلاج الجزائريين في المستشفيات الفرنسية وامتيازات اتفاقية 1968، وتبين أن كل ما روج «بهتان».
حرب اعتبـاريـة
واستطاعت الجزائر، بلهجة صارمة، أن تفضح تصدع هيكل الحكم في فرنسا بين الرئيس ماكرون والوزير الأول فرنسوا بايرو ووزير الداخلية المهووس بكل ما تعلق بالجزائر، حينما أكدت جاهزيتها لقبضة حديدية بل والرد السريع والشامل على كل خطوة فعلية باتجاه ما يجمع البلدين من اتفاقيات.
من الجزائر انتقل الهوس الفرنسي بخلق أعداء جدد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شنّ الإعلام الفرنسي هجمة شرسة ضد الرئيس ترامب، لأنه يريد وقف الحرب الروسية- الأوكرانية.
وتقمص الرئيس ماكرون، دور الزعيم الأوروبي الذي يريد أن يحمي أوروبا تحت مظلته النووية، لكنه يسير في هذا الاتجاه وحيدا، فبلاده مرهقة اقتصاديا، والأثرياء يرفضون ضرائب إضافية لتمويل السياسات الدفاعية، ولا توجد فرص لنجاح مبادرة حسابات الادخار لجمع تبرعات الفرنسيين.
وضع داخلي مماثل، لا يفرض على فرنسا التلويح بالحرب وتهديد أوروبا بحرب نووية أو حرب عالمية ثالثة، وكان على من يحكم حاليا، الاقتداء بالجنرال ديغول حينما تحدث في ستينيات القرن الماضي، أن بلاده بحاجة إلى السلام أكثر من أي وقت مضى من أجل التفرغ للبناء الداخلي على جميع المستويات.
بينما اليوم، يريد النظام الفرنسي الحالي، الخروج من منطق التاريخ، باختيار الحرب بدل السلم، وهو لا يملك الوسائل ولا يمكنه المراهنة على الرأي العام الفرنسي الذي يظنه أن أكبر خطر على فرنسا، هو الرئيس ماكرون نفسه، وفق استطلاع رأي أجراه رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري فرانسوا أسيلينو وشارك فيه أزيد من 50 ألف شخص.
لم يكن على فرنسا اتخاذ مسار الحرب، وهي مثقلة بماض استعماري مشين، لكنها تفضل استفزاز الجزائر بمناورات عسكرية مع المغرب قرب حدودها في سبتمبر المقبل، واستفزاز بوتين بحرب نووية، واتهام ترامب بخيانة الأوروبيين.
لقد كشفت النخبة الحاكمة حاليا في فرنسا، أنها اعتنقت فكرا استعماريا منبوذا ولا فرصة له في النجاح مجددا، وتكشف التناقضات التي تقع فيها هذه الأيام مدى غياب الرؤية والاستراتيجية لديها.
إذ لا يمكنها تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بالكذب والنفاق، وإلا فكيف تشن حملة ضد الجزائر زاعمة أنها تمنحها سنويا 800 مليون يورو لدعم التنمية، وثبت أنها ادعاءات كاذبة، بينما تقوم، قبل يومين، بمنح قرض بـ781 مليون أورو للمغرب لاقتناء قاطرات من الشركة الفرنسية ألستوم.
كان على الحكومة الفرنسية، أن تمنح قرضا مباشرا للشركة المعنية، بدل محاولة إنقاذها بهذه الطريقة المفضوحة التي أكدت اتخاذها المغرب كيانا وظيفيا تستخدمه في أغراضها الخاصة كمحاولة العودة إلى إفريقيا واستفزاز الجزائر، وإقناع الذات باسترجاع النفوذ. الرجل الثاني في الحكومة الإيطالية، ماتيو سالفيني، قدم ردا لاذعا على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حين صرح بأن «بلاده تريد الاستثمار في الدفاع الوطني ولكنها لن تقبل أبدا بجيش أوربي يقوده المجنون ماكرون الذي يتحدث عن حرب نووية».
ولا تملك فرنسا أية أوراق فعلية، لطمأنة الأوروبيين بأنها البديل الأنسب لواشنطن، فكلهم يعلمون أن باتخاذها طريق الحرب تريد الخروج من التاريخ.