توظيف الحملات كأداة لصرف انتباه الرأي العام الفرنسي عن التحديات الداخلية المتزايــــدة
توجيه الغضب الشعبي نحو الخارج بدلا من مواجهة المشكلات البنيويــة الفرنسيـــــة
في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بفرنسا، يظهر الإعلام الفرنسي وكأنه في مهمة منظمة لتشويه صورة الجزائر، محاولًا تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج. ففي الوقت الذي تتعمق الانقسامات السياسية بفرنسا، يجد الإعلام الفرنسي ضالته في الهجوم على الجزائر، متجاهلا الأوضاع المتدهورة التي تشهدها بلاده.
يرى الدكتور حكيم بوغرارة، أستاذ الإعلام والاتصال، أن الانتكاسات التي يمر بها الداخل الفرنسي، تلعب دورًا جوهريًا في التصعيد الإعلامي ضد الجزائر، حيث يتم توظيف الحملات الإعلامية كأداة لصرف انتباه الرأي العام الفرنسي عن التحديات الداخلية المتزايدة.
ويضيف بوغرارة لـ «الشعب»، أن الهجمات الإعلامية الأخيرة، وعلى رأسها التقرير الذي بثته قناة «فرانس2» ذات التوجه اليميني، ليست سوى محاولة مكشوفة لتمويه الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصعب في فرنسا. موضحا بأنه «من خلال خلق عدو خارجي وهمي، تسعى الدوائر الإعلامية الفرنسية إلى توجيه الغضب الشعبي نحو الخارج، بدلًا من مواجهة المشكلات البنيوية التي تهز الداخل الفرنسي».
ولا يقتصر هذا التوجه على الإعلام وحده، بل يجد دعمه، وفق المتحدث، في تصريحات المسؤولين الفرنسيين، وفي مقدمتهم وزير الداخلية برونو روتايو، الذي يستخدم وسائل الإعلام كمنصة لمهاجمة الجزائر.
هذا الخطاب العدائي، يأتي في سياق أوسع، تحاول فيه فرنسا الضغط على الجزائر عبر ملفات حساسة، مثل الهجرة الشرعية وحركة «الماك» الإرهايبة، التي تصر باريس على وصفها بأنها حركة معارضة تتعرض للقمع، في تجاهل واضح للحقائق السياسية والأمنية المرتبطة بهذا الملف.
في المقابل، يقول بوغرارة، تؤكد الجزائر، من خلال مواقفها الدبلوماسية، أنها دولة ذات سيادة قوية، لا تخضع لأي ابتزاز سياسي أو إعلامي. فبفضل نهجها الدبلوماسي المتوازن، تواصل الجزائر ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة، ترفض التدخلات الخارجية وتدافع عن مصالحها الوطنية بحزم.
وفي الوقت الذي تتخبط فيه فرنسا في أزماتها الداخلية، تثبت الجزائر أنها ماضية في مسارها نحو التنمية والاستقرار، دون الانجرار وراء الاستفزازات الإعلامية أو السياسية. هذا الصراع الإعلامي المتصاعد لا يعكس فقط ضعف فرنسا في مواجهة مشاكلها الداخلية، بل يكشف أيضًا عجزها عن التعامل بندية مع الجزائر كدولة مستقلة وذات سيادة.
وأضاف المتحدث، أنه في ظل هذا المشهد، يبدو واضحا أن «الإعلام الفرنسي لا يقوم فقط بتغطية الأحداث، بل يتحول إلى أداة سياسية موجهة، تخدم أجندات معينة تسعى إلى التغطية على الإخفاقات المتتالية في الداخل الفرنسي».
ازدواجية المعايير
من جانبه قال بويعقوب نورالدين، عضو المرصد الجزائري لحقوق الإنسان في تصريح لـ»الشعب»، إن أول نقطة يجب التوقف عندها، هي طبيعة هذا التقرير، هل نحن أمام تحقيق صحفي محايد، مبني على أسس مهنية؟ أم أننا بصدد مادة إعلامية منحازة، تخدم أجندات سياسية معينة؟.
وأضاف المتحدث لـ «الشعب»، قائلا: «عند تحليل مضمون التقرير، نجد أنه يستند إلى شهادات غير محايدة، مأخوذة من شخصيات مرتبطة بحركات معادية للجزائر، مثل عناصر من حركة «الماك» الإرهابية، بالإضافة إلى نشطاء مهمشين فقدوا أي تأثير سياسي داخل الجزائر، فكيف يمكن لقناة عمومية، يُفترض أن تلتزم بالموضوعية، أن تقدم هذا النوع من التقارير دون أي تحقق جدي أو استقصاء حقيقي للوقائع؟.
وكشف بويعقوب، أن توقيت التقرير يطرح أيضًا تساؤلات حول الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملة الإعلامية. فمنذ أشهر، تتعرض الجزائر لسلسلة من الهجمات الإعلامية الممنهجة من قبل بعض الدوائر الفرنسية، والتي تتزامن مع أزمة اجتماعية واقتصادية حادة تعيشها فرنسا.
كما أن هذا التصعيد الإعلامي، لا يمكن فصله عن التوترات السياسية بين الجزائر وفرنسا، خاصة بعد أن اتجهت بلادنا لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل تبعيتها للأسواق الفرنسية. فمن الواضح أن بعض الأوساط في فرنسا لم تستوعب بعد التحولات التي طرأت على المشهد الجزائري، ولم تتقبل فكرة أن الجزائر باتت أكثر استقلالية في قراراتها، إنْ على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
في السياق ذاته، أشار بويعقوب إلى أنه لا يمكن تجاهل الخلفية التاريخية لهذا العداء المستمر، فبعض التيارات السياسية في فرنسا، التي لا تزال تحمل حنينًا للماضي الاستعماري، تسعى إلى استغلال الإعلام كأداة ضغط لإعادة فرض نفوذها على الجزائر.