إسماع صوت المنطقتين الإفريقية والعربية ومواجهة رهانات وتحديات الأمن والسلم العالميين
كرّست الجزائر، خلال عضويتها لمجلس الأمن الدولي غير الدائمة، جهودها للدفاع عن القضية الفلسطينية، ولم تدّخر أيّ جهد في سبيل وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة الممارس من طرف المحتل الصهيوني لأكثر من سنة كاملة، والمُرافعة من أجل قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف تحت قبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع التركيز على إسماع صوت المنطقتين الإفريقية والعربية ومواجهة الرّهانات والتحديات التي تهدد الأمن والسلم العالميين.
لا يختلف إثنان في أن الدبلوماسية الجزائرية أعادت طرح عديد القضايا غير المفصول فيها منذ عقود إلى التداول على طاولة هيئة الأمم المتحدة وأجهزتها، تحت توجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، على غرار القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية «فلسطين»، التي طالها التهميش والنسيان إلى وقت مضى، مرورًا بالأزمات التي تشهدها الصحراء الغربية ولبنان وليبيا والسودان واليمن وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكولومبيا وهايتي، وصولا إلى حضورها الفاعل والأساسي داخل آليات ومبادرات مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية والعالم أجمع.
وبالرغم من دعمها الواضح والمستمر للقضية الفلسطينية بالتحديد، بشهادة وإشادة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تتنكّر بعض الدول العربية الصّغيرة لجهودها الحثيثة الرامية إلى حماية الشعب الفلسطيني من جرائم الكيان الصهيوني ووقف تهجيره القسري، وصل إلى حدّ الكولسة ضدها وتعمّد إقصائها من التنسيق المشترك حيال ذات الملف المطروح بقمة الجامعة العربية الطارئة المنعقدة، أمس الثلاثاء، في القاهرة.
وفي ظلّ حالة الضّبابية التي شابت عملية التحضير لقمة القاهرة غير العادية بغرض بحث تطورات القضية الفلسطينية، قرّر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، عدم المشاركة شخصيًّا في أشغالها، وكلف وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، لتمثيل الجزائر فيها، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية عن مصدر مطلع.
ومع ذلك، ستواصل الجزائر بعزم لا متناهي مسارها الذي سطرته منذ توليها مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي بداية جانفي 2024، في طرح القضية الفلسطينية والذّود عنها وفق ما تُمليه الشرعية الأممية، وكذا البحث عن حلول لهذا النزاع المعقد الحاصل في الشرق الأوسط منذ أربعينيات القرن العشرين.
عكنوش: رسالة دبلوماسية وسياسية قوية
وتعليقا على الموضوع، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش، قرار الجزائر خفض مستوى التمثيل الرسمي بالقمة العربية الطارئة في القاهرة، رسالة قوية، مفادها أن مركزها الدبلوماسي والسياسي والمعنوي في القضايا العربية الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية غير قابل للتهميش أو التغافل؛ كونه مركزا أصيلا مبنيا على دورها التاريخي في قيام دولة فلسطين، وموضوعيا من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي.
وقال البروفيسور نور الصباح عكنوش، في تصريح خصّ به «الشعب»، إن عضوية الجزائر في مجلس الأمن تجعل منها لاعبًا أساسيا في أيّ مسارات وخيارات مقترحة في ما يتصل بدعم العمل العربي المشترك، أو في اتجاه مصالح الأمة العربية عمومًا والشعب الفلسطيني خصوصًا، وذلك ضمن إطار جامع يحوز توافقا للإرادات، يحقق فعالية للمخرجات، وهو ما تسعى إليه السياسة الخارجية الجزائرية في بعدها العربي كفاعل محوري وليس مفعولا به.
كما أوضح عكنوش، أن مضمون الموقف الرئاسي الجزائري بعدم مشاركة الرئيس تبون في قمة القاهرة الطارئة، يستند إلى ثوابت الدبلوماسية الجزائرية لدى مختلف الهيئات الدولية وليس الجامعة العربية فقط، ومنه تنأى الجزائر بنفسها عن كل صفقات قد تؤدي لانعكاسات غير حميدة على الاستقرار النّسقي للنظام الرسمي العربي، وتؤثر سلبيا على الوضع الصعب أصلاً في قطاع غزة وفي غيرها من بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، يرى محدثنا، أن القرار الجزائري يعكس وجود مخاوف منطقية من أن تتحول القمة العربية إلى مجرد مناسبة بروتوكولية لالتقاء الرؤساء وممثلي الدول، أو لقاء أقل ما يقال عنه إنه عادي لا يسفر عن أيّ قرارات مصيرية قادرة على تغيير الوضع على الأرض في قطاع غزة والضفة الغربية.
الجزائر ترنو إلى حوكمة جديدة في أسلوب إدارة العمل العربي لمواجهة التحديات الخطيرة المحيطة به، التي لا تقبل بمنطق الدوائر الضيقة في حلحلة أزماته، وحتى لا يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني الشقيق الذي رافع لأجله بلد الشهداء بقوة وشجاعة من أعلى منصّات المُنتظم الدولي، ويضع خبرته وحكمته في خدمته، إذ كان يجب البناء عليه في القمة العربية بشكل استراتيجي وليس انفراديا أو تكتليا تجاوزه الزمن بالمعنى السياسي والفكري، وفقًا لعكنوش.
وفي تحليله لـ «الشعب»، أكد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور رابح لعروسي، أن لدى الجزائر صوتًا مسموعًا في مجلس الأمن الدولي، وتتمتع بمكانة متصدرة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومن غير المنطقي عقد قمّة القاهرة غير العادية من دون مشورتها، وعدم توسيع التنسيق معها ومع باقي الدول من طرف القائمين بالعملية التنظيمية.
واعتبر البروفيسور لعروسي، عدم مشاركة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في القمة المصرية الطارئة، موقفا صائبا، يبعث برسالة قوية إلى بعض الدول المستأثرة بتسيير الملف الفلسطيني، بأن الجزائر دولة محورية وفاعلة في محيطيها العربي والدولي ولا يمكن إقصاؤها من أي نقاش يخص القضية المركزية للأمة العربية.
ولفت الباحث ذاته، إلى أن استحواذ مجموعة معينة على صناعة القرار داخل أروقة الجامعة العربية، لا يخدم العمل العربي المشترك، وإنّما يزيد من تمزيق ما هو ممزق، ويُوسِّع من رقعة تآكل هذا المنتظم، حيث كان الأجدر إشراك جميع الدول في التنسيق من دون إقصاء لأي طرف من ذلك، للوصول إلى النتائج المرجوة التي تخدم القضية الفلسطينية وباقي المسائل التي تهمّ الشّأن العربي.
الجزائر دولة لا تبيع ولا تشتري في مسار تدويل ونصرة القضية الفلسطينية، وستبقى الصوت العربي الوحيد المسموع على مستوى المجموعة الدولية، كما أنها لن تخلَّ بمخرجات القمة غير العادية في القاهرة، مهما حصل قبل انعقادها، خدمة لمصالح الأمة وقضاياها الرّاهنة، يقول المحلل لعروسي.