بلادنا لن تبقى مكتوفة الأيدي وستتخذ جميع إجراءات الرّد التي يفرضهـا الوضـع
باريس ستتحمّل عواقب تهوّر اليمين المتطرّف وأصدقائه داخل الحكومة
قرّرت الجزائر الرّد على الاستفزازات الفرنسية، التي تسبّب فيها اليمين المتطرّف، بما تقتضيه طبيعة الوضع، ويخول لها مبدأ المعاملة بالمثل وكذا القانون الدولي، القيام بردود الفعل المناسبة على السلوكات العدائية التي يقودها وزير الداخلية الفرنسي الحاقد.
جاء في برقية لوكالة الأنباء الجزائرية، تناولت تصعيدا فرنسيّا جديدا أقدم عليه وزير الداخلية بشكل معارض لما صرح به الرئيس إيمانويل ماكرون، “إنّ الجزائر التي هي ضحية هذا الخطاب المزدوج في قمة هرم دواليب الدولة الفرنسية لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيدي وستتخذ جميع إجراءات الرّد التي يفرضها هذا الوضع”. وكل الإجراءات التي ستتخذها، شرعية في نظر القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، بعدما تحلّت طويلا بضبط النفس وأمهلت الجانب الفرنسي وقتا كافيا لمراجعة الموقف، ووقف تكالب يمينها على الجزائر. لكن يبدو أنّ الأمور انفلتت من أيدي الرئاسة الفرنسية، التي ستتحمّل عواقب تهوّر اليمين المتطرّف وأصدقائه الكولونياليّين داخل الحكومة، أمام ردود الفعل التي ستتخذها الدولة الجزائرية دفاعا عن مصالحها.
وأكّدت الجزائر أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التجاوزات غير القانونية الصادرة عن الحكومة ضد رعاياها ودبلوماسيّيها، بعد السلوك الفرنسي المشين الذي يسرّع التدهور الدبلوماسي والسياسي، الذي وصلت إليه الممارسة السياسية في فرنسا، بفعل تغوّل اليمين المتطرّف الحاقد على الجزائر.
القانون في صف الجزائر
ويتيح القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية للدولة في هذه الحالة خيارات منها مبدأ المعاملة بالمثل، والحماية الدبلوماسية. وفي السياق، ستلجأ الجزائر، إلى منع حمَلة جواز السفر الدبلوماسي من الفرنسيّين، إلى دخول ترابها الوطني، بعدما قام الجانب الفرنسي بخرق اتفاقية 2007، دون إخبار الطرف الجزائري.
ويعني مبدأ المعاملة بالمثل حصول طرفين في المعاهدة أو الاتفاق على الميزات والتفضيلات والعقوبات نفسها، التي تمنحها دولة ما للمواطنين أو الكيانات القانونية لدولة أخرى، ويتم الحصول على ميزات مثلها في المقابل، لكنها تحتفظ أيضا بحق المعاملة بالمثل في حال أخلّ الطرف الآخر بمقتضيات الاتفاق.
ويشير التعامل بالمثل إلى تأسيس الثقة والتعاون، حيث تبني الدول من خلاله معايير مقبولة بصفة عامة للسلوكيات. وتلقي هذه المعايير العامة بضغوطها المعيارية على الإجراءات التي تتخذها الدولة، من خلال المساهمة في تطوير الالتزامات بعيدة المدى بين الدول التي تجتهد لتحقيق التعاون. وفي هذه الحالة التي يفرضها اليمين المتطرّف على الدولة الفرنسية، يعتبر التعامل بالمثل الطريقة الاسرع للرد على تلك التجاوزات المستمرة.
ومن التدابير الأخرى التي يمكن للجزائر اللجوء إليها في القانون الدولي، نجد الحماية الدبلوماسية (أو المناصرة الدبلوماسية)، هي وسيلة للدولة لاتخاذ إجراء دبلوماسي أو غير ذلك من الإجراءات الأخرى ضد دولة أخرى بالنيابة عن أحد مواطنيها، الذي تعرضت حقوقه ومصالحه للضرر من طرف الدولة الأخرى. والحماية الدبلوماسية، يمكن لها أن تأخذ أي شكل لا يحظره القانون الدولي، كالإجراءات القنصلية والمفاوضات مع الدولة الأخرى والضغط السياسي والاقتصادي، وإجراءات قضائية أو تحكيمية أو غيرها من أشكال التسوية السلمية للمنازعات.
وكانت لجنة القانون الدولي، اعتمدت المواد المتعلقة بالحماية الدبلوماسية، عام 2006، وهي مواد تنظم حق وممارسة الحماية الدبلوماسية. ويبقى هذا الخيار متاحا، غير أنه يتطلّب إجراءات قانونية قد تطول، ومنها أن يستنفذ المتضرّر كل سبل الإنصاف المحلية للدولة المضيفة عبر رفع دعوى قضائية ضدها والتدرّج في محاكمها الوطنية.
وفي حال لم يتم إنصافه يمكن للدولة التي يحمل جنسيتها أن تتدخل بناء على طلب منه، وتسرع في التعامل مع هذه الدعوى. ويشترط في هذا الإجراء ألّا يكون المتضرّر سببا في وقوعه في مشكلة، وأن يكون متمتّعا بجنسية الدولة التي تستعمل حقها في الحماية الدبلوماسية.
وواجهت الجزائر الاستفزازات والتجاوزات التي قام بها وزراء اليمين المتطرّف في الحكومة الفرنسية، لتأزيم علاقات البلدين، بالتزام الهدوء والاتزان وضبط النفس، طيلة أربعة أشهر، وأبقت تلك المحاولات في مستويات دنيا وأنها قد لا تعكس توجّه الدولة الفرنسية، غير أنّ الازدواجية والتلاعب الذي اتضح عقب تصريح الرئيس الفرنسي من البرتغال بشأن عدم إلغاء اتفاقية الهجرة، والدعوة إلى ضرورة الحوار، والذي ناقضه في اليوم نفسه تصرّف مشين من وزارة الداخلية الفرنسية بمنع حرم سفير الجزائر من دخول الأراضي الفرنسية رغم وضعيتها القانونية، تتجه نحو ما تراه مناسبا من إجراءات.
وليست هذه المحاولة الأولى لاستفزاز الجزائر، حيث عمدت السلطات الفرنسية إلى ترحيل مهاجرين جزائريّين متابعين قضائيا هناك، قبل إتمام المحاكمة وهو ما يمنعهم من حقهم في الطعن أمام المحاكم الفرنسية، وهو خرق سافر للقانون الوطني الفرنسي والقانون الدولي أيضا.
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد البائس، بل سعى اليمين المتطرّف إلى إلغاء اتفاقيات الهجرة للعام 1968 من جانب واحد، وهذا تجاوز سافر للقانون الدولي، الذي ينص على أنّ الاتفاقيات الثنائية أو متعدّدة الأطراف، يجب أن تراجع وتلغى برضى الطرفين أو مجموعة الأطراف كما انشئت برضاهم، وبالتالي لا يمكن بأي حال للطرف الفرنسي إلغاء الاتفاقية أو تعديلها دون موافقة الجزائر، رغم أنها أفرغت من كل مضمونها على مدار نحو خمسة عقود من إبرامها.