رؤية إستراتيجية دقيقة قائمة على البعد التنموي المعزّز بتقويـة القــدرات الوطنيــة للبلدان
تبرز الجزائر، كدولة ذات رؤية استراتيجية دقيقة، لمنطقة الساحل الإفريقي، وتتبنى مقاربة قائمة على البعد التنموي المعزّز بتقوية القدرات الوطنية للبلدان، لمواجهة مختلف التحديات، وعلى رأسها تحدي الإرهاب والتطرّف العنيف. رؤية أثبت نجاعتها أمام الفشل الذريع لسياسات التدخل العسكري الأجنبي المباشر الذي فرضته فرنسا لعدة سنوات.
تعد منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أكثر المناطق هشاشة في العالم على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، حيث تواجه تحديات متداخلة تتراوح بين الإرهاب العابر للحدود، الفقر والنزاعات القبلية، والتدخلات الأجنبية التي زادت من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.
وعلى مدار العقدين الماضيين، تبنّت العديد من القوى الدولية خاصة فرنسا نهجًا عسكريًا مباشرًا في محاولة لاحتواء الأوضاع خدمة لمصالحها، لكن النتائج لم تكن سوى مزيد من عدم الاستقرار وانتشار الجماعات المسلّحة. في هذا السياق، تقدم الجزائر رؤية استراتيجية شاملة مختلفة، تزاوج بين القوة الناعمة والصلبة كوسيلة لتعزيز الأمن والاستقرار في الساحل، من خلال دعم التنمية، تأهيل المؤسسات المحلية، وترسيخ المرجعية الدينية المعتدلة.
وخلال اليومين، الماضيين، اختتمت رابطة علماء وأئمة دول الساحل أشغال ملتقاها الثامن عشر في الجزائر، والذي ركّز على “رهانات التنمية والسلم في الساحل الإفريقي”، وهو تأكيد جديد على الدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في تعزيز الاستقرار في المنطقة، من خلال نهج متكامل يعتمد على الحوار، التنمية، ودعم المرجعيات الدينية المحلية في مواجهة التطرف.
وتتماشى هذه الاستراتيجية مع رؤية الجزائر التي تدعو إلى سيادة الحلول الداخلية والإقليمية، بدلًا من الاعتماد على التدخلات الخارجية التي غالبًا ما تخدم أجندات أجنبية. وتوجهت الرابطة بالشكر، لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نظير المجهودات “الجبارة” المبذولة من طرفه، من أجل تحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية المرجوة.
ومن بين أبرز التوصيات التي خرج بها الملتقى، التشديد على أنّ الفقر والتهميش هما من العوامل الأساسية المغذية للتطرّف العنيف. ولذلك، لطالما دعت الجزائر إلى تعزيز التعاون الإقليمي لدعم المشاريع الاقتصادية المصغّرة، والتعليم، والتكوين المهني، باعتبارها وسائل رئيسية لتمكين الشباب وقطع الطريق أمام استغلالهم من قبل الجماعات الإرهابية، وهذا ما تقوم به الجزائر بشكل سنوي دعما للتنمية في دول الساحل.
كما أكّدت الرابطة على ضرورة ترسيخ المرجعية الدينية المالكية في دول الساحل، وهو ما يتماشى مع جهود الجزائر الرامية إلى نشر قيم الإسلام الوسطي الذي يحصّن المجتمعات من الفكر المتشدّد، خاصة مع تزايد محاولات بعض الجماعات الإرهابية توظيف الدين لخدمة أجندتها التخريبية. كما دعت الرابطة إلى تعزيز التعاون في الميادين العلمية والاقتصادية والأمنية بين دول الساحل، الأمر الذي ينسجم مع رؤية الجزائر التي تؤمن بأنّ الحلول الإقليمية أكثر نجاعة من التدخلات الأجنبية. وتعكس هذه الدعوات إدراك الجزائر العميق بأنّ الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يكون مستوردًا، بل يجب أن ينبع من داخل المنطقة نفسها عبر سياسات تنموية فعالة. وتسعى الجزائر إلى دعم دول الساحل على جميع الأصعدة بهدف تجفيف منابع الإرهاب وكذلك رفض التدخلات الأجنبية خاصة العسكرية منها، مع التأكيد على ضرورة المراقبة الأمنية المستمرة ودكّ مضاجع الإرهاب.