تحسين الظـروف المعيشيـة وتثمـين الموارد ضمن دورة نمـو الاقتصـاد الوطني
سعت الجزائر إلى تطوير تقسيمها الإداري الوطني على عدة مراحل منذ استقلالها ونيلها السيادة الوطنية، بغية إقامة إدارات إقليمية مضطلعة بتلبية انشغالات مواطنيها واحتياجاتهم، وتحسين ظروفهم التنموية والإجتماعية والمعيشية، وتثمين موارد تلك المناطق واستغلالها الأمثل ضمن دورة نمو الاقتصاد الوطني.
نجحت سياسة التقسيم الإداري الأخير، الذي ضمّ عشر ولايات جديدة في الجنوب الكبير، في تقديم صيرورة نسقية إيجابية عن كيفيات التعامل الأنسب مع امتداد الحيز الجغرافي الممتد لآلاف الكيلومترات، وأساليب احتوائه في بلادنا القارّة، وكانت نتائجه وآثاره التنموية واضحة ولا لبس فيها، مما سمح بالتفكير في توسيع نطاق هذا النوع من المقاطعات الإدارية الصغيرة بحجمها، الكبيرة بمؤهلاتها التنموية والاقتصادية والسياحية.
يأتي قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على اقتراح ترقية ثلاث دوائر وبلدية إلى مقاطعات إدارية جديدة يسيرها وال منتدب، ضمن مساعيه المستمرّة لتعميم الوتيرة التنموية في البلاد، وفق مبدإ الإنصاف في التكفل بانشغالات المواطنين، واعتبارا للمقومات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤهل تلك المناطق للارتقاء إلى مقاطعات إدارية.
وقبل ذلك، أقرّت السلطات العمومية ترقية عدّة دوائر في الجنوب الكبير إلى مقاطعات إدارية، ثمّ حُوِّلت سنة 2021 إلى ولايات كاملة الصلاحية، بالتوازي مع ترقية دوائر أخرى في منطقتي الهضاب والسّهوب، بهدفٍ بُعده استراتيجي، يَرمِي إلى تقريب التنمية والمرفق العمومي من المواطن، وكذا تجسيد نماذج تنموية جديدة تقوم على تثمين الموارد المحلية بناءً على خصوصيات كل إقليم من الأقاليم المعنية بالقرار، ومنها ما هو فلاحي ورعوي وسياحي وصناعي ومنجمي وغيرها من المميزات الإقتصادية الحيوية غير المستغلة بتلك المناطق.
نهايـــة الفـــوارق
ساهمت قرارات ترقية الدوائر إلى مقاطعات إدارية وولايات جديدة كاملة الصلاحيات، في تقليص هوّة الفوارق التنموية بشكل كبير بين المناطق المستهدفة بالعملية وباقي الأقاليم الأكثر نماءً واستدامة، وأرست استقرارا اجتماعيا واضحا للسكان في المناطق الريفية المعزولة، التي لطالما عانى قاطنوها من عدم وِصَالهم بالمقار الإدارية، وذلك من خلال ضخّ العديد من البرامج والمشاريع ذات الصلة بتحسين الإطار المعيشي للمواطنين مثل التربية والسكن والصحة والشباب والرياضة، وتوسيع شبكات الكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب، وشق الطرق والمسالك الريفية والفلاحية على نطاق واسع، حيث أثمرت هذه الجهود حصد مكاسب تنموية في صالح نمو الاقتصاد الوطني.
وقد استجاب التقسيم الإداري الجديد للبلاد، بناءً على المعطيات الواردة، لمبدإ اللامركزية بتقريب الإدارة من المواطن، وانسجم بالفعل مع التوجهات السياسية والتطورات الحاصلة بجعل المقاطعات والولايات المستحدثة مصدر دخل إضافي للاقتصاد الوطني. ولعلّ أبرز مثال على ذلك، ما وصلت إليه دائرة المغير التي ارتقت إلى مصف الولايات سنة 2021، في مجال الزراعات الحديثة المُبتكرة في ظرف وجيز، ويُنتظر منها تصدير التجربة الاستثمارية الرائدة إلى المناطق القريبة منها في المرحلة القادمة، ناهيك عن نموذج ولاية المنيعة المُتحوِّلة إلى قطبٍ وطني رائدٍ في الزراعات الاستراتجية.
المقاطعات الأربع الجديدة “دوائر قصر البخاري وبئر العاتر والقنطرة وبلدية العريشة”، تتمتع هي الأخرى بمؤهلات ومقومات طبيعية معتبرة، سرّعت من عملية ترقيتها الإدارية، مما سيضمن لها موقعا هاما في الخارطة التنموية المستقبلية للبلاد، وانخراطا أكبر في الدورة الإقتصادية الوطنية، وهو ما يتسق مع رؤية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، القاضية باستحداث هذا التقسيم الإداري الجديد قصد تقريب الإدارة والتنمية أكثر من المواطن.