بنك البـذور صمّام أمان الزّراعة المستقبلية
قطعت الجزائر بعزيمة أشواطا في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، وقد حقّقت اكتفاء ذاتيا في عديد المنتجات الفلاحية، بل وأصبحت تصدّرها إلى دول العالم، التي تقبل عليها بكثرة نظرا لجودتها ونوعيتها، وتراهن البلاد بنهاية سنة 2025 على تحقيق الأمن الغذائي في مادة القمح الصلب، التي تعتبر غذاء رئيسيا للشعب الجزائري، وتقليص فاتورة استيراده نظرا لارتفاع أسعاره وقلة تواجده، وإنتاجه في السوق الدولية مقارنة بالقمح اللين.
يتماشى الأمن الغذائي جنبا إلى جنب مع استقلالية القرار السياسي وسيادة الدولة الكاملة، والدول التي تحقّق أمنها الغذائي تكون في منأى عن تقلبات السوق الدولية التي عادة ما تشهد أزمات، على غرار الندرة التي شهدها العالم في أزمة كورونا، وثانيا على اعتبار أنّ الغذاء أصبح يستعمل كسلاح في الحروب لإرغام الطرف الآخر على الرضوخ. ووعيا منها بحتمية حماية السيادة الوطنية والاستقلال الشامل، وضعت الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون استراتيجية كاملة لتحقيق الأمن الغذائي لبلوغ الاكتفاء الذاتي، ومنه التوجه نحو التصدير، ومن أجل ذلك اتخذت تدابير لتشجيع الفلاحين على العودة لاستغلال المساحات الزراعية في الشمال، واستصلاح أراضي صحراوية أثبتت النتائج أنها مستقبل الفلاحة في البلاد.
وخصّصت خلال انطلاق حملة البذر والحرث للموسم الفلاحي 2024 - 2025، مساحة مليون و69 ألف هكتار لزراعة القمح الصلب، ومليون و17 ألف هكتار للشعير من أصل 3.69 مليون هكتار لزراعة الحبوب بمختلف أنواعها، مع توفير 4،2 مليون قنطار من البذور المعتمدة بالنسبة الشعير والقمح.
وتراهن الجزائر على التوقف نهائيا عن استيراد القمح الصلب والشعر سنتي 2025 و2026 على الترتيب، سيما وأنها تنتج نسبة 80 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية من القمح الصلب خلال السنوات الاخيرة، كما تراجعت وارداتها من المادة بنحو نصف مليون طن خلال الموسم الفارط، ووفّرت 1.2 مليار دولار لصالح الخزينة العمومية.
الفلاحــــــــــــــــــــــــــــة الصّحراويـــــــــــــــــــــــــــــــــة
أعطت الفلاحة الصحراوية نتائج مشجّعة سواء في انتاج الخضر والفواكه أو زراعة الحبوب، وهو ما جعل الجزائر تتوجه بقوة للاستثمار فيها واستغلال المساحات الشاسعة من الرمال وتحويلها إلى دوائر خضراء، لتصبح الزراعة الصحراوية عاملا متكاملا للزراعة في الشمال، في توفير الغذاء والبذور للفلاحين من أجل مواسم بذر وزرع ناجحة.
وفي هذا الصدد، انطلقت العديد من المشاريع سواء المحلية أو بالشراكة مع دول عربية وأجنبية للاستغلال الفلاحي للصحراء، ومنها المشروع المتكامل لإنتاج الحليب والأعلاف وتربية الأبقار في ولاية ادرار، وهو مشروع ضخم يتربع على مساحة 117.000 هكتار، بمبلغ استثماري يقدر بـ 3.5 مليار دولار، على أن تدخل أولى مراحل الإنتاج به سنة 2026، لتوفير 50 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من الحليب المجفف، وكذا تزويد السوق المحلية باللحوم الحمراء، وتوفير 5.000 منصب شغل مباشر، إلى جانب مساهمته في إنتاج الحبوب والأعلاف ضمن تطبيق نظام الدورة الزراعية على مستوى الأقطاب الثلاث المكونة للمشروع.
ويضاف إليه المشروع الجزائري الإيطالي بولاية تيميمون لإنتاج الحبوب والبقوليات والصناعات الغذائية، وإنشاء مركب صناعي غذائي يتكون أساسا من مطحنة، منشأة للتخزين، ووحدة لإنتاج العجائن الغذائية، على مساحة 36 ألف هكتار بمبلغ 420 مليون أورو، ومن المتوقع أن يفتح المشروع نحو 6700 منصب شغل جديد.
وسائــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل وإمكانيــــــــــــــــــــــــــــــــات
ولإنجاح أهداف الأمن الغذائي، ورفع نسبة النمو في القطاع الفلاحي إلى 4.4 في المئة للتقليل من الاعتماد على الواردات، خصصت الجزائر إمكانيات مادية معتبرة، واتخذت كافة الإجراءات ومنها توفير وسائل الإنتاج على غرار قرار رئيس الجمهورية باستيراد الجرارات ليستفيد منها الفلاحون، وتوفير الحصادات لموسم الحصاد والدرس، ورفع مستوى دعم بعض المواد الأساسية برفع سعر شراء الحبوب والبقول الجافة من الفلاحين، ورفع نسبة دعم الأسمدة إلى 50 بالمائة من سعرها المرجعي للتخفيف من آثار ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية، إلى جانب ربط عشرات الآلاف من المستثمرات والمحيطات الفلاحية بالطاقة الكهربائية. كما أمر السيد الرئيس البنوك بفتح القروض لفائدة الفلاحين، لتشييد غرف التبريد وتخزين المنتوج الفلاحي بهدف ضمان استقرار السوق ومحاربة المضاربة.
وفي إطار البرنامج الوطني لتعزيز قدرات التخزين، شرع منذ شهر جانفي 2024 في بناء 350 مركز جواري للتخزين، و30 صومعة إستراتيجية على المستوى الوطني.
ومن أهم التدابير للحفاظ على البذور المحلية، تمّ تدشين البنك الوطني للبذور يوم 11 أوت 2022 بمقر المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها بالجزائر العاصمة، بتوجيه من رئيس الجمهورية بهدف زيادة وتحسين جودة الإنتاج المحلي للمواد الإستراتيجية لضمان الأمن الغذائي، والذي يعد تتويجا للسيادة الوطنية في هذا المجال.