الفــــنـــــّان ديــــديــــا الــــنــــايـــــلــــي لـ”الــــشــــعــــــب”:

الأغنية النايليــــــــــة.. من الموّال الصحراوي إلى الإيقاع الحـــديث

حوار: موسى دباب

 

  دورٌ بــــــــارز في انــــــتــــــشـــــــار الــــــرقــــــصــــــة و”الــــــتـــــصــــــديـــــرة”  الـــــنــــــايـــــلـــــيـــــّتـــــين وطـــــنــــــيـــــــــا

على أنغام ألحان الأغنية النايلية وأصالة الكلمات التي تمجّد التراث المحلي، يواصل الفنان كحول لخضر، المعروف بـ’”ديديا النايلي”، رحلته الفنية المميّزة التي بدأها منذ عقود، مجسّدا التراث النايلي ومساهما في إبرازه على الساحة الوطنية. فقد كانت أغانيه أحد العوامل الأساسية في انتشار “التصديرة النايلية” أو زيّ العروس التقليدي للمرأة النايلية، فكانت مصحوبة بالأغنية النايلية الأصيلة في مختلف الأعراس الجزائرية، ممّا أضفى على هذه المناسبات طابعا تراثيا عريقا.


ديديا النايلي، من رواد الأغنية النايلية، يروي لنا حكاية هذا الفنّ ومراحل تطوّره، ودوره في إبراز الزيّ النسوي النايلي، ليصبح جزءا من الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري، في هذا الحوار.

^ الشعب: كيف بدأت رحلتك مع الموسيقى، وما قصّة لقب “ديديا”؟
^^ الفنّان ديديا: بدايتي كانت مع الفنّ وأنا في السابعة من عمري، حين انضممت إلى “كشافة الأمل”، وأثناء وجودي في الكشافة، شاركت في عدّة مسابقات، وكنت دائما أفوز بالمراتب الأولى، منها مثلا في مسابقة الأصوات الكشفية بولاية تيزي وزو عام 1981، حيث تنافست مع مشاركين من 21 ولاية. وفزت بالمرتبة الأولى، وقد كانت تلك اللحظة فارقة بالنسبة لي. ومن هناك، شقّيت طريقي نحو عالم الموسيقى، لأنضمّ بعد ذلك إلى فرقة “تكنوكولور” التي أسّسها الدكتور محمد كاكي رحمه الله.
وفي عام 1986، انتقلت إلى فرقة “النجوم” وشاركت معهم في مهرجانات ومسابقات عديدة، حتى حصلت على المرتبة الأولى في المهرجان الوطني للموسيقى العصرية بوهران عام 1993، بأغنيتين وطنيتين هما “أرض بلادي وخيراتها” و«لالة تركية”، وهنا أطلق عليّ الموسيقار الكبير بلاوي الهواري، رحمه الله، لقب “جوهرة أولاد نايل”.
وأتذكّر أيضا كمال زريعة، رحمه الله، الذي كان قائدا لفرقة النجوم، وكان عازفا وملحّنا بارعا، وقد لحّن لي أغنية “يا لالة عرعارة”، وهي أغنية نايلية بطابع عصري. حيث كان له دور كبير في نجاحي، وحصولي على المرتبة الأولى على المستوى الوطني.
ولا أنسى أيضا، الفنّان المداني بلحاج الذي بدأ قبلي، وكان في فرقة “الأطلس الصحراوي”، ثمّ أصدر الأغنية النايلية “قادر يا قادر” صدرت في ألبومه الأول، و«مايسة” في ألبومه الثاني حوالي عام 1995 أو 1996، وكان لها صدى كبيرا لأنّها كانت الأولى من نوعها. وفي ذلك الوقت كنت أشارك في المسابقات عبر الولايات، وحصلت على الجائزة الأولى في الموسيقى العصرية التي نظّمتها دار الشباب بحي الظلّ الجميل.
أما عن لقب ديديا، فمنذ ولدت، إذ لم يكن أحد يناديني باسمي لخضر، بل ينادوني دائما بديديا، وهو اسم يدلّ على الاحترام والتقدير، مثل لقب “داد” أو “سيدي”.

^ حدّثتا عن مسيرتك الفنّية، مع الأغنية النايلية؟
^^ بدأت مسيرتي مع الأغنية النايلية، في عام 1997، عندما غنّيت أول أغنية في هذا الطابع بعنوان “الرقاديات”، وهي أغنية مستوحاة من التراث، ممّا جعلني أبدأ فعليا في تقديم الأغنية النايلية بروح جديدة. ثمّ أصدرت أول ألبوم “كوكتيل” جمع بين الأغنية النايلية والشرقية والراي والمودرن، وتضمّن أغنيات مثل “الرقاديات”، “عوالي”، “عطاتلي هدية”، و«يا سيدي نايل لا تنساني.”
وكانت أغنية “الرقاديات” بمثابة حجر الأساس لصناعة الأغنية النايلية الحديثة، ومنذ ذلك الحين، انطلقت في الفنّ النايلي، فعملت مع شعراء وملحّنين مثل الأستاذ عبد الرحمان قاديري والمبدع عبد القادر بن هورة. بدأنا بإصدار ألبومات حملت الطابع النايلي الأصيل، وقدّمناها للجمهور الجزائري بأفضل صورة.
وأتذكّر حصّة “ليالي الجزائر” التي كان يقدّمها الإعلامي جلال، عام 1997، حيث حقّق هذا البرنامج نجاحا كبيرا وقد أعيد بثّه 15 مرّة بناء على طلب الجزائريين. وشارك معي بعض الفنّانين، مثل، مداني بلحاج، ثامر النايلي، وأستاذ الموسيقى عبد الرحمان النايلي، صاحب “إيديسيون دنيا الفنّ”، والشيخ عطاء الله أحمد بن بوزيد رحمه الله كفكاهي.

^ وما الّذي تعنيه لك الأغنية النايلية كموروث ثقافي؟
^^ لقد حقّقت الأغنية النايلية الكثير للتراث النايلي، حيث ساهمت في التعريف بالزيّ التقليدي النسوي الذي أصبح رمزا في الأعراس بجميع مناطق الوطن. ولم يكن الزيّ التقليدي للمرأة النايلية معروفا بهذا الشكل من قبل، لكن بفضل الأغنية النايلية، صار عنصرا أساسيا في طقوس الزواج والتصديرة التي ترافق العروس في ليلة زفافها، سواء في الشرق أو الغرب، فاليوم، أصبحت الأغنية النايلية سفيرا لتراثنا، وأعطت هوية ثقافية لموروثنا الشعبي الذي يحكي قصّة مجتمعنا وأصالته.
وقد كان الطابع النايلي الذي يعبّر عن تراث منطقتنا غير معروف على المستوى الوطني إلى حدّ كبير، ولكنّه بدأ يكتسب شهرة وانتشارا بفضل جهود مبدعي الأغنية النايلية الذين ساهموا في إبرازه للعلن، حتّى صار جزءا من موروثنا الثقافي المعروف في كافة أنحاء البلاد.
اليوم، تجد الأغنية النايلية حاضرة في كلّ الأعراس، حيث ترافق تصديرة العروس وتضفي رونقا خاصّا على هذه المناسبة التقليدية في مختلف مناطق الوطن.
فقد ساهمت الأغنية النايلية في إحياء وترويج الموروث النايلي بالأخصّ الزيّ التقليدي للمرأة النايلية “الروبة النايلية” التي أصبحت رمزا مميّزا في الأعراس الجزائرية، ومطلوبة في حفلات الزفاف من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال. واكتسبت مكانة رفيعة كجزء من التقاليد المرافقة للعروس في تصديرتها.

^ كيف تطوّر الطابع النايلي مع مرور الزّمن، وهل ما تزال الأجيال الحالية متأثّرة به؟
^^ الأغنية النايلية كانت في البداية تعتمد على الموّال الصحراوي، وكانت تؤدّى سابقا بإيقاعات الدفّ، أو “القصبة والبندير”، ومع مرور الوقت تطوّرت لتصبح مزوّدة بالآلات الموسيقية الحديثة. حيث بدأنا نضيف الآلات الموسيقية العصرية تدريجيا. أستطيع القول إنّني كنت من أوائل من طوّروا الأغنية النايلية، حيث قدّمت أغنيات مثل “دوقا دوقا يا الحمام” و«يا لالا عرعارة” بلمسة جديدة.
وأنا من أدخلت “القيثارة” في الأغنية النايلية، وقدّمتها بنمط موسيقي عصري، ما ساهم في تجديد الطابع وتوسيع نطاقه ليصل إلى جمهور أوسع. وأضفنا هذه الآلات لتواكب الأغنية النايلية العصر وتتلاءم مع ذوق الأجيال الجديدة. ونقوم حاليا بالغناء في الأعراس، وفي المهرجانات التي تقام، وفي العطل الصيفية.

^ من هم الفنّانون أو الشعراء الذين أثّروا في مسيرتك؟
^^ عملت مع نخبة من الشعراء المبدعين، مثل الأستاذ محفوظ بلخيري، والأستاذ بلقاسم زياني، والأستاذ أحمد قدوري رحمه الله، ومن الملحّنين الأستاذ عبد القادر بن هورة، والمبدع فيرح عمر، والشاعر والملحّن الأستاذ محمد عمارة، الذين كانوا شركاء في صياغة وتطوير هذا الطابع الموسيقي المميّز. وكان دائما هدفنا هو أن نقدّم فنّا نظيفا يعكس أصالة تراثنا، كما هو الحال في باقي مناطق الوطن.
فقد امتازت الأغنية النايلية بالكلمة النظيفة واللّحن الرائع، وهي عناصر جمعت بين الجمال والتراث، ممّا جعلها تقف في صفّ الموروثات الفنية الأصيلة في الجزائر. وهذا بفضل جهود الأوائل ومن جاء بعدهم من صنّاع الأغنية النايلية، باتت الأجيال الجديدة تتعرّف أكثر على هذا الطابع، حيث أقبل العديد منهم، خاصّة أصحاب الأصوات الجميلة، على أداء الأغنية النايلية وحبّهم لهذا النمط التراثي الفريد، لتستمرّ رسالتنا وتزداد تأثيرا عبر الزمن.

^ باعتبارك أحد روّاد الطابع النايلي، كيف يمكن الحفاظ على هذا الموروث الثقافي للأغنية النايلية؟
^^ أوّلا يجب أن أقول إنّ الفنّان النايلي يواجه اليوم عدّة تحدّيات، تتمثل أولا في إنتاج الموسيقى، فقد أصبح الإنتاج من أكبر المشاكل التي يواجهها الفنانون. إذ كانت في السابق شركات الإنتاج أو ‘الأديسيون”. كان المنتجون هم من يتواصلون معنا، يقدّمون لنا الدعم المالي، ويأخذوننا إلى الاستوديو لتسجيل أغاني، وكنا نحن نغنّي فقط، حيث كانوا يتكفّلون بكلّ شيء، بمصاريف شراء الكلمات واللّحن وتسجيل الأغنية، ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهيمنة التكنولوجيا، ومشاكل القرصنة، توقّفت شركات الإنتاج عن العمل، ما دفع بالفنّانين حتّى المحترفين إلى إنتاج أغانيهم بشكل منفرد، ثمّ نشرها على قنواتهم الخاصّة.
ولقد كان أيضا في السابق المغنّي يصدر ألبوما كلّ عام، بينما اليوم، قد يصدر أغنية واحدة كلّ عامين، وذلك بسبب تكاليف الإنتاج التي يتحمّلها من جيبه الخاصّ.
ومشكلة الإنتاج أثّرت سلبا حتّى على المبدعين الذين يمتلكون أصواتا جميلة. اليوم، لا يوجد من يقدّم الدعم لهم، ويشتري لهم الكلمات، أو يؤجّر لهم الاستوديو.

^ وما هو الحلّ برأيك، أو ماذا تقترح في ظلّ هذا الوضع؟
^^ أقترح أن يكون هناك دعم حقيقي للفنّانين لمساعدتهم على التكيّف مع هذه الظروف الجديدة، من خلال تخصيص صندوق للمبدعين يساعدهم على إنتاج إبداعاتهم، وكذلك للمساهمة في الحفاظ على هذا التراث الثقافي، وتعزيز الشعر والكتابة.
كما أقترح على دار الثقافة ومديرية الثقافة والفنون أن تخصّص قاعة لتعليم فنّ الطابع النايلي للشباب، وتخصيص أيّام العطل لإقامة ورشات تعليمية..إنّني أطمح أن يتاح للشباب فرصة تعلّم هذا الفنّ الأصيل، كي يتمكّنوا من حمل الراية وإبقاء هذا الموروث حيّا.

^ وما هي الرسالة التي تريد أن توجّهها لجمهورك ولمحبّي الفنّ النايلي؟
^^ رسالتي لكلّ جمهوري، إن شاء الله أكون في حسن ظنّهم، ودمتم محبّين للفنّ النايلي عامة ولدى ديديا خاصّة. وأقول أيضا بأنّ هذا الجيل الحالي يقدّر جدّا الفنّ النايلي، لأنّ هذا الفنّ النايلي يحمل مواضيع تتعلّق بطاعة الوالدين، بالأخلاق والتربية، إضافة إلى مواضيع ورسائل أخرى هادفة تعكس واقع المجتمع.

^ هل لديك مشاريع جديدة تسعى لإنتاجها؟
^^ أعمل حاليا على ألبومي الذي يتضمّن أغنية وطنية عن الجزائر الحبيبة، وأنتظر أن يقوم بإنجازها لي الأستاذ عبد القادر بن هورة. كما أنّ هناك أغاني نايلية قيد الإصدار، منها أغنية عن اليتيم بعنوان “لا ميمة في الدار..لا خية في الجار..لا من جانا عارا” من كلمات الأستاذ بلقاسم زياني، وتلحين من التراث. وهناك أيضا أغنية بعنوان “الله يسهل” من كلمات وألحان الأستاذ مصطفى ملاك، وأخرى عن الشيخ النعاس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024