قانون المالية أقرّ إعفاءات ضريبية لكبح التّضخّم وخفض الأسعار

قوت الجزائريين في أمان..

سفيان حشيفة

 

أقرّ قانون المالية لسنة 2025، إعفاءات ضريبية بالجملة على عدّة منتجات واسعة الاستهلاك للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، والحد من مفعول التّضخّم السّلبي الذي يشهده العالم أجمع، بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وتصاعد بؤر التوتر الجيوسياسي.

وضع مشروع قانون المالية الجديد لسنة 2025م، مشكل التّضخّم الدولي في الحسبان من أجل تحييد فاعليته على منظومة الأسعار الداخلية وبنية الاقتصاد الوطني ككل، الذي استطاع تجاوز موجة التضخم الأولى بداية هذا العام، والتقليل من حجمها تدريجيا إلى أقل من 4,25٪ بعد أن كانت تفوق 9٪ في 2023. كما أظهر صلابة في مواجهة المتغيرات الجيو-اقتصادية الإقليمية والعالمية، وحافظ على وتيرة نمو قوية ومتسارعة.
وقد راعى القانون في إطاره الكليﻲ الميزانياتي، الظرفية الاقتصادية الدولية والوطنيةﻴﺔ، مستشرفاً حصول بعض الوقائع ووضع لها تقديرا استباقيا لاحتوائها وتفادي تداعياتها.
وتعليقا على الموضوع، قال الخبير الدولي في الاقتصاد والمالية، البروفيسور نبيل جمعة، إن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام في الجزائر، حيث وازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضمان رفاهية المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية.
وأوضح البروفيسور نبيل جمعة، في تصريح خصّ به «الشعب»، أن موازنة الجزائر لعام 2025 تميزت بتركيزها على تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وضمان استقرار القدرة الشرائية، ومعالجة التحديات الاقتصادية الكبرى في البلاد، من خلال تحفيز الاستثمار بإدراج حوافز لتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتبسيط الإجراءات، وإزالة بعض العوائق، خصوصاً فيما يتعلق بالقطاعات الاستراتيجية، مرجعا ذلك إلى رغبة السلطات العمومية في تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على المحروقات.
وتابع جمعة، أن القانون تضمّن تدابير ترشيد النفقات وزيادة الموارد، والتحكم في النفقات الداخلية، خاصة عبر تعزيز الرقابة على الإنفاق العام ومراجعة بعض آليات الدعم التي تحتاج إلى تحسين الفعالية، وهذا بهدف تحسين موازنة الدولة وتقليل العجز المالي، بالإضافة إلى تطوير السياسات الجبائية من خلال إصلاحات، أهمها مراجعة الضرائب على الدخل والأرباح.
وأوضح المتحدث، أن موازنة الجمهورية آثرت الاستمرار في دعم المواد الأساسية، والحرص على تخصيص مخصصات مالية كافية لدعم السلع الاستهلاكية وتوجيهها نحو الفئات ذات الدخل المحدود، مع تحسين آليات توزيع الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه الحقيقيين. وفي المقابل، أخذت بعين الاعتبار وضع إجراءات الحد من التضخم بإقرار بعض السياسات التي تهدف إلى التقليل منه، عبر تحفيز الإنتاج المحلي وتقييد الواردات لبعض السلع غير الضرورية.
أمّا بخصوص زيادة رواتب الموظفين والمزايا الاجتماعية، فيشتمل القانون على رفع للأجور ومزايا اجتماعية خاصة للفئات ذات الدخل المحدود، بما يساعد في تعويض تأثيرات التضخم ويعزّز من القوّة الشّرائية للمواطنين، ومن جهة أخرى دعم الاقتصاد الرقمي واعتمد إصلاحات في صالح الرقمنة، وهو ما سيسهم في تطوير التجارة الإلكترونية وتشجيع الشمول المالي من خلال تبسيط عمليات الدفع الإلكتروني، وبالتالي الرفع من كفاءة الخدمات المالية والحدّ من الاقتصاد غير الرّسمي، بحسب نفس الخبير.
وفي ما تعلّق بالتوجهات الاستراتيجية، أبرز جمعة أن الموازنة حرصت على تنويع الاقتصاد وتطوير قطاعات الإنتاج المحلية، حيث دعمت مجالات مثل الفلاحة والسياحة والصناعات التحويلية، بهدف خلق وظائف جديدة وزيادة الإنتاج الداخلي، مع تعزيز التوازنات الكبرى بغية تحقيق استقرار في السياسات المالية والنقدية، والتقليل من تأثير المصاريف وتعزيز النمو الاقتصادي بشكل متوازن ومستدام.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي البروفيسور عبد الصمد سعودي، أن قانون المالية هو الأداة التي تتدخل بها الحكومة من أجل تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال ضبط المؤشرات الاقتصادية الكلية.
وأوضح سعودي لـ «الشعب»، أن مشروع القانون الجديد يستهدف خفض مستويات البطالة في البلاد، ورفع معدل النمو الاقتصادي إلى 4%، وتحديد سعر مرجعي للبترول في حدود 60 دولارا، وتعزيز الاحتياطات الرسمية من العملة الصعبة، ناهيك عن بلوغ 400 مليار دولار كناتج إجمالي داخلي، مشيرا إلى أن أغلب تدخلات نواب البرلمان، خلال مناقشة مشروع القانون بالأيام الفارطة، انصبّت على ضرورة تعديل بعض المواد المرتبطة بتخفيف العبء على المواطنين.
وأوضح فايد، في عرضه لنص قانون المالية لسنة 2025 أمام أعضاء مجلس الأمة، أن صمود الاقتصاد الجزائري المتواصل «يظهر ذلك جليا من خلال تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي التي تشير إلى استمرار النمو المدعوم، لاسيما من خلال النشاط المسجل خارج قطاع المحروقات، والفائض في ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى التراكم في احتياطيات النقد الأجنبي».
وأضاف، بأن الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة سمحت بتهيئة الظروف لتحقيق نسبة نمو بـ4,4٪، بحسب تقديرات الإغلاق لسنة 2024، مع الحفاظ على مستوى الديْن العمومي بأقل من 50٪ من الناتج الداخلي الخام، مما يؤكد استدامة الديون مقارنة بالمعيار الدولي المعمول به والمقدر بـ60٪، بحسب الوزير.
واعتبر فايد، أن قيمة الناتج الداخلي الخام الإسمي للجزائر الذي بلغ ما يقارب 267 مليار دولار في 2023، يعتبر «أبلغ مؤشر عن سلوك الاقتصاد الوطني»، مما يسمح لها باحتلال المرتبة الثالثة في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا ومصر.
كما ذكر بقيام البنك الدولي بمراجعة ترتيب الجزائر، في تحديثه الجديد للتصنيف السنوي لاقتصادات البلدان الأعضاء فيه، من خلال إدراج الجزائر ضمن فئة البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، مع تطور نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي من 3900 دولار في 2023 إلى 4960 دولار في سنة 2024.
ولفت في هذا السياق، إلى أن البنك الدولي قدر، في عام 2023، الناتج الداخلي الخام بتعادل القدرة الشرائية بحوالي 776 مليار دولار، مما وضعها في المرتبة 39 دوليا من بين 198 دولة.
وتعتبر مقاربة «تعادل القدرة الشرائية» طريقة مستعملة في الاقتصاد لمقارنة القدرة الشرائية لمختلف العملات الوطنية، بينما التطبيق الآلي لسعر الصرف لا يسمح بذلك، فالقدرة الشرائية لعملة ما محددة بكلفة المعيشة، أي بالمستوى العام للأسعار. وتستعمل هذه الطريقة لعقد مقارنات دولية لمستوى المعيشة.
وأشار الوزير أيضا، إلى مؤشر التنمية البشرية الذي يعتمد على ثلاثة مؤشرات رئيسية، تتمثل في مستوى التعليم (معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ومستوى التحصيل التعليمي)، الصحة (متوسط العمر المتوقع عند الولادة)، ومستوى المعيشة (الناتج المحلي الإجمالي للفرد والقدرة الشرائية)، والذي صنف الجزائر ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة.
ومن أجل الحفاظ على هذه الديناميكية، تعتزم السلطات العمومية من خلال نص قانون المالية الجديد، متابعة التدابير المتخذة في السنوات الخمس الأخيرة، التي تهدف خاصة إلى تعبئة موارد إضافية مخصصة لدعم وتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، تنويع الاقتصاد من خلال دعم الاستثمار وترقية مختلف المبادرات، بعث المشاريع المهيكلة الكبرى.
كما تهدف إلى ترقية التحول الطاقوي ورقمنة مصالح الدولة ودعم اقتصاد المعرفة، تعبئة موارد جبائية إضافية حسب إمكانية مساهمة كل مكلف، والتحكم في تسيير الدين العمومي، مع الاستجابة لاستحقاقات الدين الخاص بالتمويل غير التقليدي للفترة الممتدة من 2025 إلى 2027، يضيف وزير المالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024