يتفق مهنيون ومختصون على أن قرار السماح باستيراد العتاد الفلاحي الذي يقل عمره عن 5 و7 سنوات، بهدف دعم القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي في البلاد، يأتي في ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجهها الجزائر في مجال الزراعة، بما في ذلك التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية، مؤكدين أن المكننة الزراعية، تعدّ أحد الحلول الرئيسية لمواجهة هذه التحديات، حيث تساهم في زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف وتعزيز استدامة القطاع الزراعي، وتسعى الجزائر من خلال هذا القرار - إلى تحسين كفاءة عمليات الزراعة وضمان توفير المواد الغذائية الأساسية.
أكد رئيس المجلس المهني لشعبة الحبوب عبد الغاني بن علي، لـ»الشعب» أن قرار السماح باستيراد العتاد الفلاحي الأقل من 7 سنوات، كان محل مطالب ناضل في سبيلها منتجو الحبوب والناشطين في الشعب الفلاحية الاستراتيجية، مثمنا الاستجابة السريعة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لهذا المطلب، الذي أساسه تحقيق الاكتفاء الغذائي وتطوير الانتاج الفلاحي كما ونوعا مثلما قال. وأشار بن علي، إلى أن المستثمرين في مجال الزراعات الكبرى والاستراتيجية، تلقوا الإعلان عن إقرار جمركة العتاد الفلاحي، بترحيب كبير، إذ أنه جاء في الوقت المناسب من أجل إدماج كل آليات الانتاج، بما فيها تشجيع زراعة الحبوب في الجنوب الجزائري، فضلا عن قرار توسيع المساحات المزروعة، في وقت أصبح توفير العتاد وإدخال المكننة أمرا ضروريا لنجاح المخططات الاستشرافية التي تتصورها الدولة ويباركها المنتجون بقوة. ويعتقد رئيس المجلس الوطني لشعبة الحبوب، أن قرار السماح باستيراد العتاد الفلاحي، الأقل من 5 و7 سنوات، سيتيح فرص وآفاق جديدة للإنتاج الفلاحي، وممارسة النشاط الفلاحي في أريحية، على غرار الزراعات الاستراتيجية، مثل الحبوب، الذرة الصفراء، البقول الجافة، الزيتيات والشمندر السكري، لاسيما إذا ما اندرجت كل الماكينات الضرورية ضمن قائمة العتاد الفلاحي المرخص له بالاستيراد.
وأكد بن علي، أن رعاية الرئيس تبون، لقطاع الفلاحة، من خلال قرارات جادة لتحقيق الأمن الغذائي، لابد أن تتواصل من أجل خوض معترك الأمن الغذائي والسيادة الاقتصادية، في وقت حظيت فيه المنتجات الإستراتيجية وآليات الإنتاج بدعم كبير، في انتظار التحوّل إلى المكننة المصنعة محليا التي ستكون حافظا للزراعات الاستراتيجية.
مكننـة قطـاع الفلاحـة.. ضرورة حتميـة تـبرّر الوسيلـة
من جهته قال الباحث المختص في الاقتصاد من جامعة معسكر، الدكتور عبد المجيد سجال، «إن الترخيص باستيراد العتاد الفلاحي الأقل من 5 سنوات و7 سنوات، يرمي إلى تقليص فاتورة الاستيراد والعبث بالعملة الصعبة، لأن استيراد العتاد الحديث أو الجديد من المصانع، مكلف جدا من ناحية العملة الصعبة، خلاف استيراده وهو مستعمل، الذي يخفّض من التكلفة ويسمح كذلك باستيراد منتجات ذات جودة جيدة».
وأوضح الدكتور سجال، أن القرار يندرج ضمن اهتمام الدولة الجزائرية بمكننة قطاع الفلاحة، في وقت يلحظ جليا، أن الكثير من الفلاحين يزاولون النشاط الفلاحي بطرق تقليدية، مقابل التكلفة المرتفعة بخصوص الاستثمار في العتاد، حيث سمحت الدولة للفلاح، باستيراد العتاد المستعمل بأقل التكاليف، وبالتالي تمكينه من مكننة نشاطه، الأمر الذي يرفع من الانتاجية تحقيقا لأهداف الأمن الغذائي، في ظل مشاكل المناخ والمشاكل الجيواستراتيجية التي أفرزت اضطراب خطوط الانتاج، فضلا عن احتمالية دائمة لظهور أوبئة عالمية، على غرار جائحة كورونا التي يمكن أن تسبّب مشاكل في توريد الغذاء للجزائر.
قرار استشرافي لتحقيق الأمن الغذائي
وأشار المختص الاقتصادي، إلى أن العوامل المذكورة آنفا، دفعت بالدولة الجزائرية، إلى استشراف آليات تحقيق الأمن الغذائي، التي لمسها المختصين في الاقتصاد، في تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد العتاد الداخل سواء في الاستثمار الفلاحي أو في الاستثمار الصناعي، ضمن قانون المالية، وبالتالي يعتبر قرار السماح باستيراد العتاد الفلاحي الأقل من 5 و7 سنوات، - حسب الدكتور سجال، خطوة جادة وكبيرة.
ودعا الباحث الاقتصادي، إلى تبني مقاربة الهندسة العكسية، من خلال إحياء نشاط المصانع الموجودة في التراب الوطني الخاصة بصناعة الماكينات، بحيث يمكن أن نستورد ماكينات مستعملة وتفكيكها، ثم محاكاة وتصنيعها محليا باشراك الجامعات ومراكز التطوير والبحوث، بما أن المادة الأولية للصناعات المشابهة على غرار الحديد موجودة، تضاف إليها الثروة البشرية الجزائرية على غرار الأدمغة الوطنية من الخبراء والطلبة من خريجي كليات الالكترون ميكانيك.
مكانـة الجزائـر تتعزّز في مؤشـر الأمن الغذائـي
في ذات السياق، أكد الدكتور المختص في الاقتصاد بجامعة سعيدة، عبد القادر لحول، أنّ توجه الحكومة الجزائرية للرهان على القطاع الفلاحي كونه من أهم البدائل الاستراتيجية لقطاع المحروقات- لم يأت عبثا- وإنما لما حققته الجزائر من أرقام هامة جدا في هذا المجال، حيث إن القطاع الفلاحي يساهم بنسبة 18% في الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 35 مليار دولار، كما يستقطب حوالي 2.7 مليون عامل، والأهم من ذلك أن القطاع الفلاحي في الجزائر يغطي الاحتياجات الغذائية الوطنية بنسبة 75%، وهي نسبة جد معتبرة تعزّز مكانة الجزائر في مؤشر الأمن الغذائي افريقيا، حيث تحتل المرتبة الأولى.
وجدّد الدكتور لحول تأكيده، أن قرار السماح باستيراد العتاد الفلاحي لأقل من 7 سنوات هو خطوة كبيرة نحو زيادة عوائد القطاع الفلاحي في المستقبل القريب، خاصة وأن عملية الإحصاء العام الفلاحي أسفرت مبدئيا على إحصاء أزيد من مليون مستثمرة فلاحية في الجزائر، ومنه ضبط الاحتياجات بدقة، ما يمكن الوزارة الوصية من تقييم مساهمة ودعم الدولة المباشر وغير المباشر للمستثمرين في القطاع الفلاحي، أضف إلى ذلك التوجه نحو دعم الشباب ذوي المشاريع الابتكارية في المجال الفلاحي باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتوسيع استخداماته في مجال السقي وتشخيص نوعية التربة والاسمدة المناسبة لها وكذا الدراسات والابحاث المتقدمة في مجال تطوير نوعية البذور خاصة في الشعب الاستراتيجية، على غرار (الذرة، عباد الشمس، السلجم الزيتي، الصويا، الحبوب، البقوليات الجافة وغير ذلك).