الجواز الصحي لبلوغ 70% من المناعة الجماعية
هي الوجه الثاني لمعركة تخوضها الجزائر ضد الجائحة العالمية، حملة التلقيح بعد سنة من انطلاقها، سخّرت فيها الدولة كل الإمكانات، بشرية كانت أو مادية، وتوفيرها اللقاح في وقت كان من الصعوبة بما كان استيراده ولو بكميات قليلة، استطاعت توفيره بعد شهر جوان الفارط بكميات كافية بل وتمكنت من تصنيعه، وبقيت كميات كبيرة من جرعة الحياة تنتظر من يأخذها من أجل اكتساب مناعة جماعية تجعلنا نطوي صفحة هذا الوباء بأقل الخسائر.
بنسبة لا تتعدى 29,31٪ تشمل الفئات الأكبر من 18 سنة و13٪ من مجموع السكان وهو الرقم المعتمد لدى منظمة الصحة العالمية و1٪ للفئات التي أخذت الجرعة المعززة، تبقى حملة التلقيح بعيدة عن الهدف المنشود عند إطلاقها في 31 جانفي 2021. فحتى نصف 70٪ لم تبلغها بعد، نسبة ضئيلة يؤكد المختصون في حديثهم الى “الشعب”، إمكانية تجاوزها بإجراءات قانونية رادعة وتطبيق صارم لجواز التلقيح من أجل العودة الى الحياة الطبيعية دون تهديد من وباء يتجدد في كل مرة من خلال متحوراته المختلفة.
حملات كثيرة للتحسيس
في تقييمه لحملة التلقيح بعد سنة من انطلاقها، أكد الباحث في علم الأوبئة والمختص في الطب الوقائي بمستشفى تيبازة البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة، أن الجزائر سخرت منذ انطلاقها كل الإمكانات الممكنة، مادية كانت او بشرية، بداية من توفير الكمية الكافية من اللقاح، حيث استطاعت الجزائر استيراد أربعة أو خمسة أنواع من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، والمصالح الصحية المسخرة لإنجاح العملية متنقلة كانت او المؤسسات الاستشفائية الجوارية، الى جانب حملات متعددة واحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى إشراك كل القطاعات في العملية، أين تنقلت المصالح الصحية الى مؤسساتها كالمدارس بالنسبة لقطاع التربية ودار الصحافة طاهر جاووت مثلا بالنسبة لقطاع الاتصال، كل ذلك من اجل تحقيق هدف بلوغ المناعة الجماعية من خلال تلقيح ما يزيد عن 70٪ من الفئة المستهدفة، لمواجهة الأثار الصحية للموجة الرابعة.
لكن في مقابل كل هذا الجهد المبذول والحملات الكثيرة للتحسيس والتوعية وتسخير وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من اجل تحفيز المواطن على الذهاب الى مراكز التلقيح، إلا اننا لم نسجل الاقبال او التجاوب المنتظر من طرف المواطنين، ما لم يُمكن الحملة بعد سنة كاملة من تحقق هدفها المنشود في بلوغ 70 أو 80٪ من نسبة التلقيح، إذا أخذنا بعين الاعتبار معيار الأهداف المسطرة قبل انطلاقها. لذلك ما يزال العمل كبيرا لبلوغ الهدف المحدد بتلقيح أكبر عدد من المواطنين للتحكم في هذا الوباء.
وعما يجب القيام به في المرحلة المقبلة لتحفيز المواطنين على التلقيح، كشف البروفيسور أنه بالنظر الى التجربة الأوروبية، نلاحظ مرورهم بنفس المراحل التي مررنا بها. ففي البداية اعتمدوا التحسيس والتوعية وتسخير الإمكانات المادية والبشرية لتلقيح مواطنيهم، لكنهم عند اصطدامهم بعدم التجاوب انتقلوا الى مرحلة أخر،ى لجأت فيها تلك البلدان الى بعض الإجراءات القانونية تمثلت في التطبيق الصارم للجواز الصحي، ما مكنهم من تحقيق الأهداف المنشودة من التلقيح وبلوغ مناعة جماعة تجاوزت في بعض الأحيان 80٪.
لذلك، سيكون الجواز الصحي رهان المرحلة المقبلة –بحسبه- بعد استنفاد كل الطرق الممكنة في السنة الأولى من التلقيح، مع الإبقاء على عدم إجبارية التلقيح، لكن بطريقة ذكية سيذهب المواطن لأخذ جرعة اللقاح، والجواز الصحي أو اللقاح سيؤدي دورا مهما ومحوريا في رفع نسبة التلقيح في المجتمع، ففرنسا مثلا لا يستفيد فيها غير الملقحين لن من مجانية العلاج وهي طريقة من بين الطرق المتبعة لمساعدة وزارة الصحة على بلوغ أهدافها المسطرة.
فيما يرى المتحدث ضرورة اتخاذ الجزائر هذه الخطوة لاستنفادها في السنة الأول كل الإجراءات والحملات وتوفيرها كل الإمكانات الممكنة، رغم ذلك لم نحقق الأهداف المنشودة، لذلك يجب الاعتماد على الإجراءات القانونية لإجبار المواطن بطريقة غير مباشرة على أخذ جرعتي اللقاح.
من خلال توسيع قائمة الأماكن التي تشترط الجواز الصحي لولوجها كالإدارات، سواء كانوا عاملين أو زوارا، الملاعب وأماكن أخرى حتى نرفع عدد الملقحين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار فتور التجاوب مع الحملة في الموجة الرابعة، فرغم أننا في عز موجة رابعة لوباء كورونا إلا ان الإقبال على التلقيح بقي ضعيفا، لاقتناع المواطن بعدم خطورة المتغير “أوميكرون”.
كل الاحتمالات واردة
في هذا الصدد، كشف بوعمرة أنه حقيقةً المتغير “أوميكرون” أقل خطورة وشدة من المتغيرات السابقة، الا اننا لا ندري أي متغير سيأتي بعده، فكما احتمال انتهاء هذا الوباء وارد، يطرح احتمال إمكانية ظهور متغير جديد بعده، ما يستدعي التحضير لكل السيناريوهات المحتملة. استراتيجية التحضير هذه مبنية على اللقاح، فبأخذ تجارب الدول الأخرى بعين الاعتبار نجد انها بعد تجاوزها مرحلة التحسيس والتوعية لجأت الى الإكراه الناعم على اللقاح وبالفعل استطاعت تحقيق الأهداف المسطرة ببلوغ نسبة تلقيح تجاوزت 80٪، بل وصلت بريطانيا وفرنسا مثلا، الى مرحلة رفع قيود كورونا بالنظر الى تحقيقها مناعة جماعية معتبرة.
أما عن عزوف الجزائريين عن التلقيح، أشار المختص أنها ظاهرة عالمية وكل المجتمعات حتى تلك التي سجلت نسبة تفوق 80٪ عرفت إقبالا ضعيفا على التلقيح في البداية، ولولا الإجراءات المتخذة، خاصة الجواز الصحي، لما استطاعت بلوغها. فبالإضافة الى وجود لوبي رافض للقاح، يعتبر اللقاح جديدا وصنع في ظرف قياسي بسبب التطور العلمي، الى جانب اللغط الكبير حول أخطاره واثاره الجانبية، لكن بكلام بعيد عن الحجج العلمية ما جعله بطريقة غير مباشرة يعمل على تخويف الناس من الذهاب الى التلقيح.
في المقابل، كانت هناك إجراءات معاكسة كحملات التحسيس والتوعية وتسخير وسائل الاعلام على اختلافها لإيصال حقيقة اللقاح ونجاعته ضد الاعراض الخطيرة والمعقدة عند الإصابة بفيروس كورونا، رغم ذلك تغلبت الحجج الواهية وتحكمت في خيار المواطن الرافض للتلقيح. لكن لاحظ المختصون ان إجبارية التلقيح عند بعض الدول فرضت على الراغبين في السفر إليها التلقيح كشرط لدخولها، لذلك لا يمكن القول إن العزوف خاص فقط بالشعب الجزائري، ولو طبقنا الجواز الصحي في وقت أبكر لكان بمقدورنا رفع نسبة المناعة الجماعية.
عن تطورات الوضعية الوبائية كشف بوعمرة ان بلوغ الذروة سيكون في غضون أسبوع أو أسبوعين. ففي بريطانيا مثلا، بقيت الموجة لثمانية أسابيع مع الإبقاء على الإجراءات الاحترازية، لكن بعد تجاوزها نسبة التلقيح 80٪ سترفع كل قيود كورونا مع بداية شهر فيفري الداخل.
أما في الجزائر تم وضع التدابير الاحترازية، لكن بسبب ضعف نسبة التلقيح وبقائها بعيدة جدا عن النسبة المنشودة، سنسجل في الأسبوع القادم ارتفاعا في عدد الإصابات اليومية حتى نصل للذروة، لأننا في الأسبوع الرابع من الموجة، ومع الأسبوع الخامس نبلغ الذروة ليبدأ منحنى الإصابات في التنازل في الأسبوع السادس.
في نفس الوقت اعتبر البروفيسور التلقيح أهم فارق بين الجزائر وتلك البلدان التي رفعت القيود الاحترازية المتعلقة بكورونا، بالإضافة الى سلوك المواطن المستمر في تراخيه واستهتاره تجاه الإجراءات الوقائية.
كميات اللقاح تكفي الفئات المستهدفة
أكد رئيس الجمعية الوطنية لطب الأمراض المعدية الدكتور محمد يوسفي، فشل حملة التلقيح في بلوغ الأهداف المسطرة بعد سنة من انطلاقها، رغم ان الجزائر واجهت كل الصعوبات الموجودة في بداية الحملة واستطاعت توفير كميات قليلة من اللقاح في السداسي الأول، ثم بكميات معتبرة تكفي تلقيح الفئات المستهدفة 100٪ ابتداء من شهر جوان الماضي، وهو ما دحض المغالطات التي روجت قبلا عن عدم امتلاك الجزائر الكميات الكافية من اللقاح، لكن قوبلت الجهود المبذولة بعزوف كبير وغير مبرر من طرف المواطنين.
فيما تأسف يوسفي عن عدم أخذ مقترحات المختصين بعين الاعتبار من طرف السلطات العمومية. فمن منطلق ان كل بلدان العالم ارتأت إجبارية تلقيح شرائح معينة في المرحلة الأولى (هي خطوة متخذة في كل اللقاحات وليست خاصة بالتلقيح ضد كوفيد فقط)، هي معرضة وتعرض المواطنين في نفس الوقت للخطر، اقترح المختصون تلقيح مهنيي الصحة، التربية، الحماية الدنية والأمن، وكل القطاعات التي لها علاقة مباشرة مع المواطنين المتعلقة بالخدمة العمومية في مرحلة أولى.
أما بالنسبة للمواطنين، طلبنا، كمختصين، منذ شهور تطبيق الجواز الصحي ثم الجواز اللقاحي، لكن للأسف نرى انه لا الجواز الصحي طبق ولا الجواز اللقاحي، رغم صدور المرسوم المتعلق به منذ شهر لكن غاب التطبيق في الميدان. وتحسر في الوقت نفسه على سلوك المواطنين المتراخي والمستهتر تجاه التلقيح وكذا عن غياب التطبيق الصارم للقرارات المتخذة من طرف السلطات العمومية. فاذا اخذنا بعض التجارب الخارجية كمثال، نجد ان كل البلدان التي سجلت نسبة كبيرة في التلقيح وصل بعضها الى 90٪، واجهت السلطات فيها العزوف عن التلقيح بكل صرامة.
ونفس الشيء يمكن قوله عن الإجراءات الوقائية التي كانت تعتبر الحل الوحيد في السنة الأولى من الكوفيد وهي ما تزال حلا ناجعا الى اليوم، بالإضافة الى التلقيح الذي يراه يوسفي الحل النهائي، حيث لاحظ احتراما كبيرا للإجراءات الوقائية في ذروة الموجة وعند تسجيل وفيات بفيروس كورونا، لكن مباشرة بعد تجاوز الذروة يسود التراخي وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء القناع الواقي، خاصة في الأماكن المغلقة وتلك التي تعتبر خطرة، لكونها محيطا ملائما لانتشار العدوى.
في سياق ذي صلة، لاحظ الدكتور غياب المراقبة، على خلاف البلدان المتقدمة التي اعتمدت إجراءات ردعية ضد المتراخين، فكل مخالف يعاقب بدفع غرامة مالية، مؤكدا عدم حدوث معجزة في تلك الدول، لأن الحل في احترام الإجراءات الوقائية في الأماكن المغلقة، ووسائل النقل العمومي، المحلات وأماكن العمل والمدارس، والمؤسسات الصحية، بالإضافة الى التلقيح، واصفا النتيجة التي بلغتها حملة التلقيح بعد سنة من انطلاقها بالمخيبة للأمال.
إجبارية ذكية
أما فيما يتعلق بالحل لإخراج الحملة من حالة الفتور، يرى يوسفي ان الحل يتلخص في الصرامة وإجبارية التلقيح في حدود واضحة بالنسبة لفئات معينة، وإجبارية التلقيح للمواطنين الراغبين في ولوج الأماكن العمومية، مؤكدا عدم وجود حل آخر لرفع نسبة التلقيح.
ونفى ما يروجه البعض بأن الانتشار الكبير لـ “أوميكرون” سيرفع من نسبة المناعة الجماعية للمجتمع، قائلا إن المناعة الجماعية تتطلب إصابة الملايين من الافراد الى جانب عدم إغفال حقيقة علمية تؤكد ان الإصابة بـ “أوميكرون” لا تعطي الجسم مناعة كبيرة لمدة طويلة، لأن المناعة التي تستمر لوقت طويل يعطيها اللقاح، رغم ذلك تستدعي بعد فترة جرعة ثانية، فابتداء من ستة أشهر بعد الجرعة الأولى تتناقص المناعة المكتسبة من اول جرعة وفي حالة المناعة المكتسبة بعد الإصابة بالعدوى يبدأ تناقصها بعد ثلاثة أشهر فقط.
وهو ما أعطى الأفضلية والأولوية للتلقيح لمواجهة الوباء الذي لن ينتهي في القريب العاجل، بحسبه، خاصة وان اللقاح أثبت نجاعته ضد المتحورات العديدة لفيروس كورونا، حيث يساهم في الحد من الاعراض المعقدة والخطيرة للإصابة، ويحمي اللقاح أكثر من 90٪ قد تصل الى 99٪ من الحالات الخطيرة وهو الهدف من صنعه، لذلك لابد من بلوغ نسبة المناعة الجماعية المنشودة 80٪، بالموازاة مع احترام الإجراءات الوقائية، لأنهما السبيل لاستئناف كل النشاطات بصفة طبيعية.
70٪ من حالات الاستشفاء لـ “دلتا”
فيما لاحظ المختص أن المتحور “دلتا” مازال موجودا حتى مع انتشار المتحور الجديد “أوميكرون”. ففي المستشفيات نجد أن 70٪ من الأسِرَّة المشغولة تعود لإصابات بالمتغير “دلتا” وهي حالات تتطلب الأكسيجين، بالإضافة الى تسجيل وفيات يوميا، وهي أمور يمكن اجتنابها بالتلقيح واحترام الإجراءات الوقائية.
وعن نسبة التلقيح في الجزائر، كشف يوسفي أنها تمثل اقل من 15٪ بالنسبة لمن تلقوا جرعتين من اللقاح، و29٪ للأشخاص فوق 18 سنة ممن اخذوا جرعة او جرعتين من اللقاح، مؤكدا ان التلقيح الكامل هو بجرعتين من اللقاح، مرجعا سبب عدم عودة المواطن لأخذ الجرعة الثانية من اللقاح الى تأثير الإشاعات الكاذبة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والخرافات وغياب الصرامة بالنسبة للسلطات العمومية وهي كلها أسباب أدت الى هذه النتائج وعدم بلوغ نسبة التلقيح المنشودة لتحقيق مناعة جماعية.