- التطبيـــــب الذاتـــــي يزيـــــد مـــــن خطـــــر تفشـــــي العـــــدوى
- اعتمـــــاد الأدويـــــة الخاطئـــــة تـــــؤدي إلى حـــــالات معقـــــدة
يبقيهم الخوف من كورونا بعيدا عن دائرة الخطر يتجاهلون الأعراض الظاهرة عليهم، من خلال تشخيص ذاتي لحالتهم الصحية، ومهما بلغت شدتها لن تخرج حسبهم عن خانة الرشح أو الزكام أو الانفلونزا الموسمية، ضاربين عرض الحائط توصيات الأطباء، بل أكثر من ذلك بالرغم من ظهور أعراض الإصابة بفيروس كورونا، إلا أنّهم يعاندون ويصمّمون على مزاولة حياتهم بصفة عادية معرّضين من حولهم لخطر الإصابة بالعدوى، سلوكات مبررها حسب مختصين ارتباط كلمة كورونا عند البعض بكلمة «عيب» أو «موت».
قبل سؤال المختصين عن سبب التهرب النفسي من حقيقة الإصابة بكورونا، سألت «الشعب» المواطن عن سبب تجنّبه الدائم الاعتراف بشبهة الإصابة بكوفيد-19، بالرغم من ظهور أعراضها عليه فكانت الإجابات تتراوح بين جهل وتجاهل وتعمّد.
غلاء وهروب من العدوى
لم يكن رأي حفيظة سلامي في لجوء المواطن إلى تبرير أعراض الإصابة بأنّها مجرد زكام ورشح لتبرير مخالف للكثير ممّا نسمعه ونراه هنا وهناك، حيث قالت لـ»الشعب» :» يرفض الكثير ممّن يعانون من أعراض الإصابة بفيروس كورونا الذهاب إلى الطبيب لتشخيص حالتهم ، فتجدهم يكتفون بتشخيص حالتهم على أنها رشح أو زكام، ما يجعلهم يذهبون إلى الصيدلية لشراء الأدوية «المناسبة» لحالتهم المرضية، وتراهم يشترون بعض المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب بالإضافة إلى فيتامينات «دي» و»سي» وطبعا المكملات الغذائية كالمغنزيوم، لكن في المقابل نجد البعض الآخر يكتفي بشرب نقيع الـ»تيزانة» فقط أملا في الشفاء من مرض شخصه زكاما أو رشحا.»
«الأسوأ أنّ هؤلاء الذين يكتفون بالتشخيص الذاتي لحالتهم المرضية يعانون أعراض الإصابة بكورونا منها الحمى، التعب والوهن والتهاب الحلق، فيما يعاني آخرون اضطرابا في جهازهم الهضمي كالقيء والإسهال، لكنهم يصرون على البقاء خارج دائرة الإصابة بالفيروس، في كثير من المرات يربط المختصون هذا السلوك بعدم وعي المواطن، في المقابل ـ تضيف سلامي» لا ينبغي تناسي أمرا مهما جدا هو عدم قدرتهم على دفع تكاليف الذهاب إلى الطبيب وشراء الوصفة الطبية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عاملا مهما هو إصابة أكثر من فرد في الأسرة الواحدة ما يعني تضاعف الكلفة، فتهاوي القدرة الشرائية جعل من التطبيب والعلاج يصل مرتبة الكماليات، لذلك يتحايل البعض بالاعتماد على الوصفات التقليدية من أجل العلاج.»
وشرحت قائلة:» في الصيف الماضي، أصبت بفيروس كورونا وتجاوزت تكلفة علاجي 25 ألف دينار بسبب اخذي لـ «لوفينوكس» ناهزت قيمة عشرة علب منه 13ألف دينار، بالإضافة إلى التحاليل الطبية التي لا تقل عن 1500 دينار وهذا دون إجراء «سكانير»، وإن كانت الحالة الصحية أشد ستكون التكلفة أكبر، لذلك يلجأ المواطن البسيط إلى الكذب على نفسه حتى لا يُرغم على الذهاب إلى الطبيب».
ولم يكن سمير دربال (طالب جامعي) أكثر وعيا من هؤلاء الذين يبحثون عن الشفاء بعيدا عن عيادة الأطباء والمراكز الاستشفائية، حيث قال في رده: «حقيقة لا يمكن قبول الاستهتار السائد في المجتمع، فمن جهة، يرفض أفراده التوجه إلى مراكز التلقيح، ومن جهة أخرى، لا يلتزمون بإجراءات الوقاية، أما الأسوأ فهو امتناع من يعاني أعراض الإصابة عن الذهاب إلى الطبيب واكتفائهم بما يعرف بالعلاج الذاتي دون استشارة طبيب مختص أو عام، لذلك لن يكون المرتقب (الموجة الرابعة) أفضل ممّا عشناه في الموجة الثالثة، وكمثال بسيط على ذلك ما تعيشه الجامعة من فوضى فلا البروتوكول الصحي محترم ولا وعي الطالب أو الأستاذ أو الإدارة موجود للتخفيف من وطأة الانتشار السريع للوباء.»
وقال سمير « الإصابة بأعراض المرض لن تثني الطالب من الالتحاق بكُلّيته، وعندما تطلب منه إجراء تحاليل أو اختبار للتأكد من خلو جسمه من الفيروس، يقول أنه يعاني رشحا أو زكاما وستكون بعض الأدوية و»التيزانة» كافية لشفائه، ولكم أن تتخيلوا كم من شخص سيصاب بالعدوى بسببه، فغالبا ما يكون الخوف من الإصابة سببا في تجاهل المصاب تشابه ما يعانيه من أعراض مع أعراض الإصابة بالفيروس، وبدون أيّ تقدير بعواقب الأمور يذهب إلى العطار لشراء بعض الأعشاب لعلاج حالته المرضية.»
عَيْسِي: خوف.. تخوّف وغلاء
أرجعت أخصائية الأمراض المعدية، الدكتورة عيسي ليليا، في اتصال مع «الشعب» تخوّف الجزائريين من الذهاب إلى الطبيب لتشخيص حالتهم المرضية بسبب اشتباه إصابتهم بفيروس كورونا إلى عدة أسباب، منها ما هو مرتبط بالذهنية السائدة في المجتمع، وأخرى بحالتهم النفسية إلى جانب عدم قدرة بعضهم إجراء الفحوصات الطبية خاصة اختبار «بي سي آر» لغلائه.
وأكدت محدثتنا «إنّهم كأطباء لاحظوا امتناع كثير ممّن يعانون أعراض فيروس كورونا عن الذهاب إلى الطبيب لتشخيص حالتهم المرضية خوفا من تأكيد الطبيب إصابتهم بالعدوى، فما زالت كورونا عند البعض مرادفة لكلمة «عيب» والموت، ما يجعلهم يفضلون البقاء بعيدا عن الطبيب».
لذلك يفضلون «إقناع» أنفسهم بأنّهم مصابين برشح أو زكام فيما الحقيقة مغايرة تماما، لكن، في المقابل، سيكون تَخَفِي هؤلاء وراء الرشح والزكاة سببا في انتشار أكبر للعدوى وتفشيها في محيطهم، ولاحظت أنها تستقبل عائلات كاملة مصابة بالعدوى من أب وأم وأطفال، وسيترتب أيضا عن تشخيصهم الخاطئ تناولهم للدواء الخاطئ ما يعني تعقد حالتهم الصحية، لدرجة وصولهم إلى المستشفى بأعراض حادة نتيجة تأخرهم في تناول البرتوكول العلاجي المتفق عليه، وبقائهم في الإنعاش وفي بعض الأحيان تكون الوفاة نهايتهم.
وعن الحل الممكن لهذه الظاهرة، أوضحت المتحدثة أنّ الامتناع عن التلقيح بالرغم من توصيات الأطباء والمختصين وحملات التحسيس والتوعية، هو نفسه ما يحدث جراء عدم الذهاب إلى الطبيب فهم لا يبالون بما يقوله الأطباء من ضرورة الذهاب للعلاج وتناول الدواء في وقته حتى لا تتطور حالته المرضية إلى تعقيدات خطيرة.
وفي ذات السياق، قالت الدكتورة، للأسف، إنّ تسجيل حالة وفاة في العائلة بكورونا قد يكون سببا لتحفيز هؤلاء الممتنعين للذهاب إلى الطبيب، كما رأينا في الموجة الثالثة إذ عرفت الذروة إقبالا كبيرا على التلقيح، فكلما زاد عدد الحالات المرضية يعود منحنى الملقحين إلى الصعود المتسارع، فعندما يعيش الشخص صدمة دخول أحد أفراد عائلته خاصة الوالدين إلى المستشفى أو الإنعاش أو حتى الوفاة سيدرك حينها أهمية التشخيص الصحيح والعلاج السليم لكورونا واللقاح كدرع وقاية.
ومن الأسباب أيضا تخوُف البعض الآخر من انتقال العدوى إليهم عند ذهابهم إلى الطبيب، خاصة على مستوى المستشفيات والعيادات متعددة الخدمات، على اعتبار أنّ انتشار العدوى سيجعل منها بؤرا لانتشارها وهو ما يجعل الكثير ممّن يعانون الأعراض يفضلون البقاء بعيدا عنها لمنع انتقال العدوى إليهم.
وعن الوضع الوبائي، قالت عيسي أننا في ذروة موجة رابعة وهناك انتشار كبير لعدوى فيروس كورونا، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم قدرة البعض على إجراء الكشف بسبب غلائه، لذلك يشخص الأطباء الحالات المشكوك فيها على أنها كوفيد ويقومون بإعطاء المريض البروتوكول العلاجي المتفق عليه، فمن خلال ممارستها اليومية، أشارت الطبيبة إلى التراخي الكبير وسط المواطنين فأغلبهم لا يرتدي القناع الواقي ولا يحترم التباعد الاجتماعي، ومازال المواطنون يذهبون إلى التجمعات كالجنائز والأفراح بحجة «المكتوب» أو بعض التفسيرات غير المقبولة تماما.
ودعت، في هذا الصدد، السلطات المعنية إلى اتخاذ إجراءات ردعية وصارمة تجاه كل مخل بالإجراءات الوقائية، خاصة ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي، أما فيما يتعلق بالحجر الصحي أكدت أنها مرحلة تم تجاوزها فقد لمسنا عن قرب تداعياته الاقتصادية، الاجتماعية والنفسية، وفضلت عوض العودة إلى تدابير الحجر الصحي تحلي المواطن بالوعي الكافي للالتزام بالإجراءات الوقائية وعدم الركون إلى كلمات مثل «مكتوب الله» لأنّ الله تعالى أمر الإنسان بأخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على صحته.
أ/عبد السلام: لا تهويل ولا تهوين
في قراءته السيكولوجية التحليلية لطريقة تفكير الجزائريين في عالم مفتوح ومتغير، رصد الدكتور بقسم علم النفس جامعة سطيف2، الأستاذ خالد عبد السلام في حديث لـ»لشعب» وجود عدة أسباب متراكمة عبر الزمن مع خبرات وتجارب مريرة وبعضها مؤلم عاشها الجزائريون في الكثير من المستشفيات والمصحات والمراكز الصحية، جعلته يرفض التوجه إلى الطبيب والاكتفاء بالتطبيب الذاتي، حتى وإن كان الأمر يتعلق بفيروس فتاك مثل كورونا.
ويرى الأستاذ أنّ من أهم الأسباب تشابه أعراض الأنفلونزا الموسمية مع أعراض كوفيد- 19، لاسيما سيلان الأنف والسعال وآلام المفاصل والحمى، وكذا آلام الحنجرة أو التهابها، لذلك كثير من الناس يعتبرون الأمر عاديا، فبعد أن سبق لهم وأن عاشوا مثل هذه الأمراض كثير منهم مطمئن وواثق أنه زكام وليس أمرا آخر.
كما أنّ الأخطاء الكثيرة التي تحدث في عملية التشخيص لفيروس كوفيد- 19 على مستوى المستشفيات والمصحات والصيدليات، (جراء نتائج خاطئة للتحاليل سواء إيجابا أو سلبا ) جعل كثير من الناس يترددون في الذهاب للكشف الطبي، حيث نجد كل واحد منهم له قصة أو عدة قصص في هذا المجال لأحد أقاربه أو أصدقائه أو جيرانه، مع التكلفة الباهظة لعملية التشخيص بالنسبة لغالبية الأسر الجزائرية، لذلك من الطبيعي أن تتبادر إلى أذهان الكثيرين فكرة عدم الذهاب لتشخيص المرض أو التردد أو الخوف للاعتبارات السابقة الذكر (تشابه الأعراض، أخطاء التشخيص، التكاليف والتبعات).
وأضاف الأستاذ أنّ خوف بعض الناس من الذهاب إلى المستشفى في حالة اكتشاف إصابتهم، مرتبط بما عاشوه في الصائفة الماضية أو بداية الجائحة من ضعف الخدمات الصحية والتكفل بالمرضى، لاكتظاظ المستشفيات والمصحات ونقص الوسائل وأزمة الأوكسجين التي راح ضحيتها الكثير من المرضى، وبشكل جماعي من أقارب وأهل وجيران، إلى جانب بعض الإهمال في بعض المؤسسات للمرضى نتيجة الإرهاق والاكتظاظ ونقص الوسائل.
أما آخر سبب فهو حملات الدعاية والتهويل التي تمارسها وسائل الإعلام المحلية والدولية بخلفيات تجارية وربحية لدفع الناس لإجراء فحوصات طبية لأبسط الأعراض الأولية التي تتشابه مع كوفيد 19، حيث توحي كل الدعاية والحملات للناس وكأنّ كل الأمراض الأخرى المعروضة مثل الزكام وغيرها غير موجودة، ولم يبق إلا كوفيد 19 بمختلف سلالاته، وهو ما سجلناه في إجابات الكثير من الأطباء والاخصائيين في تصريحاتهم الإعلامية.
وذكّر المتحدث، على سبيل المثال، لما سئل أحد الأخصائيين عن كيفية التمييز بين أعراض كوفيد 19 وأعراض الزكام، أجاب إجابات قطعية أنّه من الصعب التمييز بينها إلا بإجراء فحوصات طبية، بل كل ما نسمعه من خطابات ومن تصريحات عبر وسائل الإعلام لأطباء ومتخصّصين في علم الفيروسات والأوبئة وعلم الأدوية، تؤكد للناس أنّ كلما ظهرت أعراض تشابه الكوفيد، يجب اعتباره كوفيد 19، وبالتالي عليهم إجراء فحوصات وتشخيصات في المصحات، هنا نلمس لغة التخويف التي قد تنبع من رؤية تجارية أكثر منها طبية وصحية تقنع الناس وتطمئنهم، لأننا لم يسبق وأن سمعنا أو شاهدنا مثل هذه المواقف والتصريحات، قبل ظهور جائحة كوفيد-19.
يضاف إليها ما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام البديل من مواقف وتصريحات لخبراء في علم الأوبئة والأمراض المختلفة من تحذيرات من وجود لوبيات دولية تريد الاستثمار في مخاوف الناس لدوافع ربحية وتجارية، والذين تمنع أصواتهم من الظهور في الإعلام المحلي والدولي (يعني رفض فتح حوار ونقاش علمي متخصص بين هؤلاء وغيرهم لإقناع المواطنين بما يحدث)، ويستدل هؤلاء بتلك الفضيحة الدولية التي تورطت فيها منظمة الصحة العالمية حول أنفلونزا الخنازير والطيور، «إنّنا نعيش في عالم تتحكم فيه لوبيات دولية تصنّف الإنسان مجرد رقم، حيث أصبح فيه منطق الربح المادي يسيطر على البعد الصحي والإنساني.»
وفي الوقت نفسه، يرى الأستاذ أنّ المواطن الجزائري يعيش في عالم مفتوح يتفاعل إيجابا مع كل هذه المعلومات التي تصدر عن مختلف وسائط الاتصال والإعلام المعاصرة، وقد يهتم بالإعلام البديل أكثر من اهتمامه بالرسمي، لذلك وجب تبنّى استراتيجية إعلامية ناجحة وفق ذلك، تستند إلى منطق الإقناع بمخاطبة العقول وليس إلى منطق الدعاية الذي يخاطب العواطف ويستفزها، بهدف خلق جوّ من الخوف والهلع لإخضاع المواطنين، فعندما نفهم طريقة التفكير ومستوى الوعي نستطيع التفكير في استخدام الطرق المناسبة والمقنعة للناس دون تهويل ولا تهوين.