أزمات عطش وأوكسجين وحرائق مفتعلة في 2021

حكمة رئيس، يقظة جيش وتلاحم شعب..تنسف المؤامرات

زهراء - ب

 تكالبت على الجزائر سنة 2021، أطراف داخلية وخارجية، رسمت «مؤامرات» وافتعلت «أزمات» من أجل إضعافها، وإيقاف قطار التغيير الذي كان يمشي بثبات نحو وجهته المحدّدة، ولكن واضعو تلك «المؤامرات» لم يحسنوا حبكتها، حيث سرعان ما تحطّمت بفضل حكمة الرئيس، ويقظة الجيش وتلاحم شعب، أظهر للمرة المليون ونصف المليون، أنه مدافع صلب ومهاجم شرس، حينما يتعلق الأمر بوحدة واستقرار الوطن.

 عرفت الجزائر سنة استثنائية في 2021، لم تكن التعقيدات الداخلية الناجمة عن أزمتي نقص المياه  والأوكسجين، وتطوّرات الوضع الوبائي، العامل السّلبي فيها بل محاولات يائسة من أطراف إرهابية، مدعومين بجيران وكيان مغتصب، لإثارة النّعرات وتهديد الاستقرار الداخلي، بعد عام فقط من طي ملف الرّئاسيات، واختيار طريق التغيير وتقوية مؤسّسات الدولة في كنف الديمقراطية، واستبعاد مطلب الفترة الانتقالية، مثلما كان يحلم به الواهمون.

 الأزمة «تلد الهمة»

  النّقص الحاد في المياه، سبقه تحذيرات استباقية للحكومة أشهر قليلة قبل بداية عام 2021، مشدّدة على ضرورة التحرك واتخاذ إجراءات مستعجلة لتأمين التزود بالمياه، بعد تسجيل تراجع مخزون المياه بسبب شح التساقطات المطرية.

هذا الوضع أثّر على السّاكنة، ونشر القلق والتذمر، خاصة وأنه لأول مرة بعد سنوات من «البحبوحة المائية» يعود الجزائري لينهض على صور طوابير الدلاء والصهاريج، ويضطر لانتظار أيام وأسابيع، لضمان التزود بهذه المادة الحيوية، غير أنّ السلطات تحرّكت بسرعة، وقامت بإعادة تنظيم مخطّط التوزيع، وانتقلت إلى العمل بنظام التزويد التناوبي، خاصة في المدن الكبرى، حيث يرتفع الطلب والاستهلاك اليومي الماء.

لم تقتصر الإجراءات عند هذا الحد، بل أطلقت مشاريع استعجالية لإنجاز محطات تحلية المياه، بكل من العاصمة، بومرداس وتيبازة، تضاف لتلك الموجودة في طور الخدمة، ومنح تراخيص جديدة لحفر آبار ارتوازية، لرفع طاقة الإنتاج وضمان تلبية الاحتياجات الوطنية من المياه، ليس هذا فقط بل أعاد القائمون على قطاع الموارد المائية، ترتيب «البيت الداخلي»، وتمّ إنهاء مهام مسؤولين ثبت تقاعسهم عن أداء مهامهم المنوطة بها، وتمّ بعد سنوات من التسيير الفرنسي لشركة «سيال»، إنهاء عقد الشّراكة مع مجمّع «سويز» الفرنسي بعد ثلاثة تجديدات متتالية منذ إمضاء العقد الأول في سنة 2006، أي 15 سنة من الشراكة.

واعتبر عدم تجديد عقد الشّراكة «مرحلة حاسمة» للشّركة التي أصبحت جزائرية مائة بالمائة، وتمّ منح الثّقة لكفاءات جزائرية شابة مؤهلة لتسيير الخدمة العمومية للمياه والتطهير في ولايتي الجزائر العاصمة وتيبازة.

لم تكن أزمة المياه الوحيدة التي تعايش معها الجزائريّون في 2021، ففي الوقت الذي كان العالم منشغلا بتسريع عمليات التلقيح لمواجهة الفيروس القاتل وتداعياته، والتنافس على تطوير اللقاح وعلاجات جديدة أكثر فعالية، ظهرت أزمة نقص الأوكسجين بالجزائر، بعد ارتفاع منحى الإصابات منتصف السنة، في عز فصل الصيف، وأصبحت الطوابير في المستشفيات، وأمام أبواب المؤسّسات المنتجة للغاز، علّ وعسى يظفر أحدهم بقارورة أوكسجين ينقذ بها مريض.

وحرّكت مشاهد أهل المرضى وهم يستنجدون بالسلطات، والمواطنين للتكفل بالوضع، التضامن، حيث سرعان ما انهالت الهبات من دول صديقة، ورسم الجزائريون من أبناء الجالية بالخارج صورا رائعة في التضامن والتآزر، بجمع تبرّعات وشراء مكثفات أوكسجين، وإرسالها إلى الوطن، وانخرط طلبة وأساتذة في عمليات ابتكار لأجهزة وضعت تحت تصرف المستشفيات.

 الحرائق تنعش التّضامن الوطني

  لأنّ النّوائب تأتي تباعا، تحوّلت زرقة سماء صيف الجزائر إلى الرمادي، ليس بسبب السّحب الصيفية العابرة، ولكن نتيجة موجة «نيران» أشعلت في غابات ما يقارب 20 ولاية، وأريد بها أن تأكل الأخضر واليابس، وتأجّج غضب شعب على قيادته وجيشه، وبدل ذلك أجّجت روح التضامن والتلاحم، وتحول الجزائريّون إلى رجل واحد، وسندا لدولته وجيشه في مواجهة أعداء الأمة، بعدما سقط قناع زيفهم.

بدأت الحرائق منذ بداية جويلية 2021، حيث شهدت غابات الاوراس وبالتحديد في ولاية خنشلة، حرائق كبيرة التهمت عشرات الهكتارات، وبالكاد تمّ إخمادها، حتى اندلعت موجة ثانية من الحرائق يوم 9 أوت 2021، ولكن هذه المرة ليست بمنطقة واحدة، بل في 18 ولاية بمجموع أكثر من 100 حريق.

واعتبر وزير الداخلية والج3ماعات المحلية كمال بلجود يومها، أنّ اندلاع 50 حريقا في الوقت نفسه أمر مستحيل، وقال إنّ «هذه الحرائق مفتعلة»، وتجنّدت فرق الحماية المدنية لإخماد 31 حريقا في 14 ولاية في شمال البلاد، 10 منها في ولاية تيزي وزو، وأربعة حرائق أخرى في ولاية جيجل شرقًا.

وبعدها صرّح الوزير الأول، أنّ السلطات الأمنية والقضائية تملك أدلة علمية على أنّ الحرائق إجرامية.

وفي خطاب لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قال إنّ بعض الحرائق «ربما تسبّبت فيها الحرارة المرتفعة جدا المعروفة بها منطقة البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة، لكن أغلب الحرائق تسببت فيها أياد إجرامية».

وعلى إثر الكارثة الموجعة نكست الأعلام، وأعلن الرئيس الحداد لمدة ثلاثة أيام ابتداء من 12 أوت، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع منشغلا بتقديم الدعم للسكان المتضرّرين من الحرائق بجبال القبائل، حيث كانت تصب شاحنات الدعم والمساعدات من كل الولايات، وفيه من تكفّل بإسكان المتضرّرين، كانت جماعات «الخراب» و»الدمار» تحاول إيقاد نار الفتنة من تحت الرماد، وهي تحت صدمة «الهبة التضامنية الواسعة» و»التلاحم الشعبي مع الجيش والسلطات» التي يبدو أنّها أزعجتها، وأرادت الانتقام من تلك الصورة التضامنية الرائعة بتحريك مجموعة من الغاضبين، لإلقاء القبض على شاب قدّم على أنّه مشتبه، بإشعال الحريق في الغابة، وقتل بدم بارد، وإصرار على جريمة كاملة الأركان، اتّضحت خيوطها ومدبّريها بعد تحقيقات سريعة ومعمّقة لمصالح الأمن، انتهت باعتقال 22 شخصا منهم 11 في تيزي وزو، إضافة إلى موقوفين في عنابة وجيجل، وعين الدفلى والمدية، يقبعون في السجن في انتظار محاكمتهم.

وأثارت قضية مقتل الشاب جمال بن سماعين الذي اتضح فيما بعد، أنّه لا علاقة له بكل ما كان يحاك ويدبر، وبريء من تهمة الحرائق، غضب الجزائريين، وكادت تنزلق الأحداث إلى ما يبحث عنه دعاة الدمار، ولكن أب الضحية، بحكمته وهدوء أثار إعجاب الجميع، أخمد نار الفتنة، حين قال إن من ارتكبوا تلك الجريمة، لا يمثلون أبناء المنطقة، وترك القضية لعدالة بلاده وللسلطات.

وفي 18 أوت أماط المجلس الأعلى للأمن، اللثام عن المجرم الحقيقي وراء إضرام النيران بالغابات، وجريمة قتل جمال بن سماعين، ويتعلق الأمر بحركتي «ماك» و»رشاد»، الإرهابيتين.

وقرّر المجلس الأعلى للأمن زيادة على التكفل بالمصابين، تكثيف المصالح الأمنية لجهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين، وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذريا، لاسيما (الماك) التي قال إنّها «تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية وخاصة المغرب والكيان الصهيوني».

وتطلّبت الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر، إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية.

خرجت الجزائر منتصرة، بتلاحم شعبها وجيشها، ومن كان يراهن على تحويلها إلى ساحة قتال داخلية، بعدما توهم النصر للحظات بتلوّن سمائها باللون الرمادي القاتم الناجم عن حرائق الحقد والضغينة والمكر، أخذ درسا لن ينساه، لأنّ أحفاد ديدوش، بن بولعيد وزبانة، لا يستسلمون لمجرّد إشعال عود كبريت، وكما قهر أجدادهم عدوا كان يصنّف كأعتى قوة استدمارية بدون سلاح متطور، بإمكانهم اليوم قهر من تسول له نفسه زعزعة استقرار وطنه واستباحة سيادته، بقوة مضاعفة، يستمدونها من روح نوفمبر وتوصية الشهداء.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024