ينتصب وسط مدينة قالمة، تمثال من البرونز، للرئيس الراحل هواري بومدين، حرص ناحتوه على إبراز أكبر قدر ممكن من التطابق مع الصورة الحقيقية للرجل، بقامته الفارهة النحيفة وهو يرتدي البرنوس (اللباس التقليدي الجزائري) ونظرته الثاقبة والموسطاش (الشارب) رمز الشموخ والرجولة عند الجزائريين.
تمثال بومدين تُخلِّد به الولاية ذكرى ابنها، الذي ما زال الأكثر حضوراً وحظوة لدى غالبية الجزائريين، إضافة إلى حضوره في كل المدن الجزائرية عبر معالم كبرى تؤرخ لحقبة الرئيس «المجاهد»؛ كالمساجد والجامعات والمصانع التي أراد لها أن تكون عملاقة بحجم طموحاته المتوارية خلف شخصيته البسيطة والغامضة.
يشمل متحف قالمة على رواق خاص بمجموعة من الصور لمختلف المراحل حياة الشاب محمد بوخروبة – الإسم الحقيقي للرئيس بومدين – والطالب بجامع الأزهر وتلك الملامح القوية المعبرة، جنبا الى جنب مع رفاق السلاح وبعدها بومدين الرئيس والتواضع الظاهر مع المواطنين من كل الفئات، وما يزيدك دهشة الحاجيات الشخصية للرئيس الراحل المتواضعة كطقمين لبذلتين بسيطتين ومعطف وتلك البذلة العسكرية الخضراء الفاتح لونها والتي خرج بها بومدين في 19 جوان 1965 لحظة إعلانه عن التصحيح الثوري.
المنزل الذي احتضن الرجل
فيه ترعرع أحد أبناء الجزائر الذي ساهم في صناعة مجد الدولة الجزائرية، والذي عاش في ذاكرة التاريخ ومازالت ومواقفه تخلد لذكرى وجوده على الرغم من مرور 43 سنة على وفاته. المنزل العائلي للراحل هواري بومدين الواقع بدوار بني عدي بمنطقة العرعرة « مبني من الحجارة والقرميد، يحتوي على غرفتين، والذي ما يزال صامدا أمام الزمن والظروف المناخية.
تمت تهيئة المسكن والأماكن القريبة منه وإنجاز نصب تذكاري للرئيس الراحل وتشييد قاعة عروض ستخصص لعرض مختلف المقتنيات والصور المخلدة لمسيرة هواري بومدين إبان الثورة التحريرية المجيدة عقب الاستقلال.
وجاء قرار تحويل منزل الرئيس الراحل هواري بومدين الى متحف بعد زيارة وزير المحاهدين الأسبق الطيب زيتوني تم خلالها التنسيق مع عائلة بوخروبة لجلب بعض أغراض الراحل هواري بومدين، ليطلع عليها الزوار.
وتسبب إنزلاق للتربة بمحيط منزل مسقط رأس الرئيس الراحل هواري بومدين، بمنطقة العرعرة في مجاز عمار بقالمة، في تشققات كبيرة على مستوى السور الخارجي المحيط بالمنزل، وجزء من الرصيف الداخلي المبلّط كما يظهر في الصورة بحوزتنا، إذ باتت الأجزاء المتضررة مهددة بالإنهيار في حال حدث إنزلاق جديد للتربة بالمنطقة.
الموقع محّج للزوار
وأوضح العديد من سكان بلدية «مجاز عمار» «حمام دباغ» أن عدد المتوافدين على المسكن العائلي للرئيس «هواري بومدين» يتجاوز المائة زائر يوميا من مختلف الشرائح العمرية ومن مختلف ولايات الوطن.
وأشار أحد المواطنين ممن إلتقت بهم «الشعب» بقرية بني عدي «أن المنزل العائلي للرئيس الراحل هواري بومدين يستقطب أعدادا متزايدة من الزوار فرادى وجماعات مبرزا بأن القادمين إلى المكان يستعملون مركباتهم الخاصة أو مركبات النقل العمومي من خلال تنظيم رحلات سياحية». وأضاف ذات المتحدث، « قد يكون هذا نوعاً جديداً من السياحة يجب الاستثمار فيه، وهو نوع لا يعتمد على تحدي الطبيعة كتسلق الجبال، وأيضا لا يعتمد على الجلوس والتأمل في سحر الشواطئ أو الغابات، نوع خاص من «السياحة في الماضي» وسط متاحف كانت يوماً منازل.
زلزال عبر مواقع التواصل الاجتماعي
جيل بعد جيل من الشعب الجزائري، على اختلاف الاطياف يردد الشعار المعروف الذي ورثوه عن الراحل هواري بومدين صاحب المقولة الشهيرة العابرة للزمن: «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، باعتزاز وفخر كبيرين، ويدرك أهل فلسطين كلها، وأهل غزة على وجه الخصوص، صدق هذا الشعور النبيل، وعظمة هذا الموقف من خلال الكثير من المناسبات التي أبان فيها الجزائريون عن صدق أقوالهم. هواري بومدين اسم محفور في ذهن كل جزائري نظير الانجازات التي حققت في عصره.
وأبانت تعليقات ومنشورات الجزائريين عامة والقالميين خاصة عن حجم تعلقهم بالرجل، والتي لم تخل جميعها من التذكير بعباراته ومواقفه الخالدة خصوصاً ما تعلق منها بدفاعه عن القومية العربية والنجاحات التي حققتها الدبلوماسية في عهده، من بينها الخطوة التاريخية التي مهدت للاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية بعدما دعت الجزائر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974. ولم يفت رواد مواقع التواصل الاجتماعي عند استذكار، الوساطة التي قادها هواري بومدين بين العراق وإيران عام 1974 على هامش اجتماع قادة الدول المصدرة للنفط «أوبيك» بالجزائر العاصمة.