مراقبة التّنفيذ ومعاقبة المتقاعسين مقومات التجسيد
احتضنت ولاية خنشلة، الأحد الماضي، حدثا هاما باحتضانها لأول اجتماع للحكومة خارج العاصمة تنفيذا لقرارات رئيس الجمهورية الرامية إلى إقامة تنمية متوازنة بين ولايات الوطن، بالاهتمام بالولايات المعزولة والمهمّشة، وفقا لمقاربة تنموية تتجاوز إخفاقات الماضي وبآفاق اقتصادية واعدة مبنية على مقوّمات ومميزات محلية طبيعيا، فلاحيا، سياحيا وثقافيا، فوقع الاختيار على خنشلة لتكون أول محطة تنطلق منها اجتماعات الحكومة خارج العاصمة نظير مكانتها التاريخية المجيدة.
تفصّل «الشعب ويكاند» من خلال هذا الريبورتاج في البرنامج التنموي المسطر ومقوّماته، وتنقل آراء عيّنة من سكان الولاية.
أقرّ مجلس الحكومة حافظة مشاريع بعنوان البرنامج التكميلي للتنمية، الذي يتطلب تجسيده تعبئة غلاف مالي بنحو 113,305مليار دينار موزعة حسب طبيعة البرنامج، حيث تمّ رصد 59 مليار دينار للعمليات الجديدة و52,76 مليار دينار للعمليات القديمة التي تتطلب رفع التجميد عنها، وإعادة هيكلة برامج جارية بمبلغ 1,54 مليار دينار.
اعتمدت الحكومة تنفيذا لهذا البرنامج، أخذ مجرى تنموي مختلف في عملية التجسيد حتى يتمكن السكان من الاستفادة منه في أقرب الآجال، وينعكس على الولاية عامة وشبابها خاصة بإنتاج الثروة ومناصب الشغل، حيث أكّد الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان خلال عرض التفاصيل، أن عملية تنفيذ البرنامج ستكون مختلفة هذه المرة بناءً على أساسين، الأول احترام آجال الإنجاز، والذي يجنب الوقوع في عمليات إعادة التقييم للمشاريع، وبالتالي عدم صرف مبالغ إضافية على المشروع تثقل كاهل الخزينة العمومية من جهة، ودخوله حيز الاستغلال في الوقت المحدد من جهة ثانية.
أما الأساس الثاني فيرتبط بالأول، ويتمثل في المراقبة المستمرة للورشات من طرف جميع المتدخلين والجهات المعنية، أي مكاتب الدراسات والإدارة صاحبة المشروع، إضافة إلى رقابة المجتمع المدني والمواطن بما يضمن عدم التأخر في الإنجاز، ويضع حدا لظواهر الغش في الأشغال.
وحسب تقارير رسمية، تمّ إقرار هذا البرنامج التكميلي بناءً على معطيات دقيقة عملت السلطات على جمعها ودراستها طيلة السنتين الماضيتين في إطار زيارات ميدانية للمسؤولين لكافة مناطق الولاية خاصة المعزولة منها أين تمّ رصد انشغالات السكان هناك، حيث تم إحصاء 318 منطقة ظل بمجموع 796 انشغال تمحورت جلّها حول طلبات الربط بالغاز الطبيعي والكهرباء الريفية والفلاحية وشبكة المياه الشروب، مع تسجيل كل النقائص الخاصة بشبكة الطرقات لأهميتها في فك العزلة على القرى والمداشر بأعماق الولاية، إلى جانب إحصاء الاحتياجات الخاصة بقطاع الصحة، وتسجيل النقص في المرافق الطبية والتربوية والرياضية.
ونتيجة للتشخيص تمّ رصد مبالغ معتبرة للتكفل بالاحتياجات المستعجلة لسكان مناطق الظل، خاصة في مجالات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وتوفير المرافق التربوية والمطاعم المدرسية، وغيرها وتمّ تجسيد جزء من هذه المشاريع وجزء جارية به أشغال الإنجاز، ليأتي قرار مجلس الوزراء بوضع خارطة طريق لتنفيذ البرنامج التكميلي للتنمية لفائدة الولاية، والذي تمت المصادقة عليه خلال الاجتماع المنعقد في الثالث أكتوبر 2021.
مقاربة تنموية بمقوّمات محلية
تمّ في هذا الشأن، اعتماد مقاربة شاملة تتضمّن مواصلة إنجاز البرامج المرصودة، مع دمج الاحتياجات المسجلة وتمويلها من الغلاف المالي المرصود، في إطار مقاربة تنموية اقتصادية أخذت في الحسبان طابع الولاية من حيث الجغرافيا والتضاريس والمقومات الفلاحية والثقافية والسياحية والتاريخية من أجل تجسيد برنامج تنموي بمنهج مختلف يشكّل نهضة حقيقية، ويضمن فك العزلة على المنطقة موازاة مع إيجاد ديناميكية فعالة لهذه المقومات لإنشاء آلاف مناصب الشغل لشباب الولاية مع إمكانيات توسيع مجالات الاستثمار إلى قطاعات أخرى كالمجال المنجمي.
كما يرتكز التوجه التنموي الجديد على تنوع التضاريس المميزة لولاية خنشلة وموقعها الجغرافي وخصائصها الطبيعية، وتمركز سكانها بين مختلف أرجائها، حيث تتربّع على مساحة شاسعة تقدر بـ 9715 كيلومتر مربع، مقسمة إلى 8 دوائر و21 بلدية تقطنها 507 آلاف نسمة وفقا لإحصاء سنة 2020، علما أنّ 36 بالمائة من التضاريس ذات طبيعة جبلية، 49 بالمائة ذات طابع صحراوي جنوب الولاية، بالإضافة إلى أراضي سهبية وسهلية.
انطلاقا من ذلك، أنجزت خارطة طريق ضمن هذه المقاربة الشاملة تم من خلالها إيلاء الأهمية للمشاريع ذات الأولوية الرامية إلى التمكين من أسباب التنمية المستدامة لهذه الولاية، عن طريق توجيه الاستثمارات العمومية إلى المجالات والقطاعات المنشئة للثروة ولمناصب الشغل، وتشجيع البنوك والمؤسسات المالية على تمويل المشاريع الموائمة لطبيعة المنطقة، خاصة في مجال الصناعات الغذائية، الفلاحة والسياحة الحموية.
من أهم المشاريع المرصودة في قطاع النقل هو إنجاز خط سكة حديدية يربط مدينة خنشلة بدائرة عين البيضاء بولاية أم البواقي بطول 50 كلم، وهو مطلب سكان ولاية خنشلة، والذي طاله التجميد وهو في مرحلة الدراسة سنة 2014 بعد تعطّل هذه الأخيرة لسنوات.
ثلاثة مسارات لخط السكة الحديدية
تحصّلت «الشعب ويكاند» حصريا على جزء من الدراسة المعدة في هذا الشأن والنهج المتبع لإعادة انعاش المشروع، حيث تمّ تسجيله ضمن برنامج الخماسي 2005 - 2010. وأسندت هذه العملية إلى الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية»ANESRIF»، والتي منحت بدورها الدراسة لمكتب دراسات أجنبي ألماني نمساوي يسمى «OBERMEYER» ليقوم بإعداد الدراسة الأولية للمشروع باقتراح 3 متغيرات لمسار السكة.
غير أنّ الدراسة توقّفت بعد أن تمّ فسخ العقد بين الوكالة الوطنية والمكتب الأجنبي للدراسات، وبعدها استؤنفت الدراسة من طرف مكتب دراسات تابع لوزارة الأشغال العمومية والنقل، وهو في مراحله الأخيرة حسب المعلومات التي استقيناها من الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية، على أن تليها مباشرة عملية إطلاق صفقة الإنجاز تنفيذا لمخرجات اجتماع الحكومة، علما أنّ مثل هذه المشاريع قابلة للتوسع في عدّة اتجاهات تؤخذ بعين الاعتبار خلال الدراسة، خاصة وأن ولاية خنشلة تشهد منذ سنوات تطوّرات مستمرة في الزراعة بجنوبها وتحقيقها لإنتاج وفير في مجال الحبوب، مع خوض مؤسسة «كوسيدار» للزراعة مؤخرا تجربة تربية المائيات المدمجة، والتي حققت نجاحا غير متوقع في إنتاج سمك البلطي، والذي سوّق بالعاصمة وبولاية خنشلة.
شبكة طرق جديدة وتوسيع القديمة
أولى البرنامج التكميلي للتنمية أهمية بالغة لقطاع الأشغال العمومية، الذي يعد ركيزة أساسية في فك العزلة عن الولاية، وإنجاز استثمارات وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، حيث تقرّر إنجاز مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 32، الذي يربط المحمل بأولاد رشاش على مسافة 18 كم بما يساهم في انسيابية حركة المرور بين البلديتين، وفي اتجاه ولاية تبسة شرقا، ويسهل مستقبلا تنفيذ التقسيم الإداري الجديد المتضمن ترقية دائرة أولاد أرشاش إلى ولاية منتدبة.
وجدير بالتنويه إدراج مشروع دراسة وإنجاز منشآت فنية على الطريق البلدي رقم 7 واد شعبة المالح الواقعة بإقليم بلدية بابار لأنّه سيضع حدّا لمشكلة الفيضانات التي تميز تلك المنطقة بسبب فيضان الأودية عند فترات تساقط الأمطار، وما ينجر عن ذلك من حوادث وخسائر للسكان والفلاحين بسبب المياه.
واستفادت الولاية في هذا الصدد من مبلغ مالي معتبر لدراسة وإنجاز 5 مشاريع للطرق، أولها الطريق الاجتنابي لمدينة خنشلة في الجهة الجنوبية الغربية على مسافة 20 كيلومترا.
والثاني الطريق الإجتنابي لمدينة خنشلة في الجهة الجنوبية الغربية في شطره الثاني، وكذا الطريق الرابط بين العقلة ولربعاء وبونقار على مسافة 12 كلم عصرنة، وتعزيز الطريق الولائي رقم 8، الذي يربط ششار وصيار والميتة على مسافة 66 كم.
وجاءت قرارات مجلس الحكومة في شق قطاع الموارد المائية جد هامة لفائدة سكان الولاية، ومنها سكان مدينة خنشلة، حيث استفادت من مشروع لدراسة ومتابعة وإنجاز أشغال إعادة تأهيل شبكة مياه الشرب لـمدينة خنشلة التي تشهد تسربات مستمرة لقدمها واهترائها، وتتسبب في معاناة مستمرة وشوهت منظر المدينة خاصة.
كذلك تقرّر إنجاز وتجهيز محطتي معالجة مياه الصرف الصحي لبلديتي بابار وششار جنوب الولاية تحقيقا لمطلبهم في هذا المجال، مع إنجاز سد على مستوى وادي الأزرق ببوحمامة بسعة 35 مليون متر مكعب بما يضمن فلاحة مستدامة يساهم في إنجاح المستثمرات الفلاحية هناك، إلى جانب إنجاز وتجهيز وكهربة للآبار بـ 4000 متر طولي عبر كافة مناطق الولاية تدعيما للفلاحين لتثبيتهم في أراضيهم.
ونظرا لانعدام مناطق صناعية وعدم تجسيد مشاريع مناطق النشاطات التي جمد جلها سنة 2015، قرّرت الحكومة تمويل مشروع دراسة وإنجاز منطقة نشاط في باغاي التي تمّ بشأنها توزيع العقار الصناعي دون تهيئة منذ سنوات، وهو القرار الذي أعاد الأمل لبعض المستثمرين الشباب الحائزين على العقار هناك، وباشر بعضهم إعادة تحيين دراسة مشاريعهم.
إضافة إلى إقرار مشروع دراسة وإعادة تأهيل وإنجاز أربع 4 مناطق نشاط في بلديات المحمل وعين الطويلة ومتوسة وششار، ودراسة وإنجاز خمس 5 مناطق صغيرة للنشاط 10 هكتارات لكل منها، مخصصّة لاستقبال الشباب حاملي الـمشاريع عبر عدة مناطق تتناسب والمقوّمات الاقتصادية لكل بلدية.
دعم وتأهيل المحطّتين الحمويتين
يكتسي قطاع السياحة أهمية بالغة في تحريك العجلة الاقتصادية لولاية خنشلة بالنظر لمقومات الطبيعية والجمالية للولاية، واحتوائها على محطتين حمويتين يؤهّلانها لتكون قطبا سياحيا حمويا بامتياز، حيث رصد البرنامج مشروع تهيئة مناطق التوسع السياحي لمحطة حمام الصالحين المعدنية لتفعيلها اقتصاديا، ودراسة وإعادة تأهيل المحطة البخارية لحمام لكنيف ببلدية باغاي، التي تعد أول محطة بخارية في القارة الإفريقية غير مستغلة بشكل جيد بالرغم من قيمتها الاستجمامية والعلاجية والصحية.
كما استفاد قطاع البيئة من مشروع توسيع مركز الردم التقني باغاي، ودراسة وإنجاز مركز فرز النفايات هناك ضمن مخطط يضع في الحسبان رسكلة موارد النفايات وتثمينها، وجعلها موردا اقتصاديا للشباب بإنشاء مؤسسات مصغرة في هذا المجال، إضافة لبرمجة مشاريع دراسة وإنجاز مركز للردم التقني بين البلديات لقايس، والقضاء على مكبات النفايات الفوضوية عبر 21 بلدية، واقتناء حاويات للنفايات المنزلية للفرز الانتقائي لأول مرة بالولاية.
وعملا بمبدأ التوازن في إشباع رغبات القراءة والمطالعة لكافة سكان الولاية، خاصة فئة الأطفال والمتمدرسين، رصدت الحكومة غلافا ماليا لإنجاز وتجهيز مكتبتين ريفيتين ببلديتي لمصارة ويابوس استدراكا للبرامج السابقة، والتي لم تدرج البلديتين في برامج مماثلة، إضافة إلى إنجاز مشروع متحف للسجاد في بلدية بابار العروفة بزربية بابار ذات الشهرة العالمية.
ولم تستثن ورقة الطريق قطاعات الطاقة، المجاهدين، الشباب والرياضة التجارة والسكن على الرغم من تحقيقها في البرامج السابقة نسبا معتبرة في الإنجاز، حيث تدعمت بمشاريع إضافية لسد العجز والنقص في عدة مناطق من الولاية استدراكا لما فاتها في هذه المجالات.
الكهرباء الفلاحية ومخازن للفلاّحين
بالنظر إلى مكانة ولاية خنشلة كقطب فلاحي أخذ في التطور باستمرار، تضمّن البرنامج التنموي مواصلة دعم قطاع الفلاحة والغابات بنظرة استشرافية تحمل مقومات وضمانات نجاح الاستثمار، وتوسيعه في مختلف الشُعب الفلاحية وفي الصحراء بإدراج مشروع جديد لدراسة وإنجاز 1000 كم من الشبكة الكهربائية للضغط المنخفض والمتوسط، وإنجاز 100 كيلومتر مسالك فلاحية وغابية مع كهربتها، إلى جانب تعميم الكهرباء بالطاقة الشمسية من خلال توفير المجموعات الكهروضوئية بعدة مناطق بالولاية.
هذا إضافة إلى دراسة ومتابعة وإنجاز 4 وحدات تخزين الحبوب بسعة إجمالية قدرها 180.000 قنطار لاستيعاب الزيادة المستمرة في الإنتاج بجنوب الولاية، مع رفع التجميد عن عملية تهيئة 9 مساحات زراعية جديدة بجنوب خنشلة على مساحة 18.000 هكتار.
وثمّن سكان الولاية عبر مختلف أرجائها هذا الحدث التاريخي الهام، عاقدين الأمل أن تتجسد هذه المشاريع لتكون نهضة حقيقية للولاية التي استفادت بعديد البرامج التنموية سابقا، ولم تخرجها من العزلة والتهميش، ولم تنجز كاملة لأسباب عديدة حالت دون إيفاء أرض الشهداء حقها في تحقيق العيش الكريم بما يليق بمكانتها التاريخية، ويناسب مقوماتها الطبيعية المتنوعة.
وعن تنفيذ هذا البرنامج الطموح والهام، أكّد والي الولاية، علي بوزيدي، أن هذا الحدث سجل كيوم تاريخي للولاية بانعقاد اجتماع مجلس الحكومة لأول مرة في تاريخ الجزائر خارج العاصمة، بما يعكس عزم الدولة على الاهتمام بهذه الولاية التي عاشت الحرمان والتهميش والعزلة طيلة عقود، وجاء هذا البرنامج الاستدراكي ليشمل 14 قطاعا حيويا، ما يدعو إلى العمل المستمر بصدق وفعالية حتى لا تضيع هذه الفرصة الثمينة.
المطلوب بعد كل هذا التزام القائمين على إنجاز المشاريع باحترام آجال التنفيذ وبنود دفاتر الشروط، وتجسيد هذه المشاريع وفقا لرزنامة مدروسة انطلاقا بقطاعات الأشغال العمومية لفك العزلة والفلاحة لدفع الإنتاج، وإنتاج الثروة موازاة مع إطلاق إنجاز مناطق النشاطات لفائدة المستثمرين والشباب الحاملين للمشاريع حتى يتمكّنوا من تجسيد مشاريعهم في مواعيدها.