يفرض تاريخ 12 ديسمبر نفسه، كمحطة مفصلية في تاريخ البلاد، حسم فيها الجزائريون قبل سنتين خيارهم بالعودة إلى شرعية الشعب والدستور، ليتخطوا دهاليز المراحل الانتقالية ومكائدها المدمرة.
في مثل هذا اليوم من سنة 2019، توجه 10 ملايين جزائري، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. كان السير يومها إلى مكاتب ومراكز التصويت، يشبه السير على طريق محفوف بأشواك وألغام، لكن نهايته واضحة، بلوغ برّ الأمان.
يمكن، الوصول إلى خلاصة مماثلة، بشأن ما حدث بين 22 فيفري و12 ديسمبر 2019، عند مراجعة الأحداث، والتمعّن في التطورات والتغيرات العميقة التي مسّت الجزائر بشكل مباشر، في السنتين الأخيرتين، من مؤامرات وأعمال إرهابية وخطط تخريبية من تنفيذ خلايا باتت تنشط في العلن ولم تعد نائمة، تقف وراءها مخابر صهيو-مخزنية.
وأمام كل ما جرى، يكون من الضروري، إعادة طرح أسئلة من قبيل: ماذا لو اختارت الجزائر المرحلة الانتقالية؟ ماذا لو أخذ بمطالب «نخب» سياسية وإيديولوجية متطرفة، ترافع للعدمية ونقل كل ما يتعلق بالدولة إلى جهة معيّنة مثلما ينقل أثاث المنزل؟ وماذا لو أخذ بالنصيحة الداعية إلى الاقتداء بتجارب بعض البلدان تبين أنها فاشلة؟.
كل هذه الأطروحات كانت حاضرة بقوّة في بعض أزقة السياسة وتحظى بتعبئة ضخمة على منصات التواصل الاجتماعي، وتحوّل النقاش إلى تجاذب، ثم تدحرجت الأمور باتجاه حركتين إرهابيتين اندستا وسط الجزائريين، لتنفيذ اغتيالات يومية لصوت العقل والوعي، ودفع البلاد نحو الانهيار الكبير.
من أجل الجزائر
وتظل انتخابات الـ 12 ديسمبر 2019، لحظة فارقة في التاريخ السياسي للجزائر، لأنّها سجلت انتصار الوعي والمصلحة العليا للدولة والعودة إلى إرادة الشعب. فالأجواء التي سبقت ليلة الاقتراع وميّزت الحملة الانتخابية، كان عنوانها عبارة «نصوّت من أجل البلاد».
فكل من انخرط فيما أطلق عليه آنذاك بالمسار الدستوري للخروج من الأزمة، ردّد هذه العبارة، وعيا منه بالخطر الجسيم الذي كانت ستتعرض له البلاد، لو عادت إلى مربع المراحل الانتقالية، أو ما سمي «الانتقال الديمقراطي».
والمسار الدستوري، يعني التمسّك بكل ما ينصّ عليه الدستور، وبالأخص المادة الشهيرة 102 (دستور 2016)، والتي تنظم انتقال الحكم في حالة الاستقالة أو المرض العضال أو وفاة رئيس الجمهورية.
وقد أبانت مؤسسات الدولة جميعها، طيلة 9 أشهر كاملة، استماتتها في الثبات على هذا النهج الذي دافعت عنه ووفرت له الحماية المؤسسة العسكرية، بكونها مؤسسة دستورية «تنتظم حولها الطاقة الدفاعية للأمة».
وخلال هذه المرحلة الدقيقة، كان الجيش الوطني الشعبي في موعد تاريخي وغير مسبوق في القارة الإفريقية وعالم الجنوب، ففي وقت سخرت نخب سياسية كل طاقتها في تعبئة الشارع من أجل مرحلة انتقالية ورفع أشخاص دون أدنى معيار إلى الحكم عن طريق التعيين، تولى هو حماية الدستور وتنفيذ كل ما ينصّ عليه إلى آخر حرف.
وعكس ما يشاع عن جيوش العالم الثالث بميلها للسلطة والاستيلاء على الحكم، تعهدت المؤسسة العسكرية الجزائرية وبالقسم الغليظ أن «لا طموحات سياسية لديها»، بل وتعهدت «أمام الله وأمام الشعب» أنها لن تدعم أيّ مترشح من المترشحين الخمسة الذين تنافسوا في رئاسيات 12/12/2019، وهو ما وفت به في النهاية.
التشبث بالدستور نصّا وروحا، وإعادة السلطة للشعب الجزائري، الذي خرج في مظاهرات سلمية حضارية يوم 22 فيفري من السنة ذاتها، رفضا لعهدة رئاسية خامسة، جعل المصلحة العليا للدولة تبرز كغاية رئيسية ونية صادقة من وراء الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية واستدعاء الهيئة الانتخابية بتاريخ 15 سبتمبر.
وعلى الرغم من الأزمة، وفي وقت كان الرهان الأكبر على فشل وانهيار الدولة، استطاعت الجزائر تنظيم أول انتخابات رئاسية، تحت الإشراف الكلي والمباشر لسلطة مستقلة، بعيدا عن تدخل الإدارة العمومية، ولم يطعن أيّ من المتنافسين في نتائجها المؤقتة التي أكدها المجلس الدستوري لاحقا.
نجاح الرئاسيات وانتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بنسبة 58.13 بالمائة، وما أعقب ذلك من إطلاق مسار البناء المؤسساتي الشامل وإعادة السلطة التأسيسية للشعب، في استفتاء تعديل الدستور كأول خطوة، أكد اختيار الجزائريين للطريق الصحيح والآمن، وأنهم لا يخطئون أبدا في الأوقات الصعبة.
الخروج من النفق المظلم، كان تتويجا لإرادة الحراك «الأصيل والمبارك»، الذي أسقط الحكم الفردي، واستعاد إرادة الشعب والسلطة الرقابية على كل ما تقوم به مؤسسات الدولة حاليا، إلى الوصل إلى بناء «دولة قوية اقتصاديا على أسس الديمقراطية».