عرفت الجزائر، خلال سنتين من حكم، الرئيس عبد المجيد تبون، خطوات عملاقة نحو تجسيد واحترام الإجراءات القانونية والدستورية التي تُسيّر بها الجمهورية، ما سمح ببناء صرح مؤسساتي سليم، ينتظر منه تحقيق أهداف مبرمجة داخل كل هيئة شرعية»، وهذا بالرغم من التجاذبات والمناورات التي سبقت اعتلاء الرئيس الحكم، مراوغات كانت صادرة من أنصار سياسيين كانوا يريدون الزّج بالبلاد في أتون رغبات فردية وأجندات خارجية، لكن إقرار الحل الدستوري مكّن البلاد من العبور بسلام نحو شاطئ الأمان.
الحديث عن تجديد بناء المؤسسات الدستورية، اليوم في الجزائر، يعود إلى مرحلة سبقت حكم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي نرصد اليوم ذكراها الثانية، وفي هذا الموضوع يؤكد المختص في القانون الدستوري عامر رخيلة، أنّ الحديث عن دولة القانون يقودنا للعودة إلى نهاية سنة 2018، عندما طرحت إشكالية الحكم في فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حينما اقتربت نهاية عهدته الرابعة، حيث باشر بتعديل على الدستور سنة 2016، وفتح المجال أمام العهدات الرئاسية بعدما كانت غير قابلة للتجديد.
مسارات ملغّمة
ويؤكد عامر رخيلة لـ»الشعب»، أنّ الإشكالية التي كانت مطروحة هل يحق لرئيس الجمهورية الممارس دستوريا أن يترشح أم لا، هنا بدأت تطرح مسائل أخرى، تؤدي كلها للخروج عن الدستور، وفي مقدمة مقترح، اللجوء إلى مرحلة انتقالية لمدة سنة تتوّج بندوة جامعة، لكنّ هذا الاقتراح كان محاولة للتمديد في عمر العهدة الرابعة لتكون عهدة ممتدة، في وقت أنّ المراحل الانتقالية لا يمكن التحكم فيها، فمثلا لو تحدثنا على أساس سنة نجد أنفسنا ربما لسنوات أخرى».
وأضاف المتحدث « لذلك طرحت الإشكالية في ذلك الوقت كالتالي، هل تتجه الجزائر نحو الالتزام بالدستور، أم لابد لمرحلة انتقالية خارج الدستور؟ لأنّ الذين أرادوا ليّ عنق الدستور لم يجدوا حكما دستوريا يساعدهم على تبني مرحلة أخرى خارج إطار الشرعية الدستورية، ومن هنا بدأت الاجتهادات إلى درجة هناك أطراف من الطبقة السياسية، ــ بيمينها ويسارها على حدّ سواء ــ بدأت تتجه وتقدم فتاوى سياسية ودستورية بوجوب اعتماد مرحلة انتقالية، بدايتها كانت معلومة بوضع الدستور على الرّف، ونهايتها لم يكن مخططوها يعرفون مسارها».
لكن في خضم تلك التجاذبات السياسية ــ يقول رخيلة ــ دخل على هذه المتغيّرات عامل جديد وهو الحراك الشعبي الذي بدأت أولى شرارته، في 22 فيفري 2019، والذي لم يقدم الحل، وكان متمسّكا بشعار «يروحو قاع»، وهي العدمية، إلى درجة أنّ مواقف منشطي الحراك كانت متباينة، فهناك من اقترح تعيين هيئة سيادة من خمس أشخاص، لتقوم بإدارة شؤون الدولة في مرحلة انتقالية، يعينّون، أو ينتخبون، وهنا طرحت أيضا مسألة إذا تمّ انتخاب خمسة أشخاص لماذا لا نذهب إلى انتخابات رئاسية، وفي إطار الدستور، وإذا كان الحراك على قلب واحد، للخروج من عنق الزجاجة للأزمة السياسية التي دخلت فيها الجزائر، عبر بوابة الانتخابات الرئاسية وهكذا أمّنّا الجزائر، وجنّبناها ما يجري في بيئتنا الإقليمية من صراعات».
الحل الدستوري
واسترسل الخبير الدستوري يقول «في صلب هذه الزوبعة دخلت على الخط مؤسسة الجيش، التي تمكنت من انقاذ الجزائر، والتمسك بالدستور والذهاب إلى مرحلة دستورية، وجرت انتخابات رئاسية، بالرغم من أنّ الجزائر كانت حبلى بالمشاكل.
وعرفت الترشيحات خلال رئاسيات 2019، مزايدات كثيرة وتم فتح المجال للمترشحين وتمكنت الجزائر من انتخاب المترشح عبد المجيد تبون ليكون رئيسا يحظى برضا قوى واسعة في المجتمع، رجل لم يكن طرفا في النزاعات السابقة، وأبدى خلال الحملة الانتخابية شجاعة سياسية، تكلّم عن الكثير من الملفات التي لم يتمكن التقرب منها باقي المترشحين، في مقدّمتها ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية والفساد والأموال المنهوبة».
برنامج نوفمبري
وأردف رخيلة «بعد نيل الرئيس ثقة الشعب انصرف لتنفيذ برنامجه المشكل من 54 التزاما، تيمّنا بتاريخ تفجير ثورة نوفمبر الخالدة، لاحظنا أنّ المسار الانتخابي تواصل من خلال أول مكسب تحقق وهو استرجاع رفات شهداء المقاومة قبل الثورة التحريرية المباركة، فالرئيس تبون بلور خطابا واضحا وذهب مباشرة لأهم ملف وهو ملف الأرشيف لكتابة التاريخ «.
إرجاع الصوت للناخب
أما على الصعيد المؤسساتي، فقد تم اعتماد نهج إعادة وردّ الاعتبار لصوت الناخب، من خلال مراجعة قانون الانتخابات والعدول عن القائمة المغلقة، باعتماد القائمة الإسمية، وتمت بلورة ذلك خلال الإنتخابات التشريعية والمحلية، وقبل هذا وذاك، كان لابد من مراجعة الدستور، حيث حظي بعناية خاصة، وبالرغم من بعض التحفظات على ما تضمنه وستظهر مستقبلا في تجسيده، إلا أنّ الرئيس تمكن من إقرار وثيقة دستورية متجاوبة مع المتغيرات الحاصلة في المجتمع ومن شأنها أن تساعد على بناء صرح مؤسساتي». يقول رخيلة.
مراجعة التنظيم القضائي
وأشار رخيلة، إلى أنّه في ميدان القضاء، تمت إعادة النظر في التنظيم القضائي على مستوى القضاء الإداري، وكذلك في مسألة الدستورية، من خلال تأسيس المحكمة الدستورية المنصوص عليها في الدستور، حيث تم تنصيبها وتكرسيها للقيام بمهامها، مبرزا أنه وكمحام، فإنّ أول قرار أصدرته المحكمة الدستورية هو الحديث عن دستورية المادة 24 من قانون المحاماة، وهو مكسب، على أن تبقى المحكمة الدستورية وفية للدستور وروحه بعيدا عن كل التجاذبات».
وفي السياق، شدّد المحامي ذاته، على أنه وبالرغم من كل الجهود التي بذلت، إلا أنها كانت معرقلة بتداعيات وباء عالمي، انعكس على مختلف المجالات، ومع هذا تم الحفاظ على روح التضامن والتفات الرئيس للفئات الفقيرة والهشة.
ويرى رخيلة أنّ تفعيل المؤسسات الآن وتجنيبها الممارسات السابقة هو التحدي المنتظر، وهو عمل توجيهي سياسي تأطيري، يقوم به المجتمع المدني، حيث أنّ المطلوب منها أن تلتزم بخطاب من شأنه أن يرسي مؤسسات دستورية قائمة على أسس سليمة، تسعى لتحقيق أهداف مبرمجة على مستوى كل مؤسسة في إطار بناء الجزائر الجديدة.