أنصف المتعاملين الوطنيين

الرئيس تبون يفضح المافيا المعرقلة للاستثمار

حمزة محصول

أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، “2022 سنة اقتصادية محضة”، يطلق فيها العنان لإنشاء المؤسسات المنتجة، بما يستجيب للحاجيات الوطنية ويسمح بولوج الأسواق الدولية، مؤكدا أن بلوغ ذلك لا يتأتّى إلا بتفكيك مفاصل “المافيا” الجاثمة على عشرات المشاريع، بمبررات إدارية واهية.

 تناول الرئيس تبون، في خطابه قضية الاستثمار الصناعي، أمس، بصراحة مطلقة، إذ قدم أدق التفاصيل عن المشاكل الحقيقة التي حرمت لحد الآن أزيد من 57 ألف جزائري من مناصب شغل، يفترض أن توفرها مصانع عديدة عبر التراب الوطني.
قال الرئيس في كلمته خلال الندوة الوطنية للإنعاش الصناعي: “بعد استكمال البناء المؤسساتي بإجراء الانتخابات المحلية، ينطلق رسميا مسار الإصلاح الاقتصادي الهيكلي”، موضحا بالقول: “سأكون صريحا معكم، لأن الصراحة هي الوحيدة التي يمكنها أن تدفع بالأمور نحو الأمام”. وأضاف “إن رئيس الجمهورية يقف عند الجزئيات، نعم تهمني الجزئيات لأن المواطن يهمني”.
والجزئيات التي أتى على ذكرها، هي الأصل وكل الحقيقة، في المرض الذي ينخر القطاع الصناعي، وجعله عاجزا عن تجاوز نسبة 5٪ في الناتج الوطني الخام. فرفض منح رخص الاستغلال بعد اكتمال تشييد المصانع، أو رخص البناء أو المطابقة “أمر مقصود وعمدي”.
وقال الرئيس تبون: “أين كنتم عندما كان المستثمر بصدد بناء مصنعه، لماذا تأتون فقط عندما ينهي البناء، ليتم حرمانه من رخصة حتى يباشر الإنتاج”، مضيفا “نحن نتساءل عن الأسباب الحقيقة وراء التوقيف، هل هو توقيف عمدي لتعطيل السياسة الجديدة بخلفيات سياسوية، أم دفاعا عن المصالح المشبوهة؟”.
وتابع: “كيف تصرف ملايير الدولارات في بناء المصانع، ثم ترفض إعطاءها رخصة الإنتاج”، ليعتبر بأن هذه التصرفات من علامات الانحطاط الرهيب، وأنها تؤكد بأن كل شيء “يمشي بالرشوة”، وإخضاع هؤلاء المستثمرين إلى الابتزاز، الوثائق والتصاريح مقابل دفع رشاوى.
وأخطر ما تطرق إليه الرئيس، “تحايل” المافيا الإدارية حتى أعلى سلطات البلاد، فمصنع الأوكسجين بوهران، لم يحصل على رخصة الإنتاج إلا بعد تدخل الوزير الأول وزير المالية، “وعندما تدخل منحت له رخصة مؤقتة بـ6 أشهر فقط”.
ولهذه الممارسات المشينة، انعكاسات وخيمة على الاقتصاد الوطني، فإلى جانب كبح إرادة المستثمرين وتعطيل مصالح، تدفع باتجاه تفجير نسب البطالة وتأجيج الشارع، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية.
وقال: “إنها جريمة في حق الاقتصاد الوطني، ليست قضية سلطة الدولة، وإنما مخطط لإثارة أكبر قدر من المشاكل وإخراج الناس إلى الشارع للتنديد بالبطالة... إنها تصرفات غير وطنية”، محذرا من عواقب وخيمة تنتظر هؤلاء.
وبالأرقام تسبّبت هذه الجرائم البيروقراطية، في حرمان 75 ألف جزائري من مناصب عمل، كانت ستوفرها 402 مشروع مجمد، ليعلن عن الشروع في رفع التجميد عن 57 مشروعا في ظرف أسبوع”.
كما كشف عن الانطلاق في تمكين 356 ملف من مزايا الوكالة الوطنية للاستثمار من أصل 580 ملف، في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ليؤكد بأن سنة 2022 ستكون “اقتصادية محضة وفيها سنرى من يسير في الطريق الذي اخترناه ومن يعرقل”.
كما أمر الرئيس تبون، بالتخلي عن العادة المدمّرة، المتمثلة في تحويل دعم الدولة لكل من أنشأ مشاريعه عن طريق القروض البنكية، بينما من استثمر ماله الخاص يعرقل ويجمّد “لأنه ينافس الفلاني”.
ووضع الرئيس أصبعه على الجرح بالحديث عن تسهيل “تراخيص توسيع النشاط”. فالمستثمر الوطني، وحتى يغطي الاحتياجات المحلية أو يفي بالتزامات دفاتر الشروط، بحاجة إلى توسعة النشاط وهو ما لا يحصل عليه في الغالب.
وطالب من كل مستثمر يتعرض لعراقيل، التوجه “فورا” لمندوب وسيط الجمهورية على مستوى ولايته، قائلا: “إن وسيط الجمهورية يشتغل تحت سلطتي المباشرة، وسنرى من يملك الأحقية في كل ملف شكوى”.
في المقابل، اعتبر أن تصويب الاقتصاد الوطني بشكل عاجل أمر ممكن، إذا ما اتخذت التدابير اللازمة وتطهير مخلفات الفساد وهدر المال العام وإزالة كل الأسباب التي أدت في وقت قريب إلى التصنيع المزيف.
وقال: “بعدما قالت العدالة كلمتها الأخيرة، نعود الى بناء صناعة حقيقية على أسس عقلانية وتخدم المصلحة الوطنية وتكون رافدا من روافد التنمية”، في إشارة الى صدور الأحكام النهائية في قضايا الفساد الاقتصادي التي عالجها القضاء الجزائري منذ 2019.
وبهذا المنطق، لا يمكن للجزائر أن تعادل الكفة مع الاتحاد الأوروبي في إطار اتفاق الشراكة، “فالواردات الأوروبية تستفيد من إعفاءات جمركية، ولكن أين هي الصادرات الجزائرية باتجاه أوروبا حتى تستفيد بالمثل؟”.
وتابع الرئيس تبون: “في كل مرة نقول، سنتحول هذه السنة إلى التصدير ونكتفي بالندوات والمؤتمرات”. ليشدد على ضرورة التسهيل بقوة من أجل تشجيع الإنتاج الوطني وإعطائه كل التراخيص لتوسيع طاقاته الإنتاجية”.
وحدد رئيس الجمهورية هدفا استراتيجيا، تمثل في تغطية النشاط الصناعي لنسبة 10 أو 15٪ للناتج الداخلي الوطني، وقال إن “تحقيق 10٪، تجعلنا في مصاف كثير من البلدان الأوروبية”.
وكالة وطنية للعقار الصناعي
وكشف الرئيس تبون، عن إنشاء وكالة وطنية للعقار الصناعي سنة 2022، بهدف إبعاد الملف عن الإدارة.
وستتولى الوكالة شراء الوعاء العقاري الصناعي، ليصبح تحت وصايتها بشكل كامل، ليسحب من صلاحيات رئيس البلدية أو رئيس الدائرة، باستثناء مناطق النشاط التي ستظل تحت سلطة الجماعات المحلية.
وقال، إن الوكالة ستكون المسؤول الوحيد عن منح وتسيير العقار الصناعي رفقة وزارة الصناعة، بما يضمن إخراج العقار الصناعي من الدائرة المفرغة البيروقراطية القاتلة.
إسداء أوسمة
وفي مبادرة غير مسبوقة لرئيس الجمهورية، تعكس الأهمية التي يوليها للاقتصاد الوطني، أسدى أوسمة بدرجة “عشير” من مصف الاستحقاق الوطني لعدد من قادة المؤسسات الاقتصادية وأصحاب المؤسسات الناشئة والعلماء الجزائريين.
وبالمناسبة، أسدي الوسام، لكل من الرئيس المدير العام لمجمع “سوناطراك” توفيق حكار، الرئيسة المديرة العامة لمجمع صيدال فطومة أقاسم، الرئيس المدير العام لمجمع كوسيدار لخضر رخروخ، كمال مولى المدير العام لمخابر فينوس وحابس عمر لمجمع فاديركو.
كما أسدى نفس الوسام، لمدير مجمع بيمو، حمودي عمار، وحاج بورورقة، ياسر أمير غازي ومصباح رمزي أصحاب مؤسسات ناشئة في التكنولوجيات والأنظمة المدمجة.
وكرم رئيس الجمهورية، بوسام عشير، العالم الجزائري بلقاسم حبة.
زغدار: خطة عمل شاملة لتنشيط النمو
كشف وزير الصناعة أحمد زغدار، أن الندوة الوطنية للإنعاش الصناعي، ستقترح خطة عمل لترقية مساهمة القطاع في الناتج الوطني الخام، والدفع بالعجلة الإنتاجية من خلال حوكمة المؤسسات العمومية ودعم المؤسسات الخاصة.
أكد زغدار، في كلمته الافتتاحية للندوة الوطنية تحت شعار: “معاً من أجل رفع التحدي”، أنها تهدف لتحقيق الدفعة القوية للصناعة في تنشيط الاقتصاد الوطني والرفع من مساهمتها في الناتج المحلي الخام، وكذا تحسين الكفاءة الاقتصادية، وتثمين الموارد من خلال تحويلها، وإنتاج سلع موجهة لدعم القطاعات الأخرى والمشاركة في تغطية الاحتياجات المتزايدة للسكان.
وكشف عن تسطير مشروع خطة طموحة لإثرائها وتنفيذها في إطار الحوار البناء خلال الندوة، ثم تسخير جميع الوسائل المتاحة التي تعيد دفع عملية التصنيع على أسس متينة.
وأفاد بمراجعة شاملة لنمط حوكمة المؤسسة العمومية، لولوج السوق الدولية وتغطية الاحتياجات الداخلية، مشددا على أن الشركات الخاصة ستحظى بذات العناية من أجل رفع قدراتها اللوجيستية وإزالة كافة العقبات البيروقراطية واللوجيستية.
وأشار زغدار إلى أن ندوة الإنعاش الصناعي تهدف أيضا إلى الانطلاق في مسار يسمح لجميع الفاعلين بتوحيد جهودهم بشكل أفضل لإعادة بعث نمو الصناعة، ومن خلالها نمو الاقتصاد الوطني برمته.
وقال، إن الاستراتيجية الموضوعة من طرف وزارة الصناعة تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين وهما الإحلال التدريجي للواردات بالمنتجات المحلية وتنمية منطق تصدير السلع الصناعية لدى الفروع الصناعية.
وحدد الوزير أربعة محاور رئيسية تناقشها الندوة، وهي دعم المؤسسات وترقية الصادرات وتحسين مناخ الاستثمار، إلى جانب حوكمة المؤسسات العمومية وتطوير التنافسية والإدماج الصناعي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024