أكدت النتائج المؤقتة لانتخاب المجالس الشعبية البلدية والولائية المسبقة، احتفاظ القوى السياسية المسيطرة على المجلس الشعبي الوطني حاليا، بمراكزها، ولم تسجل أية مفاجآت تذكر. فيما برز «الانسداد» كهاجس يمكن أن يعيق السير العادي للجماعات المحلية، بفعل القوانين الجديدة.
امتد وصف «الفسيفساء» السياسية الذي لطالما لازم التوقعات، بشأن تشريعيات جوان الماضي، للمجالس النيابية المحلية، وفق ما أظهرته النتائج الأولية المعلنة، أمس الأول، من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وتقاسمت القوى المسيطرة حاليا على المجلس الشعبي الوطني، المشكّل الصيف الماضي، معظم مقاعد المجالس البلدية، وعددها أكثر من 24801 مقعد.
فأحزاب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، المستقلين، جبهة المستقبل، حركة مجتمع السلم والبناء الوطني، نالت حصة الأسد.
وبينما احتفظ «الأفلان» بالريادة، حدثت اختلافات طفيفة في الترتيب بين هذه التشكيلات مقارنة بالتشريعيات الماضية، تغيّرت مواقع القوائم المستقلة و»الأرندي» و»حمس» و»المستقبل» و»البناء»، ولكن دائما ضمن 6 الأوائل.
ولعل أكبر ما أثار الاهتمام في هذه النتائج، هو سرّ احتفاظ حزب جبهة التحرير الوطني بالمركز الأول في ثاني استحقاقات على التوالي، على الرغم من تغيير نظام التصويت (القائمة المفتوحة)، على الرغم من الهزات الداخلية التي يعيشها، وفوق ذلك الضرر السياسي الجسيم الذي ضرب صورته منذ 2019.
وفي وقت ارتفعت أصوات إلى مداها، تطالب بإحالته على المتحف، أبدى الحزب قوة غير عادية في الصمود أمام العواصف؛ شأنه شأن الأحزاب الأخرى المهيكلة. الأمر الذي يحتم الاعتراف بأنه «ليس من الممكن إزاحة «الأفلان»، «الأرندي»، «حمس» و»المستقبل» بالسهولة التي كان يتوقعها البعض».
تقارُب تركيبة المجالس المحلية مع تركيبة المجلس الشعبي الوطني، يفسّر بأمر أساسي والمتمثل في الوعاء الانتخابي الثابت لهذه التشكيلات السياسية، وعدم حدوث مفاجأة كبرى على صعيد نسبة المشاركة.
وقدرت النسبة في الانتخابات البلدية بـ36,58٪، وبـ34,76٪ في المجالس الولائية، بينما لم تتجاوز في التشريعيات الأخيرة 23٪، وهي زيادة في عدد الأصوات المعبرة عنها بقرابة 60٪، بحسب ما أعلنه رئيس السلطة الوطنية للانتخابات محمد شرفي.
ولم تنجح الحماسة التي لطالما ميزت الاستحقاقات المحلية، في صنع نتائج خارج التوقعات، ويمكن تفسير ذلك، بالمرونة الكبيرة التي اكتسبتها الأحزاب في مواكبة التحولات والتكيف معها بسرعة فائقة.
إذ يعتبر تدوير الإطارات وتنقلها بين الأحزاب ذاتها، عاملا حاسما في بقاء الخارطة السياسية على ما هي عليه منذ الصائفة الماضية. فحزب مثل المستقبل أو البناء الوطني، استطاعا احتواء إطارات أو مناضلين غاضبين انشقوا عن أحزاب أخرى ولديهم رصيد معين من القبول الشعبي، أو لم يجدوا مكانا لهم ضمن قوائم الترشحيات.
في وقت، استفاد «الأفلان» و»الأرندي»، من تجربة غربال التشريعيات، واستقطبوا مترشحين لم يسبق لهم الترشح ومن ذوي الشهادات الجامعية أو المحسوبين على النخب العلمية والمهنية، فيما فرضت حسابات الربح والخسارة في التسويق السياسي على فئات واسعة دخول المعترك بقوائم مستقلة للتملص من سوابق سيئة للعمل الحزبي.
بقاء «الأفلان» في الريادة، لا يعني أنه من دون تكلفة، فقد خسر الحزب عدة مقاعد، مقارنة بانتخابات 2017، فقد تدحرج من 161 مقعد في المجلس الشعبي الوطني إلى 98 مقعدا في التشريعيات الأخيرة.
وحسم لحد الآن 124 بلدية، بينما فاز بـ603 بلدية سنة 2017، فاقدا في المجمل قرابة 2000 مقعد في المجالس البلدية، وعليه الآن الدخول في تحالفات بحسابات معقدة إذا ما أراد الفوز برئاسة عدد أكبر من المجالس.
وعلى ذكر التحالفات، تصاعدت حدة المخاوف من حدوث انسداد داخل البلديات والمجالس الولائية، بسبب فسيفساء النتائج من جهة ونظرا لبنود الأمر المعدل لقانون البلدية المحدد لطرق انتخاب رئيس المجلس الشعبي البلدي من قبل الأعضاء الفائزين بالمقاعد.
وإذا كان منصب الرئيس قد يُحسم بالتحالف، فإن توزيع المهام على نواب الرئيس ورؤساء اللجان، دائما يفجر فتناً لا تنتهي بعديد البلديات، وينتظر أن يعالج قانون البلدية والولاية، الذي سيعدل سنة 2022، كل هذه الاختلالات التي برزت في الميدان