بسكـرة

ارتفاع تكاليف الإنتاج يهدّد الزراعة المحمية

بسكرة: عمر بن سعيد

القطاع الفلاحي في ولاية بسكرة، هو الأكثر حيوية وحركية وانتعاشا، ويعرف تزايدا سنويا في عدد المستثمرات الفلاحية، وأيضا توجّه الشباب إلى هذا القطاع وتفعيله بالرؤية «الشبابية» وترقيته بالوسائل التكنولوجية التي تساعد على الاقتصاد في الوقت والجهد وزيادة المنتوجات، حيث تحوّلت مناطق عدّة إلى قطب لزراعة المنتوجات المحمية تحت غرف البلاستيك العادية وذات القبب.
عرفت أول تجارب الزراعات المحمية، حيث كانت تشكل قطبا إنتاجيا مهما في دورة الإنتاج الفلاحي للخضروات المحمية، بعد ولاية تيبازة لتحتل بعد ذلك مرتبة أولى من حيث كمية ونوعية المنتوج، وتستقطب أسواق 24 ولاية تتموّن من حقول بلدية لغروس المعروفة أيضا بجودة تمورها، وتحوي حاليا 487 هكتار موجهة للزراعة المحمية بمعدل إنتاج يقدر بـ437043 قنطار وتحول سوقها طيلة سنوات إلى مقصد لتجار الجملة من مختلف مناطق البلاد، قبل أن يتحوّل ثقل الفلاحة تحت البيوت البلاستكية إلى الزاب الشرقي، خاصة ببلديتي مزيرعة وعين ناقة وكذا تطور مضطر ببلدية زريبة الوادي.
فلاحو لغروس لا يريدون مواكبة التطورات الحاصلة في مجال التسويق، ويصرون على البقاء في سوق الجملة الذي لا تتوفر على أدنى أسباب الخدمة، زيادة على أرضيته الترابية، ويرفضون التحوّل إلى السوق الجديد، الذي أنجز منذ 2014 عند المدخل الغربي للبلدية، ومازال لحدّ الآن مغلقا وغير مستغل، السوق يحتوي على مجموعة من المحلات والمرافق الضرورية ولم يربط بالطاقة الكهربائية.
7000هكتار زراعات محمية
تحوّلت مناطق الزاب الشرقي خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بلديات مزيرعة وعين ناقة وزريبة الوادي إلى نقاط جذب للمستثمرين والراغبين في العمل الفلاحي وكذا اليد العاملة من كل مناطق الوطن حيث رفعت هذه الحركية في مجال الاستثمار الزراعي طاقة الولاية إلى 7000 هكتار تتوزع فيها الزراعات المحمية بالبيوت العادية والبيوت المحمية المتعددة القبب، هذه الأخيرة أحدثت ثورة في الإنتاج من خلال مواصفاتها التقنية وسعتها طاقتها الإنتاجية العالية في مختلف المزروعات بما فيها الفواكه.
وعرفت هذه الزراعة تطورا مضطردا بداية من سنة 2000 مع تنفيذ برنامج الدعم الفلاحي، والذي خلق دينامكية متحورة في توسيع مساحات الأرض المستغلة وكذا حفر الآبار والمناقب الموجهة للسقي الفلاحي، الأمر الذي حول بلديتي عين ناقة ومزيرعة إلى قطب فلاحي كبير ومؤثر في حاصل الناتج الوطني للمحاصيل الفلاحية، زيادة على أسواق الجملة بالمنطقة الشرقية والتي تشهد توافدا يوميا لمئات التجار من مختلف مناطق البلاد.
وشهدت هذه المناطق تجارب ناجحة في عمليات التصدير، تأتي في مقدمتها مستثمرة على طهراوي المختصة في إنتاج الخضر والفواكه ببلدية مزيرعة وهي نموذج للعمل الفلاحي الناجح الذي يعتمد على الأساليب العلمية والتقنية الحديثة في مجال الإنتاج المتنوّع أو في تجربة التصدير نحو الأسواق الأوروبية، وتأطير العمل الفلاحي بمهندسين في مجالات الفلاحة والريّ.
وشكلت هذه المستثمرة نقطة انطلاق واعدة في عملية تصدير الخضر نحو الأسواق الأوروبية، بطرق وأساليب علمية تتماهى مع متطلبات السوق الأوروبية، لكن تبقى صعوبات تنظيم وإرسال الكميات الكافية، مثل غياب وسائل النقل الخاصة التي تمكن من حماية المنتوج سريع التلف وإيصاله إلى المستهلك الأوروبي، وتعمد المستثمرة في كراء أسطول إسباني من الشاحنات المكيّفة.
وطرح مسؤولو المستثمرة انشغالاتهم في أكثر من مناسبة، خاصة وأن عمليات التصدير تتطلب وجود وسائل نقل حديثة في البر والبحر وهو ما تفتقر إليه الجزائر، وقد طالب المنتجون بفتح المجال للاستثمارات الخاصة في مجال النقل، وهناك تجربة أحد الخواص الذي خصّص باخرة شحن لنقل الصادرات الفلاحية نحو إفريقيا، إضافة إلى الطريق المار عبر التراب الموريتاني والذي سيكون وسيلة فعالة في تقريب الأسواق الأفريقية التي تسعى الجزائر لترسيخ تواجدها ضمن إستراتجية وطنية، مدعمة بطاقم من الدبلوماسيين الاقتصاديين الذين سبق لهم التحاور مع منتجي بسكرة، حيث تسعى وزارة الخارجية إلى التدخل بقوة في الساحة الاقتصادية، عن طريق تفعيل آليات الدبلوماسية الاقتصادية، التي تهدف إلى مرافقة المصدرين الجزائريين لاقتحام الأسواق الخارجية، وترقية الصادرات، وذلك من خلال وضع أساليب جديدة تخدم هذا التوجه المنبثق عن قرارات الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي المنعقدة في أوت سنة 2020.
ارتفاع الكلفة يهدّد الإنتاج
ارتفاع تكلفة عوامل الإنتاج، خاصة ما هو مستورد، أهم معوّقات تطور الإنتاج والتي تهدّد مستقبل الزراعات المحمية، وتدفع بأعداد سنوية نحو التخلي عن العمل الفلاحي، نتيجة الخسائر الكبيرة في نهاية كل موسم، والتي لا يستطيع الفلاحون تحملها إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
أكد رئيس غرفة الفلاحة بولاية بسكرة مسعود قماري، أن الموسمين الأخيرين عرفا ظاهرة عزوف عن مواصلة مغامرة الإنتاج، حيث يقدر أن نسبة 30 إلى 40 بالمائة من الفلاحين وصغار المستثمرين سيرمون المنشفة ويغادرون العمل الفلاحي.
منتوجات البيوت البلاستكية التي تعتبر من الخضر والفواكه المبكرة، تواجه مشاكل وصعوبات تتعلق بارتفاع جنوني لأسعار عوامل الإنتاج مثل البلاستيك والأسمدة والبذور، حيث شهد هذا الموسم ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد من مادة البلاستيك من 207 إلى 320 دينارللكلغ، وهي زيادة كبيرة في ظرف زمني قصير إضافة إلى ارتفاع أسعار البذور والأسمدة، حيث تحرك سعر القنطار من الأسمدة الضرورية للإنتاج من 9000 دينار للقنطار إلى 14000 دينار، ويفسر رئيس الغرفة هذا الارتفاع إلى تضاعف أسعار النقل البحري على ضوء تداعيات جائحة كورونا، وقد وصل سعر الحاوية سعة 20 قدم المشحونة من ميناء مرسيليا إلى 5000 دولار بدل 1200 قبل الجائحة، وتسجل تكاليف النقل من المواني البعيدة مثل مواني الهند، وهي أحد الدول التي يستورد منها عوامل إنتاج البيوت، أسعارا فلكية لايمكن تحملها موضحا أن الأسعار ارتفعت في هذه الفترة مابين 45 و50 بالمئة.
وما يزيد الطين بلة التكاليف المرتفعة، ثقل وحجم الرسوم الجبائية، حيث تخضع هذه المواد الأساسية للإنتاج إلى الرسوم على القيمة المضافة والتي تقدر بـ19بالمئة لكل عوامل الإنتاج، وحسب تصريحات نفس المسؤول فإن الفلاحين يأملون في التفاتة من السلطات تعفي هذه الشعبة الإستراتجية من تداعيات هذه الرسوم على مستقبل الفلاحة المحمية والتي تؤمن الغذاء على مستوى 38 ولاية يتم تزويدها يوميا باحتياجاتها الاستهلاكية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024