الاستعجالات الطبية بمستشفى البويرة في مواجهة كوفيد

الأطباء: نقود حربا صامتة ضد الوباء بإمكانيات ضئيلة

البويرة: حسان. س

المرضى: الأسّرة والأكسجين لمن استطاع إليها سبيلا

    منذ ظهور الموجة الثالثة لكوفيد 19، بداية شهر جويلية الفارط، وما خلفته من تبعات سلبية ولازالت إلى الآن، لا يخلو حديث الجزائريين عن هذا الوباء الخطير المتحور دلتا، وبات يشكل هاجسا كبيرا يؤرق الطواقم الطبية والمرضى على حد سواء، بسبب سرعة انتشاره الرهيب والمقلق في نفس الوقت، الأمر الذي يستدعي التدخل العاجل وفي الوقت المناسب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ما يدفع معظم المصابين أو المشتبه فيهم التوجه على عجل نحو الاستعجالات الطبية للعلاج.
للوقوف على تفاصيل وحيثيات الموضوع، إرتأت «الشعب» رصد أراء المواطنين المرافقين للمرضى والأطباء العاملين بمستشفى «محمد بوضياف» بالبويرة، وعلى وجه الخصوص التركيز على عمل مصلحة الاستعجالات الطبية باعتبارها الحلقة الرئيسة، لكونها تمثل الواجهة الأولى التي تستقبل الحالات المرضية عامة والمصابين بوباء كورونا خاصة.

 اكتظاظ تعيشه مصلحة الاستعجالات

تنقلت «الشعب» إلى المؤسسة العمومية الإستشفائية «محمد بوضياف» بمدينة البويرة، وأول ما لفت الانتباه حالة الترقب والتوجس التي تخيم على كل أرجاء المستشفى، ومن ثمة تدرك مدى حجم الخطورة التي فرضتها الموجة الثالثة للجائحة، خاصة بمصلحة الاستعجالات الطبية المكتظة عن آخرها، فكل القاعات والمكاتب الإدارية مشغولة وحُوّلت إلى العناية الطبية لمرضى الكوفيد، بل حتى زوايا المصلحة تعجّ بالمصابين من مختلف الفئات العمرية شيوخ نساء شباب وأطفال، والكل في حالة استنفار قصوى لمواجهة الوباء اللعين بكل ما أتيح من قوّة، ومع مرور الوقت تتزايد أعداد الذين شكلوا طوابير أمام قاعة الفحص، التي يشرف عليها طبيب عام واحد طيلة الدوام، في صورة توحي بمدى الضغط الرهيب الذي تعيشه الطواقم الطبية وشبه الطبية لتقديم الوصفات والتشخيص اللازم لتحديد درجة الخطورة للمريض، إلى جانب المشاهد التي يرسمها المرضى ومرافيقيهم وهم يصارعون حمى وألم الوباء اللّعين في صمت، مع نقص فادح في الأسرّة، مع شحّ مادة الأوكسيجين الضرورية، وهذا ما صرّح به عدد من المرضى ومرافيقهم، الذين وجدناهم في حالة قلق وتوتر وخوف كبير على مرضاهم من عدم الشفاء من هذا المتحور دلتا، كما عبروا عنه:
قال علي 42 سنة الذي يقف بجانب والده المصاب بكورونا، منذ 10أيام، ولا زال يكمل العلاج النفسي بعد التحسن التدريجي، بأنه «لم يعرف النوم بتاتا طيلة هذه الفترة، بسبب الخوف والتوتر الكبيرين، وتحوّلت يومياتنا إلى كابوس حقيقي، مشيرا في نفس الوقت إلى المجهودات الجبارة التي تبذلها الطواقم الطبية وشبه الطبية لإنقاذ أرواح المرضى، وفق الإمكانيات المتاحة لهم».
من جانبها «نجاة « 35 سنة مرافقة لوالدتها المريضة بهذا الوباء والموجودة بالمصلحة منذ 7أيام، تشير الى «أن الاستعجالات الطبية تشهد ضغطا رهيبا لم يسبق لها مثيل منذ ظهور الوباء الخبيث، وخلال هذه المدة لاحظت العدد الهائل من المرضى الذين يقصدون مصلحة الاستعجالات الطبية، لدرجة عدم وجود أماكن لوضع المرضى تحت العناية الطبية، وأمضت الأيام الأولى مع والدتها في الرواق، بسبب عدم توفر الأسرة والأماكن».
فيما ذكر أحمد 54 سنة الذي يرافق شقيقه المريض في الثلاثينيات من العمر الذي كان يعاني من مضاعفات كبيرة، أنه «عندما قصد الاستعجالات الطبية بتوجيه من طبيب عام خاص، لم يصدق الحالة الاستثنائية والصعبة في بداية الأمر، مع الاكتظاظ الرهيب، لعدم توفر الأسرة والأماكن لمتابعة العلاج، مردفا القول إنه جلس على كرسي متحرك لعدة ساعات طويلة، ومع النقص الحاد في مادة الأكسيجين بالمصلحة،  اضطر إلى شراء مكثف الأكسيجين لمتابعة علاج شقيقه».
بينما سعيد 58 سنة يوجد تحت العناية الطبية منذ 5 أيام، فيضيف «بأن المصلحة تعرف اكتظاظا كبيرا للمرضى، مما ولّد هذا الأمر ضغطا نفسيا كبيرا علينا صعب تحمله في ظل نقص الأكسيجين الذي نحن بحاجة ماسة إليه».

الإرهاق هاجس الطاقم الطبي

الحرب المعلنة على الجائحة هي معركة غير تقليدية ضد عدو مجهول تقودها الطواقم الطبية وشبه الطبية هدفها السلامة الصحية للمرضى، وهي معركة لا خيار فيها إلا الانتصار في النهاية، فالجميع في سفينة واحدة، إما أن ننجو أو نغرق كلنا.
هكذا تحدثت إلينا بهذه العبارات التي تحمل دلالات عميقة، الطبيبة العامة «سامية حنيش» مسؤولة بمصلحة الوقاية، بمستشفى محمد بوضياف، عبارات توحي بحجم المعركة التي تقودها الطواقم الطبية، منذ ظهور الوباء الخطير، لاسيما العمل في الاستعجالات الطبية التي تواجه ضغطا رهيبا بسبب الإرهاق الذي نال من الجيش الأبيض، بسبب العمل المتواصل ليل نهار، فضلا عن الظروف النفسية للكوادر الطبية وشبه الطبية بسبب التعب الشديد.
وأشارت الى أن مصلحة الاستعجالات تعرف تشبعا كبيرا، وأصبحت لا تستوعب الأعداد الهائلة من المرضى الوافدين إليها، لدرجة أنه تم استغلال كل القاعات والمكاتب إلادارية وغيرها، بعدما كانت في السابق تقتصر على قاعة واحدة موضوعة تحت تصرف مصلحة «كوفيد» والآن تحولت الاستعجالات الطبية كلها إلى مركز العناية الطبية لمرضى كوفيد، حيث يتجاوز عددهم 40 مريضا، على غرار العدد الإجمالي الذي يتجاوز 160 مريض في المستشفى، زيادة على ذلك فقد تم تحويل مصالح أخرى كمصلحة طب الأطفال، الطب الداخلي رجال ونساء، طب العيون، الأذن والحنجرة وغيرها، تم ضمها إلى مصلحة كوفيد مع الإبقاء على طب العظام والجراحة العامة للحالات الاستعجالية.
وعن ظروف العمل التي يعمل فيها السلك الطبي، قالت «إنها صعبة للغاية مع الموجة الثالثة للوباء، الذي يزهق الأرواح من يوم لآخر، تصل أحيانا الوفيات إلى 10 ضحايا في اليوم الواحد» مردفة القول، نعمل بكل إرادة وعزيمة لمجابهة الوباء وفق الإمكانيات المتاحة لنا، نقوم بالمتابعة المستمرة رفقة الطاقم شبه الطبي بكل ما لدينا من جهد لتشخيص الحالات الوافدة إلى المصلحة، التي غالبا ما تكون معظمها حرجة تأتي متأخرة ويكون مصيرها الوفاة، بسبب تأخر نتاج بي سي آر  PCR ، وهذا الأمر يتكرر  يوميا ونجد أنفسنا في موقف صعب للغاية مع أهالي المرضى.

كورونا تُهيمن على الأمراض الأخرى

وتقريبا للصورة أكثر ونقل الواقع من داخل الاستعجالات الطبية بذات المستشفى، تقربنا من طبيبة الاستشارات الطبية « قرياني»، متحدثة لنا بأن الكوادر الطبية تعيش الحدث بمآسيه لما تواجهه يوميا من متاعب كبيرة، من خلال العمل الدؤوب في المصلحة لساعات متأخرة من النهار، للوقوف على الحالات المريضة بالوباء، وتقديم لها الاستشارات الطبية عن طريق اتباع البروتوكول الصحي الموصى به، وما يلفت الانتباه ويستدعي الوقوف عنده، أنه أغلب الحالات الوافدة من أصحاب مرضى كورونا، مقارنة بالحالات المرضية الأخرى التي شهدت تراجعا رهيبا، وأرجعت السبب في ذلك التخوف الكبير من هؤلاء الذهاب الاستعجالات الطبية للقيام بالفحوصات الطبية، مفضلة التوجه نحو العيادات الخاصة والأطباء الخواص.
واعترفت أن الاستعجالات الطبية، تعرف وضعا صعبا للغاية في ظل النقائص المسجلة في السلك الطبي، خاصة وأن العديد من الزملاء سقطوا ضحية الوباء اللّعين، كانت آخرها وفاة قابلة رئيسية قبل أيام قليلة فقط، مشيرة «إننا نعمل بحسب الإمكانيات المتوفرة لدينا، التي تبقى ضئيلة جدا  لمجابهة الجائحة التي تتزايد من يوم لآخر، لذلك لابد من زيادة الدعم بالاطار البشري حتى نتمكن من السيطرة على الوضع الصحي، أو على الأقل التخفيف من حدة وطأته ومنعه من الانتشار وإزهاق الارواح البريئة».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024