مختصون يدقون ناقوس الخطر

التطبيب الذاتي يرفع الإصابات بكورونا وأمراض أخرى

وهران: براهمية مسعودة

تطابقت الآراء حول ظاهرة التداوي الذاتي، التي تعرف ارتفاعا مقلقا وسط المجتمع الجزائري، وذلك رغم التحذيرات المتصاعدة من الاستخدام العشوائي للأدوية.

وقد رصدت «الشعب» أراء عدد من الأطباء والصيادلة بعاصمة الغرب الجزائري، وهران، بشأن الأسباب والمخاطر والحلول الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة ذات المخاطر المتعددة.
د.مسعودي بلحول: غياب ثقافة صحية وكلفة العلاج في مقدمة الأسباب
حذر الدكتور «مسعدي بلحول»، أخصائي الطب العام ببلدية الكرمة، جنوبي الولاية، من تنامي ظاهرة شراء الأدوية بدون وصفة طبية، بالنظر إلى انعكاساتها السلبية على صحة المواطن، خاصة المصابين بالأمراض المزمنة.
وربط مسعودي هذا السلوك بعدة أسباب، أبرزها: الحصول على الدواء بأسرع وقت وبأقل التكاليف، وأحيانا أخرى لقلة الوعي وضعف الثقافة الصحية، وكذا الخوف من عدوى المستشفيات، ولاسيما خلال الفترة الأخيرة.
وأرجع جانبا من ذلك إلى ارتفاع عدد الحالات الخطيرة لفيروس كورونا وسلالته، منوها إلى أن «الكثير من المرضى يصلون المستشفى ومختلف المراكز الصحية وهم في وضعية صعبة، جراء اعتمادهم على الاستطباب الذاتي، دون استشارة الطبيب أو المختص لتشخيص العلاج الأنسب، ناصحا «في حالة الشك، يجب التعجيل بزيارة الطبيب لتشخيص الحالة، بناء على العلامات والأعراض التي تشكو منها، سيما في ظل تزاحم الأفكار السلبية والمقلقة في ظل تواصل ارتفاع أعداد ضحايا كورونا المستجد وسلالاته المتحورة».
وبين أن «الطبيب هو الشخص الوحيد المخول بوصف الدواء المناسب لحالة المريض، حسب التشخيص الطبي والتحاليل المخبرية والسوابق المرضية للمصاب».
وتابع، أن «الدواء، أيّا كان نوعه، بما في ذلك الفيتامينات والمضادات الحيوية، تتدرج حسب الحاجة، وفي حالة الاستهلاك المفرط، يتعرض الجسم لمضاعفات خطيرة، منها تدني القدرة المناعية على مقاومة البكتيريا والفيروسات».
قواغ سيدي محمد، صيدلي: القانون الجزائري يمنع بيع الأدوية دون وصفة
من جانبه أوضح قواغ سيدي محمد، صيدلي تابع للمديرية الولائية للصحة والسكان، أن «القانون الجزائري، يمنع منعا باتا بيع أي دواء من دون وصفة طبية. في حين تسمح بذلك عدد من الدول الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالأدوية العادية، مثل المسكنات وأدوية علاج السعال...».
 وأضاف، أن الإكراهات الاجتماعية، تجعل الصيادلة المتمرّسين يبيعون أدوية لعلاج بعض الأمراض الشائعة بدون وصفة طبية؛ فمن الصعب على مواطن جزائري بسيط، أن يذهب إلى الطبيب بسبب ألم بسيط بتكلفة تتراوح بين 1000 إلى 2000 دج وأكثر، ناهيك عن الاكتظاظ المسجل لدى مختلف الأطباء، ولاسيما المختصين».
وكشف المتحدث، أن هناك أدوية معينة لا تباع نهائيا وقطعا إلا بوصفة طبية، خصوصا المجموعة الدوائية المسماة الكورتيزونات، وما يتعلق بالأدوية العصبية والنفسية والمهدنة، وذلك بالنظر إلى تأثيراتها الوخيمة على الصّحة الجسديّة والذهنية.
 وأشار إلى بعض الأطباء الذين يخدمون مصالح المرضى، من خلال وصف قائمة من الأدوية لمدة ثلاثة أشهر. لكن في المقابل، يعمد بعض المرضى زيارة طبيب آخر في مدة وجيزة من أجل الحصول على وصفة أخرى من الأدوية، لتستهلك كميات منها بطريقة ارتجالية حتى في الحالات البسيطة، وترمى أكوام أخرى بالمفارغ والمزابل العمومية النظامية والفوضوية؛ حيث تستهلكها الحيوانات الضالة وحتى المواشي، فيما ترمى الكثير من المواد الكيماوية والسامة داخل قنوات المياه لتتحلل، وتستهلك بطريقة غير مباشرة...».
دعوة إلى وضع قوائم محددة للأدوية الخطيرة
على ضوء ذلك، دعا المختص، الوزارة الوصية إلى وضع قوائم محددة للأدوية الممنوع بيعها دون وصفة، مؤكدا في الوقت نفسه أنّ كل الأدوية «عبارة عن مواد كيماوية سامّة، بما فيها مسكنات الآلام، على غرار البراسيتامول التي تسعى الدول المتحضرة لإيقاف استعمالها، فيما تحقق مبيعاتها بالجزائر أرقاما قياسية، خاصة بعد تعميم بطاقة الشفاء ومجانية الدواء، وفق ما صرح به نفس المتحدث.
ونوه في هذا الصدد، إلى الحالات الخطير التي تستقبلها المستشفيات يوميا بسبب الاستعمال المفرط لمسكن الألم باراسيتامول (Paracetam)، ولاسيما في حالة استخدامه بجروعات كبيرة وبفترة زمنية متقاربة؛ كونه يعمل على إحداث ضرر في الاتصالات الهيكلية الحيوية مع الخلايا المجاورة، وبالتالي تدمير بنية أنسجة الكبد، وتصبح غير قادرة على القيام بوظيفتها كاملة، وقد تموت في بعض الحالات، على حد تعبيره.
وأكّد، أنّ الشركات المصنِّعة تلجأ إلى عديد الحيل لتحصين نفسها من المتابعات، ومنها كتابة التنبيهات بحروف صغيرة جدا يصعب قراءتها بالعين المجردة، ناهيك عن الإنقاص المتواصل في عدد الكبسولات، وهو ما جعل، بحسبه، العديد من الدول المتحضرة، على غرار فرنسا، تمنع الاستخدام الشخصي للأدوية التي تحتوي على البراسيتامول، وأبرزها: دولبران وديفل، بعد ثبوت وجود مخاطر حقيقية على صحة متعاطيها.
د. بوخاري يوسف: الاستهلاك العشوائي للأدوية يزيد الحالة سوءا
دعا رئيس مصلحة الوقاية بنفس المديرية د.بوخاري يوسف، إلى تجنب استهلاك الأدوية بطرق عشوائية، دون احترام خصوصية المرض وطريقة ومدة العلاج، ولاسيما بالنسبة للفئة التي تعاني ظروفا صحية معينة؛ مما يتسبب في تسممات أو تلف وضرر بالأعضاء الداخلية للجسم، وكذا تدمير مناعة الجسم ضد البكتيريا المسببة للمرض، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى خلق نوع جديد من البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوي، كما يمكن لهذه الأدوية أن تجعل من نتائج التحاليل البيولوجية غير صحيحة فتعيق عملية التشخيص وتزيد حالة المريض سوءا، وفق تعبيره.
في هذا الإطار، تطرق الدكتور بوخاري إلى المعلومات الكاذبة والنصائح غير السليمة المتداولة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، من الأقوال والأفعال التي تروج الوهم في ظل مخاوف «كورونا» وسلالاته.
وعبّر عن تخوفاته واستيائه مما تعرضه بعض المواقع الاجتماعية من وصفات طبية ومنتجات عشبية ومركبات تستخدم كأدوية أو مطهرات أو خلطات، يتم تركيبها وتوضع على الجسم والمنازل للوقاية من الفيروسات والميكروبات والبكتيريا والعدوى بمختلف أنواعها وأشكالها، منوّها إلى أن التطبيب الذاتي سيؤدي إلى نتائج وخيمة، ويكون سببا في إصابة عائلات بأكملها، نظرا لسرعة انتشاره.
وعاد نفس المصدر، ليحذر من مخاطر الاستخدام غير المقيد للمضادات الحيوية، باعتبارها المحرك الرئيس لارتفاع الإصابات المقاومة للعقاقير، والحد من قابلية الشفاء من الأمراض، نظرا لتعود الجسم عليها.
وأوضح، نقلا عن آخر الدراسات والأبحاث العالمية، أن «المضادات الحيوية لا تقضي على الفيروسات، كونها اخترعت خصّيصا لمقاومة العدوى الجرثومية، وبما أنَّ مرض كوفيد-19 سببه فيروس، فإن المضادات الحيوية لا تقضي عليه...».
مطالب بوضع استراتيجيات جديدة لكبح الاستخدام المفرط للأدوية
وشدد المسؤول الصحي على أن «القانون واضح، ولا يسمح بوصف مثل هذه الأدوية دون تشخيص»، الأمر الذي حدا به إلى الدعوة لوضع استراتيجيات جديدة لكبح الاستخدام المفرط للأدوية، إلى جانب ضرورة العودة إلى ما يعرف بطبيب «العائلة» الذي يقدم الرعاية الصحية الأولية والشاملة لكافة أفراد الأسرة، وكذا التوجيه إلى المختص المحدّد.
ونبه الدكتور بوخاري يوسف في الختام، إلى «التكلفة الاقتصادية الكبيرة للاستعمال المفرط للأدوية، كون أن أغلب هذه المواد مستوردة بالعملة الصعبة؛ وهو ما يؤثر على الخزينة العمومية ويزيد من التبعية».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024