قدم الأستاذ عمار بن تومي أول وزير العدل في الجزائر المستقلة ومحامي جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية وعضو لجنة مساندة ضحايا القمع الاستعماري صورة حية عن حالة الدفاع الجزائري في مواجهة المحاكم الخاصة، واحتكامها إلى أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.
وقال بن تومي في ندوة نظمها منتدى »الشعب« في احتفائية أول نوفمبر عنوانها »الدفاع عن مناضلي الحركة الوطنية والثورة التحريرية«، أن المحاكم الفرنسية التي نصبت لم تمنح أية فرصة دفاع للجزائريين، وتضعهم رهن الاتهام الدائم في أية قضية مهما كانت درجتها.
وذكر الأستاذ بن تومي الذي غاص في أعماق الاستعمار الفرنسي، وكيف دخل البلاد، وصار يسيرها بطريقة همجية ضاربا عرض الحائط الاتفاق الموقع مع الداي حسين، بحقائق عاشها عن قرب.. وأحداث كان من صناعها إلى جانب جزائريين آخرين كسروا حاجز التردد.. وتسلحوا بأبجديات مهنة المحاماة في الدفاع عن المناضلين الوطنيين، المنتفضين من أجل الحرية والسيادة..
وتوقف مطولا عند قانون »الأنديجينا« الذي جرد الجزائريين من كل الحقوق، وكبلهم بالواجبات، حرصت المحاكم العسكرية على ملاحقة كل من يخرج عن »النظام الاستعماري«، ولا ينساق وراء تعاليمه وقواعده.
حرصت المحاكم العسكرية والخاصة على فرض سلطة مطلقة ضد كل من يتحرك في الاتجاه المعاكس.. ويخالف الرأي.. ولا يقبل بما تمليه قوة الحاكم.. ونفوذه وهو حاكم صار وحده يصوغ الأوامر والتعليمات ويطبقها على سكان الجزائر حاملين التسمية العنصرية آنذاك »الأهالي«، حتى الذين أبلوا البلاء الحسن من النخبة والباشغات الذين تنكروا لأبناء جلدتهم، وانسلخوا عن هويتهم ودينهم، وأظهروا أنهم في خدمة فرنسا الاستعمارية في السراء والضراء، لم ينالوا حقوقهم.. ولم يستفيدوا من الاندماج في المجتمع الفرنسي، ويقبلون ولو من درجة ثانية.
والدليل على ذلك تنكر السلطات الاستعمارية للكثير من هؤلاء... وفرضت عليهم المنفى، والعيش خارج الوطن، بعضهم اختار المشرق، والآخر أوروبا.
ويعد الأمير خالد أحد الأمثلة الحية في هذه المعادلة، حيث بعدما ألقت السلطات القبض عليه، ولم تقبل مطالبه المرفوعة بالحصول على بعض المساواة مع الأوروبيين والفرنسيين خصوصا، فرضت عليهم هذا الخيار الحتمي.
مع ذلك لم يستسلم الجزائريون للأمر الواقع، واتخذوا من القهر الاستعماري وضغطه الممارس بلا توقف ضدهم، سلاحا في مواجهة الآلة الاستعمارية، وكان الدفاع أحد آليات النضال الأنسب، والأكثر فتكا وقوة في مواجهة القوى الاستعمارية.
الدفاع إلى جانب الوطنيين
وحسب بن تومي، فإن الدفاع الجزائري، الذي لم يكن بالحجم الكبير تنامى، وتقوى، بعد الحرب العالمية الثانية عندما لاحت في الأفق مؤشرات تؤكد بالملموس القطعي أن استعادة الحق المشروع، والاستقلال الحتمي لن يكون دون توظيف القوة تطبيقا للقاعدة المقدسة »ما أخذ بالقوة يسترد بها«.
وهنا تزايد دور المحامين الجزائريين في الدفاع عن المناضلين الذين وضعوا الحرية نصب الأعين.. ورأوا أن السيادة لابد أن تسترجع بقوة السلاح، خاصة بعد تنكر فرنسا للوعود، واقترافها جريمة لا تغتفر في حق المتظاهرين سلميا في 8 ماي.
رأوا هذه الحقيقة ساطعة بعد دخول الحركة الوطنية في مأزق، وحدوث شرخ في حركة انتصار الحريات الديمقراطية بين مصالي، والمركزيين، فجاءت مجموعة من الشباب، بقرارات فاصلة حاسمة، فجرت ثورة نوفمبر.
وبقدر ما كانت الثورة ملتهبة في ربوع الجزائر، بقدر ما رافقتها فرنسا بممارسات قمعية ضد الوطنيين، أفضت إلى تكوين فريق قوي من المحامين، خاضوا معارك داخل كواليس المحاكم، وجلساتها، دفاعا عن المناضلين الذين لم يستسلموا لليأس.. واتخذوا من تناقضات القوانين والتشريعات الفرنسية »أوراقا رابحة« في المرافعة ضد موكليهم..
في هذا الجو، برزت مجموعة المحامين المشكلة في عمق الثورة التحريرية لإظهار للملأ قوة المرافعة في إعلاء صوت الحق.. ومصداقية الرسالة، وعدالة القضية التي هب من أجلها الشعب الجزائري بكل أطيافه وفئاته.. وأنه شعب يحمل كامل المواصفات والحقوق، ويمتلك حضارة عريقة ضاربة في أعماق التاريخ.. وليس مجرد »أنديجان« مجرد من كل شيء مثلما ردعت فرنسا الاستعمارية، وولدت بذلك شرارة الثورة من أجل استعادة الحق المهضوم والحرية المسلوبة والوطن المغتتب، وشهادة بن تومي الدليل القاطع.
اتخذوا من تناقضات التشريع الاستعماري سلاحهم في المرافعة
المحامون الجزائريون يخوضون معارك ضد المحاكم الفرنسية
فنيدس بن بلة
شوهد:504 مرة